الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

في مستشفى دونيتسك.. ينتظر آخر المرضى الموت تحت القذائف

المصدر: (أ ف ب)
A+ A-

ترتفع حشرجة الموت من وراء باب مغلق وتمزق الصمت، يليها انفجار عنيف في مكان قريب جدا لمستشفى 21 بدونيتسك، في منطقة بشرق اوكرانيا تتعرض باستمرار الى القصف، تعود فيه آخر المرضى على دوي الانفجارات.


ولم يبق في البناية الرمادية المتقادمة العائدة الى العهد السوفياتي، سوى بعض المرضى معظمهم في طور الاحتضار او من المسنين.


ولا احد في الاستقبال في هذا البهو الكئيب الذي طغت عليه روائح كريهة ويتجول فيه كلبان وبعض القطط، ويمر منه شخص خرف يعرج وقد اعتمر قبعة حمراء ونظرته هائمة.


ولم يكن فيه يوم الاحد ذاك سوى طبيب واحد: مكسيم تشيغوداييف (37 سنة) الجراح صاحب الوجه العابس، خريج من جامعة دونيتسك.


وقال الطبيب "ليس لنا من خيار سوى الاستمرار في العمل مع الناس هنا" في حين دوى قصف مدفعي يتبادله الجيش الاوكراني والمتمردون الموالون للروس، في تراشق يبدو انه لا ينقطع ابدا.


ولم يهتز الطبيب لذلك وتابع بصوت حزين "ليس لدي تطلعات ولا امكانية للذهاب الى مكان آخر، لهذا انا هنا، وحتى في اوكرانيا لن يسمح لي راتبي باستئجار شقة".


وفي الخارج اشتد القصف فانطلق قط مذعور يجري أحدث تشبثه باظافره بالارض صريراً وهو يلتجىء في القبو.


ووضعت عدد من الاسرة لكنها ليست للمرضى هنا، وانما لحوالى عشرة اشخاص من سكان الحي باتوا يعيشون منذ اسابيع في قبو المستشفى في غرفة واحدة خانقة.


واضاف الطبيب تشيغوداييف "المرضى يرحلون باكبر سرعة ممكنة"، وكل شيء في المستشفى قديم وقذر، الى حد ان المقاتلين المتمردين الجرحى لا يأتون للعلاج فيه بل يفضلون المصحات العصرية في وسط المدينة.


ويقول الجراح ان "لديه ما يكفي من الادوية للجميع بفضل المساعدة الانسانية" من روسيا لكن يبدو من القاء نظرة سريعة على الصيدلية ان الامر ليس صحيحا، لان الرفوف تقريبا خالية وليس فيها سوى علبتين من دواء نوروفين وعلبة سميكتا وعدة عبوات ادوية بدون اسماء.


ويقول الطبيب انه يعاني الامرين منذ اربعة اشهر كي يحصل على راتبه من الدولة الاوكرانية وان قرار الحكومة المعلن السبت بانها ستقطع قريبا تمويل الادارات الواقعة في المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون، لن تزيد الا الطين بلة.


ومنذ بداية الحرب عولج 160 من ضحايا القصف هنا، كما قال الطبيب.


ولم يبق منهم سوى واحد في الطابق الثاني: ميكولا كليمنكو (60 سنة) الذي كسرت ساقه مطلع تشرين الاول/اكتوبر في قصف على مسافة 800 متر عن المطار هناك حيث تبادل القصف مستمر.


يجلس الرجل على سرير سيئ وساقه في الجبس وهو ينظر عبر زجاج نافذة كبيرة الى شمس برتقالية تشع على الدومباس، وردا على سؤال حول ما اذا كان القصف يزعجه يقر بان "ليس لي مكان آخر اذهب اليه".


وفي غرفة قديمة اخرى يقول سيرغي غريتشنكو الخارج من عملية انزلاق غضروفي انه "متعود" على القنابل.
ويضيف وهو جالس في سريره ويداه وراء رأسه ما يكشف رسم صليب على ذراعه، "عندما يصبح الامر خطيرا ينزلوننا الى القبو، نميز جيدا دوي الانفجارات ونعرف عندما يصبح الوضع خطيرا".


وهز انفجار شديد الجدران فقال "هذا مثلا ليس مخيفا".


وفي الطابق الاسفل، تحت الارض تمر ممرضة مسنة هزيلة غلب الحزن على عينيها، وهي ترتدي معطف العمل الابيض، وتسير بصمت في رواق تنبعث منه رائحة البول والاحتضار، ومعظم المرضى في هذا الطابق في حالة احتضار.


وفي غرفة في آخر الرواق رجل مسن ضعيف جدا يئن تحت غطاء بني، بينما يختنق آخر يحاول تناول طعامه الذي يقتصر على خبز وفاصوليا بيضاء مطحونة.


وبالقصف او من دونه لا شك في ان مصيرهم، هم، محسوم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم