السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

معاناة عائلة مسيحية هربت من "داعش" إلى لبنان (خاص "النهار")

المصدر: "النهار"
كلودا طانيوس
معاناة عائلة مسيحية هربت من "داعش" إلى لبنان (خاص "النهار")
معاناة عائلة مسيحية هربت من "داعش" إلى لبنان (خاص "النهار")
A+ A-

من بلدة باطنايا المسيحية في محافظة نينوى العراقية، غادر كامل س. وعائلته مُكرَهاً ومُهَدّداً في وجوده، متوجّهاً إلى خارج البلاد، تاركًا منزله وأراضيه والبلدة التي حضنته كشمّاسٍ للكنيسة. وقد حمل معه ذكرياتٍ جميلة ومرّة في الوقت نفسه، وانطلق قسراً إلى لبنان.


 


 


تهديد يومي واضطهاد مستمرّ


وفي حديثه لـ"النهار"، يُخبر السيد كامل وزوجته أسمهان وابنته مريم كيف كانت حياتهم في العراق، ويؤكدون أنهم شعروا بالتهديد الحقيقي عندما ظهر تنظيم "داعش" وبدأ تحرّكاته وهيمنته تدريجياً على الموصل التي تبعد 15 كلم فقط عن بلدتهم.


ويصف كيف تدهورت الأوضاع يوماً بعد يوم، لافتاً إلى أنه وأبناءه تعرّضوا مرات عدة للتهديد كلامياً من المنتسبين إلى "داعش"، خصوصاً لأنهم مسيحيون. ويقول: "عندما يعلمون أني نصراني، لا يدعوني أمرّ في طريقٍ ما، أو سوقٍ معينة، أو أن أعود إلى منزلي إلا بعد تهديدي وترهيبي والتوجه إليّ بكلامٍ مخيف يجعل أيّاً كان يريد المغادرة". ويؤكد أنه تعرّض أكثر من مرّة للتهديد بقوة السلاح أيضاً "بما أن العديد منهم يحملون مسدّسات بشكلٍ يومي"، مضيفاً أنه عدا عن التهديدات، خُطِفَ الكثير من أصدقائه المسيحيين والمسلمين على السّواء.




كيف غادر كامل وعائلته؟


يُكمل السيد كامل حديثه وهو يرشف القهوة في الشقة الصغيرة التي استأجرها في منطقةٍ متنية، فيما يُلاحَظ أن صمت ابنته وزوجته يدلّ نوعاً ما إلى ما عانوه قبل الوصول إلى لبنان: "غادرنا في 26 آب 2013، ونشكر الله أننا سالمون، فلو بقينا حتى سقوط الموصل كلّيًا بيد "داعش" (10 حزيران 2014)، لما تمكّنا من مغادرة العراق بسهولة أو قُتِلنا".


فتوجه وأهل البلدة شمالاً عندما اشتدّت التهديدات في العام الماضي، مغادرين البلدة لعدّة أيام في حزيران 2013، لكنهم ما لبثوا أن عادوا أدراجهم فيما غادر القسم الأكبر من باطنايا إلى حدود تركيا. وبعد شهرَين، رأى الشماس كامل أن الوقت للرحيل قد حان، "إذ بات المشهد واضحاً أننا مهددون بوجودنا، بعدما استولوا على أراضينا وأحياء البلدة وتمادى التهديد الداعشي حتى وصل إلى عقر دارنا"، مشيراً إلى أنه خسر منزله وممتلكاته جميعاً، وخسر وظيفته أيضاً بما أن صاحب العمل تعرّض للتهديد بدوره، ورحل إلى خارج البلاد.


فغادرت الأسرة متوجهةً إلى لبنان، عبر مطار أربيل إلى بيروت. وعن سبب اختياره لبنان كملجأ يجيب الشماس كامل: "سبقَنا إليه أقرباؤنا، وأعلمونا أن العديد من العراقيين استقروا هناك حتى الآن". ويشكر كامل عبر "النهار" اللبنانيين على "ضيافتهم وكرمهم وقبولهم لنا كعراقيين مضطهدين"، مؤكداً أنه لم يواجه أي اضطهاد هنا أو عنصرية، وهو ما كان يحمل همّه قبل المجيء، "خصوصاً أن اللاجئين السوريين يتعرضون لقمعٍ معين وحظرٍ في التجوال".



الحال قبل "داعش"


يبدو جلياً على وجه كامل حنينُه للتعايش المسيحي الإسلامي الذي كان في بلدته كما يقول، فبلدة باطنايا بلدةٌ مسيحية تجاورها بلداتٌ إسلامية سنّية.. وتدخل زوجته هنا على خط الحديث، مُخبرةً عن تفاصيل حياتهم اليومية التي تَشاركوها من قَبل مع أصدقائهم المسلمين.


"كنّا نعيش ببساطة تامّة. وكنّا مسرورين، تجمعنا الزيارات مع المسيحيين من بلدتنا ومع المسلمين من البلدات المجاورة" تقول السيدة أسمهان لـ"النهار"، وتضيف: "كنا نلعب الورق في الأمسيات، وكنّا نزيّن منازلنا بشجرة وزينة الميلاد، وتلعب ابنتي مع "بابا نويل" ونحتفل بالقداديس والأعياد المسيحية متجوّلين حول الكنيسة في البلدة...".


لكن هذه الأمور أصبحت مستحيلة اليوم، تؤكد أسمهان لـ"النهار": "فمنذ أن بدأت التهديدات والأوضاع الحذرة بين المسيحيين والمسلمين، تخلّينا عن العديد من عاداتنا وأعرافنا"، وتذكُر أنها توجهت وزوجها إلى الموصل قبل مغادرتهما بمدّة شهر، وأُجبِرَت على أن تضع الحجاب وتُخفي وجهها.


وتضيف أن أكثر ما افتقدَت إليه في باطنايا هو الأمان الذي كان سائداً في زمن الرئيس الراحل صدام حسين. إذ وصفَتها وزوجها أنها كانت "أحلى الأيام لأن الأمان كان متوافرًا، وتمتّعنا كما السكان بحصّة مالية شهرية من الحكومة العراقية".



كيف استقروا في لبنان وما الذي أحبّوه فيه؟


استقر الشماس كامل وزوجته وأولاده (ثلاثة شبان وابنته مريم) في لبنان، في منطقةٍ متنية كثيفة السكان، بعدما استأجروا شقة أُفرِغَت جرّاء هجرة أشخاص عراقيين كانوا استأجروها، وهم من معارفهم فأعلموهم بتوافرها.


من أبرز الصعوبات التي واجهها كامل هو غلاء المعيشة في لبنان مقارنةً بالعراق، إذ إنه بالكاد يقتصد جرّاء تسديده مبالغ مرتفعة للطعام والإيجار وغيرها من "لوازم البيت"، ويؤكد أنه مِثل معارفه العراقيين الذين تقدّموا بطلب هجرة عبر الأمم المتحدة إلى الولايات المتحدة الأميركية، قدّم طلباً للهجرة إلى أيّ دولةٍ متقدمة خارجية، مشيراً إلى أنه يفضّل أوستراليا حيث يعيش شقيقه.


ويحمد الشماس كامل الله والعذراء مريم يومياً بما أنه وجد فرصة عمل فور وصوله إلى وطن الأرز، فهو يعمل كحارسٍ وبوّاب في أحد المراكز التجارية المتنية. كذلك يعمل أبناؤه الثلاثة في معملٍ للشوكولاتة، ويتشاركون تسديد الفواتير المنزلية.


وعمّا أحبّوه في لبنان، يجيب كامل وزوجته أنهما والعائلة زاروا العديد من المناطق، وأُعجِبوا كثيراً بمزار أم المراحم في مزيارة، وبدير سيدة النورية في حامات، ومغارة جعيتا، ومزار سيدة حريصا، ودير عنّايا – مار شربل. ويؤكد كامل أننا "نشعر بمسيحيتنا في لبنان أكثر من العراق"، داعياً المسيحيين اللبنانيين أن يتشبّثوا بأرضهم ولا يهاجروا، لأن الوضع هنا مختلف عن العراق، كما قال.


وسألَته "النهار" إن كان يخشى دخول "داعش" إلى لبنان بعدما حصل في عرسال في آب الماضي، فأجاب: "الجيش العراقي انسحب من الموصل واستسلم، لكن الجيش هنا استبسل وأظهر شجاعة، على اللبنانيين جميعاً أن يحترموها ويقدّروها".


 


 [email protected] / Twitter: @claudatanios

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم