الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

عن "تحرشٍ جنسي"، وعروض زواج... انطباعات عن "القاهرة الجديدة"

المصدر: "النهار"
زينة حريز
A+ A-

خلال زيارتي القاهرة، رافقت صديقتي في صباح تشريني الى "خان الخليلي" في رحلة بحثها عن "بدلة نانسي" أو "جلبية فيفي"، وهي عادةٌ تتميزُ بها فتيات مصر حين يجهزنَ لفرحهنَ، و"سهرة الحنا" التي تسبق "ليلة الدخلة" أو الزفاف.


إنطلقنا من الـ"نيو معادي" في القاهرة، "شاورنا لتكس" أبيض اللون، شعرتُ ببعض الخوف حين رأيت لحيته السوداء، حاولتُ أن أسأل صديقتي قبل أن أصعد: "هل هو إخواني؟"، "لا ده سلفي ما تخفيش"! سار بنا الرجل مباشرةً الى الخان، كان "لائقاً جداً" كما وصفته صديقتي، الشوارع لم تكن مزدحمة بالسيارات كالعادة، لباسنا كان عادياً، بل لربما "محتشماً زيادة" توخياً لأي إساءة كلامية أو أي نوع من أنواع التحرش الذي شاع في شوارع مصر في الآونة الاخيرة. "حطي الفولار على راسك وإمسكي الشنطة كويس، إحنا داخلين الحسين". المكان كان مزدحماً جداً، النساء إفترشنَ أرض الجامع، الاولاد في كل مكان، كثيرون ممن يصلّون هنا وهناك.


كانت نظرات غريبة لعدد كبير من النساء تشير اليّ بضرورة تغطية ما ظهر من خصل شعري من تحت المنديل الحريري. إبتسمتُ وفي داخلي أسئلة حاولتُ الاجابة عنها من خلال سيري بين أروقة الخان العتيق. حاولتُ أن ألحظ أي تغّير في أعين الناس وهمومها، تقصدت الرجوع الى محلاتٍ الـ"Souvenirs" التي كنت قد مررت بها منذ سنتين، في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، يوم كانت صوره تفترش جدران المحلات. واللافت اليوم ان صوراً قليلة علقت اليوم للرئيس السيسي. تسهل ملاحظة في المكان إزدياد ملحوظ لعنصر الشباب، ويسارع عددمنهم لاستقبالنا مع ضحكةٍ وعبارات مصرية تعكس طيبة هذا الشعب وتواضعه الممزوج بتعبٍ وإرادةٍ. هذا الانفراج في وجوه العاملين في الخان، بالاضافة لنظافة المكان وترتيبه، ولّدت إحساساً بالامان وثقة أكبر. فرغم أن الاسعار تغيّرت، و"مصاريف المعيشة زادت"، كما شرح لنا أحمد، وهو يملك محلاً على مدخل الخان، إلا أن "الناس مرتاحة نسبياً والحال ماشي والحمدالله".


عرضُ زواجٍ "سريع"


لا تستطيع إلا أن تبتسم لبعض العبارات المحببة التي تسمعها من بعض أصحاب المحال، وللضيافة الجميلة، حتى ولو إختبأ عرض زواج خلف تلك الطيبة أو اللياقة الزائدة. بالنسبة لصديقتي، "الشاب المصري ما بهزرش وكلُو في الحلال"! إستغربت عرض الزواج الذي جاء بطريقة عفوية وسريعة جداً من أحد الشبان المصريين في الخان. ضحكت لكلمة "تتجوزيني؟" فضحك صاحب العرض بدوره وسألني: "إنتي مش سورية؟". لم أفهم علاقة ذلك بعرضه السريع، الا حين أشارت صديقتي الى الازدياد الكبير في نسبة زواج المصريين من السوريات اللاجئات.
يتواجد في القاهرة آلاف اللاجئين السوريين، وثمة من بات يطلق من المصريين اليوم على "6 اكتوبر" تسمية "دمشق الجديدة"، لازدحامها  بالعائلات السورية التي لجأت بسبب الحرب، ومطاعم "الكباب الحلبي" و"الشاورما" التي يتباهى أهل الشام بهما مع "البهارات اللبنانية" والطحينة البيضاء.



"حنتحرش بيك"!


في دردشةٍ مع شبان وشابات من جامعة القاهرة، لفتتني صراحة وجرأة بعض الفتيات في الدفاع الشرس عن ضحايا "التحرش"، إن كانت الضحية شاباً أم فتاة. نعم، فالشاب المصري، قد يتعرض بدوره للتحرش. فكما تشرح مايا، وهي طالبة في كلية الهندسة، على الشاب المصري أن يشعر ببشاعة التحرش وما يتضمنه من نظرٍ أو لمسٍ لمناطق خاصة من الجسم... لعله يفهم "قذارة ذلك الشعور المهين لكرامة الفتاة وشعورها". ومن هنا، جاءت هاشتاغات عدّة مناهضة للتحرش، تداولها الشباب المصري على موقع "تويتر"، كهاشتاغ: "#حنتحرش_بالمتحرشين - #قطع_ايدك - #أنا_مش_فرجة – #إمسك_تحرش"، في محاولة لنقل مأساة يومية تعيشها أي فتاة، وخصوصاً المحجبات.


ترى هالا، وهي طالبة في كلية العلوم السياسة، ان "الشابات المحجبات، بلباسهنَ الحاجب لمناطق معينة من جسم المرأة، يثرنَ غريزة الرجل أكثر، مستندةً الى تفسير نفسي لذلك يتصل بحشرية الرجل وإنجاذبه لما لا يستطيع أن يراه في جسم المراة. وهو أمرٌ ملموس في الشارع المصري، حيث أن أغلب محاولات التحرش تحصل مع فتيات محجبات"، فما الرادع لتلك الغريزة البشعة؟
التحرش في الماضي كان عبارة عن "كلام لطيف"، يتضمن عبارات كالتي نسمعها في الافلام المصرية القديمة: "يا حلو... يا جميل"، تطورت عكسياً مع ظهور التيارات الاسلامية وزيادة نسبة المحجبات والتشدد في بداية الثمنينات، حين كان يسافر المصريون الى دول الخليج العربي للعمل، ويعودون مرتدين العباءات الطويلة. فكما تشرح الدكتورة جيهان مأمون، أن "المعاكسات" بدأت في الجامعات والشوارع وتحولت تدريجياً الى "جريمة منظمة"، مستندةً الى حادثة التحرش الاخيرة التي حصلت في ميدان التحرير خلال الاحتفال بتنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسًا للبلاد. وبالنسبة للدكتورة جيهان، وللعديد من المصريين، فإن جماعة "الاخوان المسلمين" هم من كانوا وراء "إفتعال تلك الحادثة، في محاولة لتشويه الوجه الامني لعهد السيسي في بداياته". وهي تجد ان التحرش بات يستخدم كـ"أداة سياسية مع سابق تصورٍ وتصميم لنشر الرعب والتوتر بين المتظاهرين والناس". وقد سبقت تلك الحادثة محاولات عدّة جاءت من منابرٍ "إخوانية" إتهمت شبان وشابات موالين للرئيس السيسي خلال حملته الانتخابية، بـ"تصرفات معيبة" و"مخلة بالاخلاق" كانت تحصل في خيم المتظاهرين، وغابت نهائياً في مظاهرات "رابعة" الاخوانية.


قوانين تحمي من التحرش؟


فهل هناك من قوانين تحمي من التحرش الجنسي في مصر اليوم؟ الرئيس السابق عدلي منصور كان قد أصدر قانوناً "لتغليظ عقوبة التحرش الجنسي"، ينصُ على أن "يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد عن خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية". هذا بالنسبة للقانون، الذي نجح الامن المصري حتى اليوم بحمايته وتطبيقه الى حد كبير، فلم ترصد "قوات التحرش" في أيام عيد الاضحى سوى 100 حالة فقط في البلاد، وهو أمرُ يشير الى تراجع في نسبة التحرش.
بالنسبة لهالا، مايا، والعديد من الشباب المصري، فانه على الفتاة المصرية أن "تتحاشى" بدورها إحتمال التحرش الذي قد تتعرض له عند نزولها الشارع، وذلك من خلال "تطويل اللبس" والامتناع عن الرد على أي ملاحظة، خصوصاً في القاهرة، ويختلف الامر بالطبع في مناطق "صيفية" أو سياحية أخرى، كالساحل الشمالي، أو في "راس صدر". ولكن ألم يكن هذا "الحياء" أم الادب الزائد سبباً في إزدياد التحرش بين المصريين؟ وهل من مراقب لمضمون الاغاني والافلام السينمائية المليئة بالايحاءات الجنسية الرخيصة والمحرضة على تحرش؟ أم ان "افلام السبكي" أصبحت هي بديل روائع السينما المصرية في بلد كاد يغرق في كهوف الظلام.


[email protected]
@Zeinah5


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم