الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

من يُصالح السنّة مع الجيش؟

سمير قسطنطين
A+ A-

لا يستطيع أي مراقب متجرّد ألا يلاحظ أن علاقة السنّة بالجيش فيها شيء مما نسميه باللغة الانكليزية Love – Hate Relationship اي علاقة الحب والكره في الوقت نفسه. السنة يحبون الجيش بدليل أن قرى سنية بأكملها تنتسب اليه. والسنة أيضاً، وفي مرات كثيرة، يشتبكون مع الجيش.
قد يقول قائل إن الحرب السورية استجلبت هذا النوع من العلاقة بين السنة والجيش، لكنني لا اعتقد ان هذا هو السبب الوحيد. وقد يقول آخر إن انخراط "حزب الله" في الحرب السورية أدى الى هذه الاشكالية في العلاقة. أنا لا أنفي أهمية هذا العامل لكنني لا أعتقد أنه السبب الأساس. أقول ذلك لأنني أعود بذاكرتي سنين الى الوراء فأرى علاقة ملتبسة متناقضة بين السنة والجيش تعود الى ما قبل الحرب الأهلية في لبنان.
كان ذلك عام 1973 في عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجيه. كان بيتنا آنذاك في منطقة المصيطبة. في شهر ايار من تلك السنة، اشتبك المسلحون الفلسطينيون مع الجيش. كنت تستطيع أن تلاحظ، ومن دون كثير عناء، أن المسيحيين في المنطقة، وكانوا كثراً آنذاك، كانوا مع الجيش، أما السنّة من جيراننا فكانوا مع "أبي عمار". من ثم بدأت الحرب الأهلية. في قمة عرمون: عام 1976 كان القرار واضحاً: "الفلسطينيون جيش السنّة". وبدأت مظاهر الانشقاق في الجيش التي قادها ضباط سنة وفي طليعتهم أحمد الخطيب.
هذا في مرحلة البدايات. أما مرحلة النهايات فلم تكن أفضل. من منا لا يتذكر أحداث الضنية في الألفين؟ المسلحون هناك كانوا من السنّة. من منا لا يتذكر "فتح الاسلام" عام 2008؟ المسلحون كانوا من السنة. ومن ثم كرت السبحة. الشيخ أحمد الأسير في صيدا. قتل الرائد بيار البشعلاني في عرسال. معارك عرسال قبل ثلاثة أشهر، واليوم معارك طرابلس. الجيش يتقاتل مع مسلحين من السنّة. لا أقول إن الطائفة السنية هي ضد الجيش، لكنني أقول إن هذه العلاقة ملتبسة منذ زمن بعيد.
الغريب أنه أبان الحرب اللبنانية من الـ1975 الى الـ1990، كل الطوائف اللبنانية قاتلت الجيش إلا السنة. وبعد انتهاء الحرب انكفأت كل الطوائف عن قتال الجيش إلا السنة. الشيعة حاربوا الجيش و6 شباط 1984 ماثلة في الأذهان. الدروز قاتلوا الجيش. وتتوج هذا القتال بموقعة سوق الغرب الشهيرة في آب 1989. المسيحيون اشتبكوا مع الجيش، وحرب "القوات اللبنانية" والجيش نتذكرها جميعاً. السنة وحدهم لم يقاتلوا الجيش كطائفة. اما الآن فالموضوع مختلف.
الغرابة الثانية تتمثل في أن معظم السلطة السياسية اليوم أي سلطة اتخاذ القرارات، وبحسب الطائف، هي في يد السنة، ومع ذلك تسمع كلاماً في الأوساط السنية عن "المظلومية السياسية".
والغرابة الثالثة تأتي من أن رأس السلطة السياسية التي يكون الجيش بأمرتها هو من السنة، ومع ذلك تسمع كلاماً بأن القوات المسلحة تقاتل أهل السنة. أمور عجيبة جداً، وأقول ذلك بكل احترام. أنا أحاول أن أقرأ في هذا المشهد ولا أنوي الحكم عليه.
لا أريد أن أتحدث عن الأسباب، لأن ذلك يتطلب وجود أكثر من شخص وفئة ليفكروا معاً. ولا أريد أن أحمّل أحداً أية مسؤولية فليس هذا هو القصد من الكلام، وقد يحمل ذلك شيئاً من الأحكام المسبقة. أريد أن أذهب الى ما هو أبعد من ذلك. أريد أن أقول إن هذا الوضع يجب ألا يستمر. نحن في حاجة الى عقلاء، الى متبصرين من السنة ومن سائر اللبنانيين يبحثون في هذه الأمور بعقل بارد بعيداً عن الانفعال وإثارة النعرات.
نريد أشخاصاً يضعون خارطة طريق لرأب الصدع. هذا الموضوع يجب أن يعطى الأولوية فلا يجوز أن يبقى أبناء طائفة كريمة من اللبنانيين على جانبي خطوط التماس مقابل بعضهم بعضاً، قسم منهم ينتمي الى الجيش اللبناني يقاتل قسماً آخر ينتمي الى المسلحين. فهل من عاقل قادر على قيادة الحوار؟ من يُصالح السنة مع الجيش؟

سمير قسطنطين

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم