الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

"ذنبي أنني اغتُصِبت في سن الثانية عشرة"

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
A+ A-

خسر والدته في عزّ طفولته وخسر معها الإحساس بالعطف والحنان، توفيت على مرآه جراء ذبحة قلبيّة تعرّضت لها، وقعت أمامه في السوق التجاري ولم يتمكّن من منعها من الرحيل. كانت تلك الصدمة الأولى التي هزّته لتتوالى بعدها الصدمات.


اغتصاب وضرب
مع مرور بضعة شهور على وفاة الوالدة تزوّج والده من سيّدة أخرى، فأهمل الطفل وتعرّض لسوء معاملة وعنف منزلي، قبل أن يغتصب من أحد أقربائه الذين يعيشون في حيّهم. اغتصبه مرّات عدّة، وهدّده بحياته كي لا يفضح أمره. اغتصاب وراء اغتصاب وحالته النفسيّة تسوء، حتى أخبر شقيقه الأكبر بالأمر.


ظنّ أن عائلته ستحميه وتقف إلى جانبه، لم يكن يعرف أنّه هو المذنب بنظرهم، ويقول: "أخبرتهم بما يحصل معي، فضربني والدي، لأنني لم أستطع حماية نفسي، ضربوني أخوتي وحمّلوني ذنبًا، لو كانت أمي على قيد الحياة كانت ستحميني وتدافع عني، ولكنّها توفيت".


ذنبه أنه الضحية
هم عشرة وهو أصغرهم، الأخوات متزوّجات، الوالد لا يهتمّ سوى بملذاته الخاصّة، والخالة (زوجة الأب) تسيء معاملته، لا أحد يهتمّ به أو يسعى لمساعدته أو تأمين حضن دافئ له، ما جعله يتحوّل إلى طفل عدائي وعنيف وضائع، مشرّد يجول الشوارع، يعيش على الهامش من دون أي توجيه ورعاية.


ضائع يشتاق إلى والداته
على الرغم من عدائيته لا يبكي إلّا عند الحديث عن والدته التي ضاع منذ وفاتها، يقول والدموع تنهمر من عينيه: "تزعجني وفاة أمي وتبكيني، أشتاق لحضنها فقط".


يتابع الطفل حاليًا جلسات عناية نفسيّة في مركز "دار الأمل"، وتحاول الجمعيّة مساعدته وإبعاده عن الجوّ الذي يعيشه، نظرًا إلى خطورة وضعه النفسي والتبعات التي سيعانيها مستقبلًا، بعد تعرّضه لسفاح قربى وبسبب إهمال عائلته له وتعنيفه.


أسباب ودوافع
فما هو سفاح القربى؟ وما هي الأسباب التي تدعو إلى ارتكاب هذه الجريمة بحقّ الأطفال؟ وما التبعات والنتائح المترتبة عنها؟


في هذا السياق، تقول المسؤولة في "دار الأمل"، نهاد البستاني، لـ"النهار": "سفاح القربى هو من أنواع العنف الذي يتعرّض لها الطفل، إنه تعدي شخص من داخل العائلة على الطفل أو الشابّة، قد يكون المعتدي الأب أو الأخ أو الجد أو العمّ، والضحية الأولاد أو المراهقين والمراهقات. هناك أسباب عدّة تدفع إلى ارتكاب هذه الجريمة، مثل الوضع الاجتماعي أو الوضع الاقتصادي أو الفقر أو تفكّك العائلة أو حالات نفسيّة".


نتائج وتبعات
هناك نتائج كثيرة تترتّب عن سفاح القربى، تشرحها بستاني: "إن التعرّض لسفاح القربى أي التحرّش أو الاغتصاب في سنّ صغيرة، يدفع الطفل إلى أن يصبح متحرّشًا عندما يكبر، أو قد تنحرف الفتاة نحو الدعارة، قد تنفر الفتاة من الرجال وتصبح مثليّة والأمر نفسه بالنسبة إلى الصبي. كما قد يؤدي إلى حمل وإنجاب أطفال غير شرعيين، او ارتكاب جرائم قتل لإخفاء آثار الجريمة الأولى".


وتضيف بستاني: "إنّ نسبة سفاح القربى تزيد في المجتمع، نحو 54% من أطفال لبنان تعرّضوا لعنف جسدي، و16% لعنف جنسي بحسب الدراسة التي أجرتها جمعيّة "كفى عنف واستغلال"، أوّلًا بسبب التواطؤ المجتمعي والتكتم حول الموضوع باعتباره من المحرّمات، فالعائلة تفصح عن تعرّض أحد أفرادها إلى سفاح قربى خوفًا من الفضيحة. تكتم الأمّ هو تواطؤ لأنها أكثر من يشعر بأولادها إذا ما تعرّضوا لأي مكروه، مع العلم أن الكشف عن هذه الحالات يحلّ قسمًا كبيرًا من المشكلات. وثانيًا لأن القانون اللبناني ينطوي على ثغرات كثيرة لا تعطي المظلوم حقّه، خصوصًا أن العقاب يصل إلى سنتين في حالة سفاح القربى، وإلى خمس سنوات في حالة الاغتصاب، أمّا إذا اتخذ من الشرف حجة لقتل الطفلة فيصل الحكم إلى ستة أشهر".


علامات ودلالات
كيف تكتشف الأمّ أن طفلها تعرّض لسفاح قربى؟ تردّ بستاني: "يعطي الأولاد علامات كثيرة للأهل، وعلى الأم أن تعيها وتتنبّه لها. عليها أن تعير أهمية لكلّ ما يقوله أولادها، من الممكن أن ترفض الفتاة البقاء مع والدها، أو الجلوس في حضن زوج عمّتها، من الممكن أن يعبّر الطفل عن كرهه لعمّه أو جدّه. كما تلاحظ الأمّ الموضوع من الخوف الموجود لدى طفلها، أو تراجع علاماته الدراسيّة، وعدم قدرته على التأقلم في المدرسة، أو رفض الأكل، أو رؤية الكوابيس في الليل".


العقاب ضرورة
العلاج لا يكون بالمتابعة النفسيّة فقط وإنّما بمعاقبة المعتدي أيضًا، هذا ما تؤكّد عليه بستاني: "على الشخص الذي تعرّض لسفاح قربى أن يعالج نفسيًا. فبعد الحادثة يلازمه الخوف من إمكان تعرّضه للاغتصاب مجدّدًا، ويشعر بعدم الأمان فينغلق على نفسه، وترافقه الكوابيس والهواجس. المعالجة النفسيّة ضروريّة ولكنّها ليست كافية لشفائه بطريقة تامّة، فيبقى الاقتصاص من المعتدي ومعاقبته عاملًا أساسيًا في علاج الطفل، ومن هنا تبرز ضرورة تعديل القانون لملاءمة هذه الحالات والحدّ منها، إضافة إلى كسر حاجز الخوف في النفوس والسكوت بداعي عدم انتهاك المحرّمات المجتمعيّة".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم