السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

منع الفيلم الإيراني: الرقابة تنفّذ أوامر أم تطبّق قوانين؟

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
A+ A-

تنهال الفجائع صبّاً على لبنان وتُمعن في تكريسه سيئ السمعة. طعامٌ فاسد وطرق عائمة وتهديدٌ بالذبح، والرقابة تخشى "المسّ بدولةٍ أجنبية" لتحول دون عرض فيلمٍ يحاكي "الثورة الخضراء" في إيران. للجنون مبررٌ جاهز يتعمّد التلطّي خلف القانون لاستجداء شرعية. قد لا يكون "الأكثرية الصامتة تتكلّم" للإيرانية باني خوشنودي ملاذاً لناشد تفوُّقٍ سينمائي، كونه أقرب الى توثيق الحركة الاحتجاجية التي تلت تنصيب الرئيس السابق محمود نجاد لولاية ثانية عام 2009، منه الى الجمال البصري وتعمّد الإبهار. يرمي جهاز الأمن العام المسؤولية على "لجنة متخصصة قوامها 5 مدراء"، كلما سُئل عن الرقابة على الفن. ينشط حرص اللجنة على التحرُّك وفق نوعية المادة موضع النقاش. بفضل الحرص، يُحجَز جواز سفر أصالة نصري ويُمنَع استرجاع لحظة تظاهَرَ الإيرانيون. لا تكفّ لجنة الرقابة عن تطبيق قانونٍ فضفاض. لها باعٌ في التضييق على الأعمال الفنية، وخبرةٌ في القصّ والمَنع. مِن فرط الخشية على "الدول الأجنبية"، ماطلت في الموافقة على الفيلم حتى فات أوان عرضه، وهذه استراتيجيتها كي لا تخرج الـ"لا" فجّة مباشرة. كان من المفترض عرض "الأكثرية الصامتة تتكلم" الأحد، ضمن مهرجان "الثقافة تقاوم". تستمر الرقابة في الاطمئنان الى أنّ الناس سذّج يمكن خداعهم بتمويه الخلفية والنيات.


تنصُّل الأمن العام وخطاب "الانفتاح"


يبدو تهكّماً طرحٌ من قبيل هل تملك أجهزة الرقابة مفهوماً واضحاً حول حرية التفكير والتعبير. شيءٌ بمثابة سخرية من واقعٍ تجاوَز صعوبة الانتشار، الإبقاء على سُلطة رقابية تحلِّل وتحرِّم وفق مزاجٍ وإملاء. نسأل العميد جوزف عبيد من الأمن العام عن مَشهدٍ مُستفزٍّ في الفيلم فرَضَ إحالته على اللجنة الكريمة التي تُقابل الفنّ بالعقاب. هل لأنّه يتضمّن مَشاهد ثورية جرى التقاطها في إيران، فيما المُراد طمس كلّ حراك بعد الثورة الخمينية بغرض إرضاء "حزب الله"؟ بلطفٍ، يقول إنّ السؤال في ذاته استفزاز، فـ"جهاز الأمن العام على رأسه اللواء العام عباس إبرهيم منفتح، على مسافة واحدة من الجميع، ويعمل لمصلحة الدولة". عال.
"في التوصيف لغطٌ"، يتابع، فـ"قرار المنع يعود الى وزير الداخلية وليس الى الأمن العام". الأخير يكشف على الأعمال لـ"يتأكد" من مطابقتها المعايير، ومتى وقع على شكّ، أحاله على اللجنة العليا للرقابة "المخوَّلة إصدار قرار المنع، ونحن نلتزم فحسب".
يحدث أنّ اللجنة في أحيان لا تجتمع، فيغدو تعذّر الاجتماع مَخرجاً لعدم الحُكم صراحة بالمنع. الخميس، أرسل مهرجان "الثقافة تقاوم" (انتهت نشاطاته الإثنين) الأفلام لنيل "مباركة" الأمن العام عليها، وكان السبت موعد العرض. لم تكترث اللجنة لضغط الوقت، وشيءٌ لم يفرض الاجتماع الطارئ. تعذّر البتّ في الفيلم، وقيل للمهرجان انتظِر. في القانون بنودٌ عن التأجيج الطائفي ووجوب سَتر الأعضاء الجنسية، وبندٌ مُبتَكر عن "المسّ بالدول". تظاهرات في إيران وأدتها السلطات ممنوعٌ أن تُعرض في لبنان تحت حجّة "المسّ". يتوجّه عبيد للمنتقدين: "مشكلتكم ليست معنا. احتجوا لدى مجلس النواب وأريحونا من هذا الحِمْل. نطبِّق القانون فحسب، ولا نخضع لأحد".
للعميد الدفاع عن الجهاز كما يشاء، ولنا ألا نقتنع. لا تُحال الأفلام الى اللجنة العليا ما لم يقرر الأمن العام أنها "أهلٌ" للإحالة، مما يعني أنه طرفٌ في الإشكال. ثم أين "المسّ" بإيران جرّاء مَشاهد موثَّقة، وأنّى لفيلمٍ لا طريق له الى الصالات التجارية والتداوُل الجماهيري المُكثَّف أن يشكّل مسَّاً؟ نُبقي، من غير أدلّة، على ظنٍّ بانزعاج الجهاز من تعرُّض "لبنان المقاوِم" لإيران.



في انتقال الديبلوماسية الى إدارة المهرجان


تجاري مديرة المهرجان جوسلين صعب تشديد الأمن العام بألا خلفيات سياسية. ترفض أن "يُستغَل" عدم إعطاء الموافقة على عرض الفيلم بغية "أذية جهة". نخبرها بأنه ليس تذاكياً ربط توقيف الفيلم بجهودٍ غايتها "تجميل" صورة إيران، بل بداهة، طالما أنّ بعض الأجهزة ميّالٌ الى كسب الرضى. توافق بأنّه من غير المنطقي تشديد الرقابة كلما تعلّق الأمر بتاريخ الدول وحوادثها المؤثّرة. "ما بصير"، تقول مستنكرة، وتتفادى تفسيراً أوضح. تعيدنا الى اسم المهرجان، "الثقافة تقاوم"، وغرضه ترسيخ الحوار وإن كان الرقيب طرفاً. لافتٌ عدم تضارب موقفها مع موقف الأمن العام، كأنهما يلتقيان على تصريح مشترك. تؤكد أنها ضدّ الرقابة، وإذ نعاود سؤالها عن مبرر لما حصل، تجيب بأنّها مواد القانون. المضحك كيفية إخبارها بأنّ الفيلم لن يُعرَض: على الفيلم أن يُحال على اللجنة. لكنها لن تجتمع قريباً. بالديبلوماسية عينها حاولت تبرئة الأمن العام من مسايرات تُصادِر الحرية.



[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم