الأربعاء - 17 نيسان 2024

إعلان

كي يكون لـحوار "حزب الله" و"تيار المستقبل" معنى!

ريـمون شاكر
A+ A-

على الرغم مما يقال عن أزلية رئاسته للمجلس النيابـي، وتفرّده أحياناً فـي تفسير "الـميثاقية" ومقتضياتـها، لا أحد يستطيع أن ينكـر على الرئيس نبيه بري أنه رجل الـحوار. فهو أول من أطلق جلسات الـحوار فـي 2 آذار 2006 بعد اغتيال الرئيس رفيق الـحريري فـي 14 شباط 2005 وصدور القرار 1559، وهو أول من دعا إلى التهدئة والتعقّل عندما كانت النفوس مشحونة بالـحقد والكراهية ضد الوصيّ السوري وحلفائه. إمتدت جلسات الـحوار حتى تشرين الثانـي 2006 وتعثرت عند مسألة سلاح "حزب الله". حـمل مشعل الـحوار رئيس الـجمهورية ميشال سليمان، وأطلق جلسات الـحوار فـي 16 أيلول 2008، ولكنّ الـجلسات توقفت مراراً عند البحث فـي سلاح "حزب الله" و"الاستراتيجية الدفاعية". عاد الـحوار إلى بعبدا فـي 11 حزيران 2012، وبعد ساعات من النقاش صدر "إعلان بعبدا" متضمناً 17 نقطة توافق عليها الـمتحاورون، وأهـمّها: تـحييد لبنان عن سياسة الـمحاور والصراعات الإقليمية والدولية وتـجنيبه الإنعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية. هذا "الإعلان"، الذي رأى فيه الـموفد الرئاسي الروسي ميخائيل بوغدانوف أنه "يصلح تعميمه على بقية الدول فـي الشرق الأوسط"، تراجع "حزب الله" عن تأيــيده بعد أيام من صدوره، وانـخرط مباشرة في الـحرب السورية مدافعاً عن نظام الأسد. فاستعرت الـخلافات السنية - الشيعية، وازداد الإنقسام بين أبناء الشعب الواحد والعائلة الواحدة، وانعكس هذا الـخلاف على كل الـملفات الوطنية وأهـمّها الإستحقاق الرئاسي، ففرغ القصر الـجمهوري من سيده، وأصاب الشلــل كل الـمؤسسات الدستورية، وتـمّ التمديد للمجلس النيابـي مرتين خوفاً من "الفراغ الشامل"، كما جاء فـي حيثيات الـتمديد.
شعر الـجميع بالـخطر الـمحدق بالبلاد من إرهابـيي الداخل والـخارج، ومن تردّي الأوضاع على كل صعيد، فتحرك الرئيس نبيه برّي في كل اتـجاه، وأقنع الفريقين الأساسيين بوجوب التلاقـي والعودة إلى الـحوار بعدما لاحت له فـي الأفق بعض الإشارات الإقليمية الإيـجابية نتيجة الـحلحلة فـي الـمفاوضات الأميركية - الإيرانية المتعلقة بالـملف النووي. صحيح أن الـحوار سينطلق قريباً، ولكنّ الـجميع يسأل: أي حوار نريد؟ وأي حوار مسموح به؟ هل نريد الـحوار للحوار كما درجت العادة، أم نريد الـحوار كي نعالـج مشاكلنا السياسية والأمنية والاقتصادية والـحياتية؟ إذا كان هدف الـحوار تنفيس الاحتقان السنـي - الشيعي، فـهذا جيد وضروري، لأن الصراع إمتدّ على مستوى الـمنطقة، ولكنه غير كافٍ، ولا يلبـّي مطالب الناس وحاجات الوطن. فمشاكلنا كثيرة وهواجسنا كبيرة ووضْع البلد لا يـحتمل الـمكابرة والتعنت ودفن الرؤوس في الرمال. هناك مواضيع ملـحّة لا يـجوز التغاضي عنها وحذفها عن طاولة الـحوار مهما كانت صعبة أو معقّدة، والناس لا تطلب الـمستحيل عندما تطالب بأن يكون هذا الـحوار الـمرتقب خطوة على طريق الـمصالـحة الوطنية الشاملة التي لا تستثنـي أحداً من مكونات الـمجتمع. صحيح أن كل مشاكلنا مُلـحّة، ولكنّ الأولوية الآن هي لانتخاب رئيس جديد للـجمهورية لإنـهاء الفراغ الرئاسي الـمستمر منذ 25 أيار 2014، والاتفاق على قانون جديد للإنتخابات يلبـي إرادة الناخبين ويؤمّن تـمثيلهم الصحيح ويـحقّق الـمناصفة الـحقيقية التي حدّدها الدستور، ولا سيما الـمادة 24 منه. ثـمّ الإسراع فـي تشكيل حكومة جديدة تضمّ كل الأطراف، وتكون أولـى مهماتـها معالـجة موضوع العسكريين الـمخطوفين، وإجراء الإنتخابات النيابية، وسـحب السلاح من أيدي جـميع الـمواطنين، وتـثبيت الوضع الأمنـي فـي كل الـمناطق، ونشْر الـجيش على طول الـحدود اللبنانية - السورية بـمساعدة قوات "اليونيفل" تطبيقاً للقرار 1701، والعمل فوراً على إنـجاز الترتيبات اللازمة لبدء باستخراج النفط قبل أن تضيع ثروتنا النفطية بين قبرص واسرائيل. فاقتصادنا الـمتهاوي، وديوننا التي قاربت السبعين مليار دولار، لا يـحتملان الـمماطلة والتفتيش عن الـمكاسب الشخصية الرخيصة، ويحتاجان إلى معالـجة سريعة بإصدار مـجلس الوزراء الـمراسيم الـمطلوبة لتتقدم الشركات الـمؤهلة بعروضها فـي أقرب وقت.
إن موضوعَي سلاح "حزب الله" و"عودة الـحزب من سوريا" هـما من الـمشاكل الإقليمية الكبيرة التي قد تتطور وتطول. ويبقى ملف الـمحكمة الدولية الذي لن تتبلور نتائجه قبل نـهاية سنة 2015، ويـخلق الله ما لا تعلمون. أما السؤالان اللذان يشغلان بال الـجميع: هل يـمكن للحوار أن ينجح إذا أصرّ كل فريق على مرشحه الرئاسي، أم أن نـجاح الـحوار يفرض على الفريقين التنازل واستبعاد مرشحَيّ "الـمستقبل" و"الـحزب"؟ وهل يـمكن أن يثمر الـحوار بين "حزب الله" و"تيار الـمستقبل" رئيساً جديداً بعيداً عن رغبة الـمسيحيين؟... هذا يعود إلى الـمسيحيين أنفسهم، وإلى وعيهم خطر عنادهم وتعنتهم. فكما أن الـحوار سينطلق بين فريقين متخاصمين، الـمطلوب بإلـحاح أن يبدأ بين الفرقاء الـمسيحيين مهما كان التباعد كبيراً والـخلاف عظيماً. وتبقى بكركي الـملاذ والـمكان الـمناسب لأي حوار.


ريـمون شاكر
مـخـتـار الـجـديـدة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم