السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

حادثة جمعتني بجبران

المصدر: "النهار"
محمد نمر
حادثة جمعتني بجبران
حادثة جمعتني بجبران
A+ A-

"لن أسمح بالاعتداء على أيّ صحافي في النهار"، سببٌ دفع الشهيد النائب جبران تويني إلى تحدي تهديدات النظام الأمني اللبناني المقرَب من سوريا ومتابعة مسيرة الدفاع عن الحريات. ففي عام 1997، كتب الصحافي بيار عطالله مقالاً أزعج النظام السوري وجهاز الأمن العام اللبناني الذي كان يديره آنذاك اللواء جميل السيد.


ملف: جبران تويني


ويروي وزير الاتصالات بطرس حرب لـ"النهار" تفاصيل الحادثة التي ترمز إلى "عقلية جبران": "زارني عطاالله في مكتبي الخاص بشؤون المحاماة، بصفتي محامي "النهار" ووكيل جبران تويني. استوقفته سيارة عند خروجه، ونزل منها أشخاص انهالوا عليه بالضرب.
التقطت بعض الصور لعطاالله وهرب إلى الخارج ليحميَ نفسه. وقرر حينها جبران تويني أن يعقد مؤتمراً صحافياً يعرض فيه صور عطاالله، ويكشف ان الأمن العام اعتدى على صحافي في "النهار". وفي أحد الأماكن وخلال انتظاري جبران لتناول العشاء سوياَ، اتصل بي اللواء السيد المدير العام للامن العام آنذاك، بصفتي وكيل جبران، وقال لي: أنصح بعدم عقد المؤتمر، وإذا عقده... "بدي أعمل وسوّي بجبران"، بلغة تهديدية واضحة.
انتهى الاتصال مع السيد مع وصول جبران. فأعلمته بمضمون الاتصال، وتناقشنا بالموضوع سوياً، لكنّه اتخذ قراره وقال: سأعقد المؤتمر مهما كانت النتائج، ولن أوافق على الاعتداء على أي صحافي وعلى بيار عطا الله. وطلب مني باعتباري وكيله أن أعفيَ نفسي من الموضوع، وألا أتحمل مسؤولية المواجهة، باعتبارها معركته ويريد تحمّل المسؤولية وحده. لكني لم أوافق على أن يعقد جبران المؤتمر من دوني، وتضامنتُ معه ودخلنا سوياً آنذاك الى المؤتمر في نقابة الصحافة وعرضنا ما نريده".
هذه الحادثة في رأي حرب تثبت ان "جبران كان قادراً على المواجهة ولديه الشجاعة لذلك، وأنّه يدافع عن حرية الرأي والاعلام والديموقراطية".


تهديدات بسبب انفتاح جبران على الآخر


"لا يكون استقلال لبنان على يد فريق واحد، بل عبر التواصل مع كل الأطياف اللبنانية". تلك هي إحدى ركائز سياسة الشهيد تويني، وهي نفسها التي دفعت النظام السوري الأمني في لبنان إلى تهديده بعد عام 2001، عبر شخص مقرّب من السوري، تواصل مع تويني بحجّة "بِهمّني وضعك".
كانت المرة الأولى التي يتعرّض فيها أحد اعضاء "لقاء قرنة شهوان" إلى تهديدات بهذا الشكل المركّز. اتصل تويني في اليوم نفسه بالنائب السابق سمير فرنجية، أحد المقربين إليه. فترك الأخير منزله وتوجه إلى منزل تويني، وكانت الحادثة بالنسبة إلى فرنجية "الاختبار الأول لمواجهة جبران تهديدات بهذا الشكل، خصوصاً أن النظام الامني كان حينها مفزعاً". فاكتشف فيها فرنجية تماسك تويني وجرأته.
انتقل الاثنان إلى منزل منسق الامانة العامة لقوى "14 آذار" الدكتور فارس سعيد. لم يكن خائفاً ولم يأخذ أي قرارات جديدة أو اجراءات لحماية نفسه بعد التهديد، بل اعتبرها مرحلة جديدة وتحتاج إلى المزيد من المواقف. ويقول فرنجية لـ"النهار": "خرجت حينها راضياً وفرحاً بجبران على مستويين، الأول: جرأته، والثاني: تمسكه بالمسيرة الجديدة، مسيرة اكتشاف الآخر المختلف ومد الجسور معه. وقد ختم هذا النهج في قسمه الشهير في "14 آذار"، إذ كان لدى جبران مدرسة مختلفة تعطي الأهمية للآخر، وتؤكّد قناعته بأن الاستقلال لا يتم على يد فريق واحد، وأتاه التهديد عندما انفتح على الآخر، اذ تبيّن ان كل سياسة سوريا قائمة على عدم السماح بلقاء لبناني – لبناني".



"شو ما بيجي من الله يا محلاه"
"متكل على الله وشو ما بيجي يا محلاه" هي جملة كان يرددها جبران تويني لمن ينصحونه بالحذر بسبب التهديدات التي تلقاها، ومنهم الامين العام لحزب "الوطنيين الحرار" الياس ابو عاصي الذي كان من الداعين إلى إطالة فترة إقامة تويني في باريس. "لكن للاسف اخذ قراره حينها".
يقول ابو عاصي لـ"النهار": "ذكرياتي مع جبران كانت في لقاء قرنة شهوان"، حيث تميّز باسلوب نقاشه وافكاره، وكان من أعضاء الخلية الصغيرة التي تهتم بصياغة البيان قبل تلاوته على الجميع، ولا ينسى ابو عاصي "اهتمام تويني في تحديد الكلمة المناسبة في النص، وكان يأخذ وقته فيها، ولا أنسى حماسته والتزامه ودقّة مواعيده، فهو لم يتخلف عن أيّ اجتماع، وكان السبّاق في طرح المواضيع التي تهم القضية اللبنانية، والتي أهمها بالنسبة إليه سيادة لبنان التي كانت مرادف حياته. ولكي تتحقق، لا بد برأيه من عيش مشترك فاعل اسلامي - مسيحي وهذا ما عبّر عنه في قسمه الشهير".



الصديق الشاب ولبنان العصر الجديد
لتويني أصدقاء كثر ومنهم مسعود الاشقر. وقد جمعتهما صداقة قوية وبالنسبة إلى الأخير فإن "خسارة جبران كبيرة، لأنه لم يكن محباً وعنفوانياً فحسب بل كان صديقاً". ورئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي روجيه نسناس ايضا يستذكره بموقف كان تويني يردده: "اذا كان العالم من حولنا ينجرف نحو الصراعات الدينية والطائفية، فنحن في لبنان يجب أن نعطي النموذج لرسالة العصر الجديد التي هي قبول الآخر لنصنع حضارة اللقاء".
"الله يرحمو يمكن أجا بغير وقتو" يقول نسناس، فلبنان حالياً في أمسّ الحاجة إلى جبران تويني. وبحسب نسناس، كان جبران يتطلع الى لبنان بكل مناطقه وكل فئاته وقطاعاته، فهو "ابن بيت ما بيعرف العصبية المذهبية، ما بيعرف المحاصصة المناطقية لهذا السبب أطلق قسمه الشهير".



في الجامعات والجمعيات
عرف نسناس تويني كصديق وصحافي في "النهار" ورجل أعمال ولبناني، رافقه في مسيرته منذ البداية، ويصعب عليه نسيان جبران تويني، ويقول: "بوقت قليل وفي عمر مبكر عرف جبران كيف يكون رمزاً للصداقة وللشباب وللبنان"، مضيفاً: "كصديق كان مثالاً للشفافية والاقدام، أما كشاب فاختصر كل طموح الشباب وشجاعتهم وحلمهم، ولهذا، احتضن جبران الكفاءات وزارهم في جامعاتهم وجمعياتهم ونواديهم، وفتح لهم "نهار الشباب"، ولم يستطع ان يرى لبنان إلا في الشباب".
لا يخفي نسناس ان جبران كان حاداً في مواقفه "لكن ليس ضد أحد بقدر ما كان الأمر من أجل لبنان، وكان يعي أن لبنان ابن التاريخ الكبير يجب أن يكون وطن الزمن الآتي بكل جدارة".


[email protected]
Twitter: @mohamad_nimer

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم