الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

مسيحيون لبنانيون يتسلّحون ضد "داعش"

المصدر: "الدايلي بيست"، ترجمة نسرين ناضر
A+ A-

نشرت "الدايلي بيست" تقريراً من بلدة "رأس بعلبك" البقاعية، أضاءت فيه على واقع تخوف أهالي البلدة المسيحيين من هجوم وشيك لتنظيم "داعش"، ربطاً بأحداث عرسال وبلدات القلمون السورية حيث المعارك دائرة بضراوة بين جيش النظام السوري و"حزب الله" من جهة ومقاتلي المعارضة السورية المسلحة الذين تتزعمهم تنظيمات متطرفة أبرزها "جبهة النصرة". وفي الآتي، ننشر نص التقرير:


يجلس رفعت نصرالله متوتراً على كنبة في منزله في قرية راس بعلبك الصغيرة ويحتسي فنجان قهوة فيما يدخّن سجائر "مارلبورو لايتس" الواحدة تلو الأخرى. يضع مسدساً على خصره، ويقول إنه موجود في البلدة لفترة وجيزة. فهو يمضي هذه الأيام مزيداً من الوقت في التلال التي تطل عليها شرفة غرفة الجلوس في المنزل حيث يقيم، وحيث يقود ميليشيا تتألف حصراً من المسيحيين ويَنسب إليها الفضل في صدّ المقاتلين الإسلاميين ومنعهم من الدخول من سوريا.
وقد عُلِّقت فوق باب المدخل صورة للعذراء مريم، في حين وُضِع على رف الموقد إطارٌ بداخله صورة لمؤسس "حزب الله" الشيعي الذي يُشاركه رفعت اسم الشهرة نفسه.
يقول رفعت نصرالله: "لولانا، كان المسيحيون في لبنان ليُلاقوا مصيراً مماثلاً لمصير مسيحيي الموصل"، في إشارة إلى النزوح الكثيف للمسيحيين من القرى المحيطة بالموصل بعد سيطرة مقاتلي "الدولة الإسلامية" على المدينة.
ففيما يتسبّب تقدُّم المجموعات الإسلامية المتشدّدة بنزوح المسيحيين من شمال العراق وغرب سوريا، يحمل المسيحيون على غرار نصرالله السلاح مشيرين إلى أنهم يرفضون الاستسلام لمصير مماثل.
يقول نصرالله: "لن نتحمّل أبداً ألا نسمع أجراس كنائسنا تقرع. لن نقبل أبداً بأن يحدث هذا عندنا". راس بعلبك هي واحدة من حفنة من القرى المسيحية في شمال سهل البقاع على مقربة من الحدود السورية. وفي حين تحدّث عدد من التقارير عن قيام المسيحيين بالتسلّح في هذه المنطقة من لبنان، رجال نصرالله هم من المجموعات المسيحية القليلة المتحالفة مباشرةً مع "حزب الله".
أسّس نصرالله، وهو من قدامى المحاربين في الحرب الأهلية اللبنانية، مجموعته الميليشياوية المحلية بعدما بدأ مقاتلون من "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم "القاعدة" في سوريا، يتوغّلون في بلدته خلال الصيف الماضي، فينهبون الأعمال والشركات المحلية ويخطفون السكان. يقول نصرالله إن رجاله الذين حارب معظمهم في الحرب الأهلية على حد قوله، نجحوا في القيام بما عجز عنه الجيش اللبناني: حماية الحدود مع سوريا على مقربة من راس بعلبك.
ثم بعد بضعة أشهر، تحديداً في آب الماضي، على بعد بضعة أميال فقط جنوب راس بعلبك، أغارت مجموعات قتالية متشدّدة، لا سيما عناصر من "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش"، على بلدة عرسال، فهاجمت المباني الحكومية واحتجزت أكثر من 20 جندياً وعنصراً في قوى الأمن رهائن لديها. وقد قام تنظيم "داعش" بقطع رأس اثنَين من الرهائن، في حين أعدمت "جبهة النصرة" رهينة ثالثة رمياً بالرصاص. لا تزال الحكومة اللبنانية تجري مفاوضات بهدف الإفراج عن الجنود.
يقول رفعت نصرالله إنه بفضل رجاله، لم يحدث شيء مماثل في بلدته. لكن هذه الميليشيا المسيحية الصغيرة لا تتصرّف بمفردها؛ فهي تنسّق مباشرةً مع "حزب الله"، ويقومان بدوريات مشتركة، كما أنها تحصل على الإمدادات والتدريب من الحزب. في الآونة الأخيرة، مع انضمام مقاتلي "داعش" إلى المعارك على طول الحدود اللبنانية، بدأ الجيش اللبناني يعمل أيضاً مع رجال نصرالله. لكنه يقول إن الدعم الذي يحصل عليه من الجيش لا يوازي أبداً ذاك الذي يتلقّاه من الحزب الشيعي.
يقول أحد معاوني نصرالله الذي عرّف عن نفسه باسم جورج، إن "حزب الله" هو حليف طبيعي للمسيحيين في لبنان، معلّقاً: "لم تعد المسألة تتعلق بالدين. لدينا الآن عدوّ مشترك - تنظيم داعش يحاول قتلنا وقتلهم". يشارك "حزب الله" المتحالف مع إيران والرئيس السوري بشار الأسد، علناً في الحرب الأهلية السورية منذ عام 2013، حيث يحارب ضد مجموعات الثوار والإسلاميين المتشددين مثل "جبهة النصرة" و"داعش".
يقول معظم أبناء راس بعلبك إنهم يشعرون بالأمان. في أيام الآحاد، يضجّ وسط البلدة بالحركة في فترة بعد الظهر. يجلس المراهقون في مجموعات عند مستديرة أساسية تحت تمثال للقديس توما يرتفع على سفح التل، فيما يدخل الناس ويخرجون من المتاجر القليلة التي تفتح أبوابها في يوم العطلة عند المسيحيين. وعلى مسافة قريبة، يجري تشييد كنيسة جديدة.


"لا مستقبل..."
تقول راغدة مراد، وهي أم لثلاثة أولاد بالغين، فيما تتوجّه إلى الكنيسة وهي ترتدي بنطلوناً أسود ضيقاً مع كعب عالٍ، إن الاضطرابات في سوريا والعراق تولّد لديها مزيداً من المشاعر المتناقضة حول موقعها كمسيحية في الشرق الأوسط.
وتقول عن لبنان: "بدأت أفقد تعلّقي بهذا البلد. بدأت أفكّر أكثر فأكثر في مغادرة هذا المكان وترك كل المشكلات والمتاعب خلفي".
تروي مراد أنها لا تزال تشجّع أولادها على البقاء في لبنان فيما يتطلعون إلى تأسيس عائلات وبناء مسقبلهم، إلا أنها تردف أنها بدأت تشعر أكثر فأكثر بأنها قد تكون مخطئة في نصيحتها هذه. وتُسرّ بعد صمت طويل: "عندما يتذمّرون من أنه لا مستقبل لهم في هذا البلد، أخشى أنهم على حق".
ويعلّق زوجها بين نفخة وأخرى من سيجارته: "الحقيقة هي أننا نشعر بأننا مهدَّدون".
لكن رفعت نصرالله يقول إنه يستاء من المسيحيين الذين يريدون مغادرة المنطقة من دون أن يناضلوا: "نحن لسنا ضيوفاً. نحن أهل الدار وهذه المنطقة لنا". يقرّ بأنه من الصعب رؤية المسيحيين يُهجَّرون من بلداتٍ ومدن شكّلت، على غرار لبنان، مهداً للديانة المسيحية منذ ألفَي عام، "لكنني أشعر وكأنهم يخونوننا"، كما يقول.
يرفض مقولة أن المسيحيين اضطُرّوا إلى الهروب في مناطق أخرى من الشرق الأوسط لأنهم لا يملكون ميليشيات تحظى بالدعم من أفرقاء أقوياء مثل "حزب الله" للدفاع عنهم. فهو يعلّق: "الفارق الوحيد بينهم وبيننا هو أننا نتحلّى بإرادة النضال".


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم