الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

بعد 5 أشهر من الولادة بدأت النوبة المرعبة وتغيّر كل شيء!

المصدر: "النهار"
رين بو موسى
A+ A-

بعيون سارحة دخلت سعاد غرفة الجلوس، تحمل بيد واحدة وعاء كبيراً مليئاً بالمكسرات ورقائق البطاطا، تكاد الحبوب تتساقط منه، يبتسم لها والدها ويقول لها "تعي لقلبي" فيأخذها في أحضانه فهي أغلى "ما يملكه". سعاد التي فضلت والدتها الا نذكر اسمها الحقيقي، تعاني "مرض" التوحد وهي تبلغ اليوم احد عشر عاماً. تطعم والدها بيدها وتنظر اليه بحب وحنان وكأنهما في مكان منعزل في هذه الحياة. تدخل والدتها الى الغرفة حاملة "صينية القهوة"، وما إن لمحتها سعاد حتى أصرت على سكب القهوة لضيوفها بنفسها. طلبت من الوالدة وضع الصينية على الارض بالاشارة، فالوالدة لا ترفض لها طلباً، وضعت ملعقة من السكر في فنجان والدها وأعطته القهوة كما يحبذها وقدمت لضيوفها قهوتهم بابتسامة وبعيون ضائعة وكأنها لا تعرف ما ستفعل في اللحظات القليلة المقبلة.
ولدت سعاد في العام 2003، الفرحة كانت عامرة في ذلك المنزل بخاصة أن الوالدين كانا قد تقدما في العمر ففي حينها كانت هناء تبلغ الخامسة والثلاثين عاماً في حين كان زوجها جورج يبلغ 55 سنة، حتى فاجأتهم المصيبة عندما بلغت سعاد الخمسة أشهر، فقد تعرضت لنوبات متواترة من التشنج والرجفان والبكاء الشديد من دون أي سبب، نوبات أخافت الوالدة والوالد الذي كان يحملها في تلك اللحظة التي كانت أشبه بالنسبة اليهما بنهاية العالم، ولشدة الخوف رماها في أحضان أحد الأصدقاء "شو بعمل؟!"، صرخ خوفاً على حبيبة قلبه.
في أول الفحوصات الطبية لم تدرك تلك العائلة أن ابنتهم مصابة بـ "مرض" اسمه التوحد، فقد أوضح لهم طبيبها المعالج أن هناك خللاً في كهرباء الرأس، ومع تقدم الأيام، بدأ أهلها يلاحظون أعراضاً لا يمرّ بها الأطفال عادة، فقد تنبهت والدتها هناء أن سعاد تأخرت بالنطق، وبدت لها باردة لا تتفاعل بشكل جيد ولا تركز نظرها، وبعد الفحوص اللازمة، تبيّن أن سعاد مصابة بالتوحد.


ما هو التوحد؟
تعتبر رئيسة الجمعية اللبنانية للاوتيزم (التوحد) اروى الامين حلاوي ان التوحد ليس مرضاً بل هو حالة يولد فيها الطفل، اذ إنه ناتج من خلل جيني، وتشرح أن هذه الحالة لا علاج لها، انما جلّ ما يحتاج اليه المصاب بالتوحد معاملة خاصة من الاهل وفريق متعدد الاختصاص من معالج للنطق، مربية مختصة، معالجة نفسية... تبدأ عوارض أو مؤشرات اصابة الطفل بالتوحد تظهر بدءاً من عمر السنة ونصف السنة، سن التفاعل مع المحيط، اذ يعاني المصاب مشكلة بالتفاعل والتواصل الاجتماعي ومشكلة في النطق. وتوضح حلاوي ان بعض المصابين لا يستطيعون التكلم في حين أن آخرين يتكلمون بصورة طبيعية، والبعض الاخر يتحدثون بطريقة ببغائية ولا يستمعون إلى الكلام الموجّه لهم. ويلاحظ الاهل أن المصاب بالتوحد لا يركز في نظره، ولا يتفاعل حتى مع الالعاب. وتضيف ان التوحد درجات، فالبعض يصاب بنوبات متواترة، فاذا تواجدت كل تلك العوامل، الطفل مصاب بالتوحد، مشددة على ان "الكشف المبكر مهم جدا".



قوة خارقة رغم الصعوبات
تروي هناء قصة ابنتها البكر، بغصة كبيرة مشيرة الى صعوبة التعامل معها، خصوصاً ان تقنية التواصل لدى سعاد صعبة جدا كمعظم الذين يعانون حالتها. تستذكر الوالدة السنوات الماضية بغصة ترجمتها بدمعة لم تسمح لها ان تسيل على خدها فمسحتها منتفضة. قوة يدها منعت الدموع من ان تنزل لتظهر قوتها وجبروتها في مواجهة ومجابهة كل تلك الصعاب ومساعدة ابنتها في الانخراط في المجتمع.
تشرح تفاصيل يومياتها مع سعاد التي ترتاد مدرسة مخصصة لمثل حالتها. "اصعب شيء فترة بعد الظهر بعد عودتها من المدرسة" تقول هناء، لافتة الى ان لسعاد اختاً اصغر منها "ابنتي الصغيرة تحتاج ايضاً إلى الاهتمام". اخت سعاد الصغرى تدرك جيداً ان سعاد تحتاج إلى معاملة خاصة، خصوصاً انها تتعرض لنوبات متكررة في كل فترة، وكونها لا تتواصل معها مثل بقية اصدقائها. تلفت الوالدة ان ابنتها في سنواتها الاولى لم تكن قادرة على التواصل، وسنة بعد سنة تحسنت امكانات سعاد تدريجيا، موضحة انها تشعر بتراجع في ادائها مباشرة بعد النوبات التي تتعرض لها في فترات متقطعة من السنة.
خلال زيارتنا لمنزل تلك العائلة، كانت سعاد تجلس في حضن ابيها، وهي تتناول كل ما وضعته بنفسها في الوعاء، "تأكل كثيرا"، تعلق الوالدة، مضيفة انها تهوى مشاهدة الصور في المجلات وتمزيقها، اضافة الى التلوين والرسم. "اصعب موقف حينما تصاب بنوبة عصبية، أضمها الى صدري لئلا تؤذي نفسها"، واصفة تلك اللحظات بالافظع، "هذه النوبات تنشر حالة من الذعر والهلع في المنزل". في كل مرة تتعرض سعاد لتلك النوبات، تشعر الوالدة بالأسى والخوف على فلذة كبدها، رغم تطمينات الطبيب بأن هذه النوبات لا تؤثر سلبا في صحتها.
عندما كشف طبيبها المعالج للوالدين ان ابنتهما البكر مصابة بالتوحد، لم يكن وقع الخبر مفاجئاً، فجلّ ما كان يريده الوالدان معرفة الاسباب الكامنة وراء حالة ابنتهما الصغيرة. تحاول هناء مراراً وتكراراً توجيهها وإرشادها لكن من غير فائدة، "اللي براسها بدها تعملو"، تشير الام وعلامات التعب بادية على وجهها، الى أنه احياناً تفضل أن تبقى في المنزل بسبب تصرفاتها خارج المنزل.


على الوالدة ان تتبع احساسها
سعاد ليست الوحيدة التي تعاني التوحد، اذ تم تشخيص اكثر من ٦٠٠ حالة توحد في لبنان وفق ما اشارت رئيسة الجمعية اللبنانية للاوتيزم (التوحد)، والتي لفتت الى ان لا احصاءات في لبنان تكشف عن أعداد مرضى التوحد، مضيفة ان هذا العدد ناتج من تسجيل "المرضى" في سجلات الجمعية. وتلفت الى انه في العامين الماضيين سجل بين كل ٦٨ مولوداً في الولايات المتحدة صفل مصاب بالتوحد، أما في السنوات الماضية فكانت النسبة اقل إذ لكل ٨٨ مولوداً/ طفل مصاب بالتوحد.
تنصح حلاوي، التي هي بدورها ام لولد مصاب بالتوحد، كل أم أن تتبع إحساسها في التعاطي مع ولدها، لافتة الى انها مرت بكل الفترات التي تجتازها اي ام يعاني ولدها من التوحد، غير انها اجتازت كل الصعوبات "مش عيب ان تمر في هذه المراحل، ولكن من الضروري التوصل الى مرحلة القبول". للاطفال المصابين بالتوحد معاملة خاصة في المنزل والمدرسة، ويبقى على المجتمع التواصل معهم لتسهيل عملية دمجهم، ما سيساهم في تقدمهم.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم