السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

"داعش" نتاج فكر ديني إسلامي أصولي ومزمن!

ريمون عبود
A+ A-

ظهرت الديانات السموية لتنوير البشرية، وهدايتها نحو الخير والتسامح والغفران، لكن ما يحصل عكس ذلك. العقل البشري المستنير يطرح تساؤلات، منها: لماذا عددها ثلاثة، وليس أقل أو أكثر؟ لماذا حرمت نعمتها الشعوب القديمة؟ والسؤال الدائم: الانسان من أين أتى والى أين يذهب؟ بعض الاديان يركز على حياة الآخرة، فسّره البعض تعويضا للانسان عما فاته في هذه الدنيا، وكأنه موجه الى الفقير لاسترضائه، وها هي "داعش" تَعِد الانتحاريين بحوريات الجنة! يستغل البعض النصوص الدينية وينصّب نفسه وكيلا حصريا للدفاع عن الانبياء، وبدل ان يكون الدين في خدمة الانسان، أخرجوه عن مساره الصحيح.
نبدأ بالدين اليهودي: يرتكز اليهود على بعض الخرافات، حول أرض الميعاد وشعب الله المختار لتهجير الفلسطينيين والتعرض لمقدساتهم، وصولا إلى هدم المسجد الاقصى واعادة بناء الهيكل مكانه، هذه الديانة كانت على طريق الانقراض، ما أمّن استمراريتها تبنّي المسيحيين كتاب العهد القديم. بالنسبة الى الديانة المسيحية، حصلت الانشقاقات داخل الكنيسة لتصل الى صراعات، مع تسلط الباباوات ونشوء محاكم التفتيش، وملاحقة العلماء على أفكارهم، ونظرة دونية تجاه المرأة مستوحاة من كتابات "مار بولس"، تعسف بعض رجال الدين، وكتابات "جبران" تعكس ظلمهم، ما حدا بعضهم على تحريم قراءة كتبه، حاليا ترتّل في الكنيسة مقاطع من كتاب "النبي". نصل الى الدين الاسلامي، دين الرأفة، و"لا إكراه في الدين"، لماذا اذا الغزوات والفتوحات وصولا الى الاندلس؟ لماذا الاصرار على فرض الحجاب؟
منذ نشأته حاولت مجموعات متزمّتة تحويله ايديولوجيا للتحريض والتكفير، والصوت المعتدل يخفت اما خوفا او تواطؤا. اعتبر الشرع الاسلامي المسيحيين أهل ذمة، ففرض عليهم الجزية، بدل مشاركتهم في الجهاد الذي يؤديه المسلمون، وعقد الذمة حسب رأي "ابن قيم الجوزية" 1292م – 1350م: "ان يكون النصارى تحت الذلة والقهر، وأن يكون المسلمون هم الغالبون عليهم". هذا المسار من التعامل مع النصارى يريدون احياءه، بل تأبيده وإن انتفت ظروفه، مع تنظيمات كـ"داعش"، تنهل من فكر ديني اسلامي اصولي متزمت ومزمن، فالاغتصاب والسبي والقتل الوحشي الذي تمارسه "داعش" هو لترويع الآخرين، وذلك لتحقيق أهدافه واقامة دولة الخلافة المتخلفة، في مراجعة لكتاب "دومينيك شوفالييه": "مجتمع جبل لبنان في عصر الثورة الصناعية في أوروبا"، يبين لنا: التضييق على المسيحيين في بناء الكنائس، وفي معاملات الزواج تتضاعف الضرائب للحد من تكاثر النصارى، وكذلك الاعياد كانت لها ضرائبها. تاريخيا يتراءى امامنا مشهد المجازر والمذابح: فتركيا ارتكبت مجازر في حق الارمن والسريان، قتلت وشرّدت مئات الآلاف، شكل السريان حضارة امتدت اكثر من ألفي سنة، وحديثا مجزرة يرتكبها الاكراد في حق الاشوريين في العراق عام 1932. ومن المفارقات، حاليا المسيحيون يلجأون الى كردستان هربا من "داعش".
نماذج اخرى! فتاوى "القرضاوي" وحركة "الاخوان المسلمين"، وصولهم الى السلطة في مصر، أثبت أن الاسلام السياسي متعطش الى السلطة، لا برنامج، لا مفهوم للحكم المدني في بلد تعددي، أفق محدود، لا انفتاح، قوى باطنية بدأت بالقول إنها لا تريد الرئاسة، ليتبين لاحقا انها تريد كل شيء حتى إلغاء الآخر، لذلك كان سقوطها سريعا، واللجوء الى العنف عمل انتحاري، بدل مراجعة نقدية لمسارهم السياسي. ما تواجهه انهيار القيم الاخلاقية وتصادم المعايير، لذلك يجب العمل على تحقيق توافق بين احترام الخصوصيات الدينية واحترام حرية الرأي والتعبير، بدل إهدار دم كل متنور ينتقد الفكر الديني. لا يمكن نكران التراث الانساني والحضاري الذي تركه المسلمون أيام نهضتهم، ونأمل ان تكون مرحلة الانحطاط عابرة،ولا يمكن تحويل الدين من إرث ثقافي متراكم، الى منهج سياسي يعالج مشاكل العصر وتعقيداته. لذا يحتاج الدين الاسلامي الى تجديد، لانه مهدد بالضياع، بسبب ثقافة التشدد والانغلاق، حيث أضحى التعصب المذهبي أقوى من الايمان، المطلوب حركة تنويرية تنهي الصراع المذهبي وتحرر الدين الاسلامي من قبضة زمرة من الجهلة، كذلك الكف عن الاستفزاز والتحدي في الاحتفالات الدينية.
لا بد أخيرا من تذكير اللبنانيين بالتجربة التونسية، حيث جرت الانتخابات رغم الظروف الامنية، وهذا استمرار لنهج "بورقيبة" الذي أمطرتموه بالبندورة في شوارع بيروت، هو الذي وضع أسسا راسخة ومتطورة في محو الأمية ونشر التعليم ولا سيما تعليم المرأة وتمكينها من العمل والتحول شريكا للرجل في المجتمع، في المقابل تمدد بحجج واهية، لن المعادلة هي هي: شعب خنوع ومدجّن وطبقة سياسية فاسدة وفاجرة ومهووسة بالسلطة وليست على مستوى المرحلة.


ريمون عبود

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم