السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

هل تعتبرونه أنتم أيضاً نقصاً في الرجولة؟

سلوى أبو شقرا
A+ A-

يُرخي الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان بثقله على المواطنين الذين باتوا يعملون في وظيفتين أو أكثر على الأقل لتأمين حياة معيشية كريمة لهم ولأسرتهم، في ظل تقاعس الدولة عن تأمين أبسط حقوقهم وحاجاتهم. وفي وقتٍ تنافس العمالة الأجنبية اليد العاملة اللبنانية، ما يجعل ميزان المدفوعات في عجز دائم خصوصاً أن الأموال لا تدخل الحلقة الاقتصادية داخل الوطن، بل يتمَّ تحويلها إلى البلد الأجنبي الذي ينتمي إليه العامل. وأمام ارتفاع أسعار إيجارات المنازل والعقارات، والبنزين، والمأكولات، وأقساط الأولاد ونشاطاتهم المدرسية، يجد الموظف نفسه عاجزاً عن تأمين كل ما يطمح إليه. فكيف إذا ما فقد وظيفته بين ليلة وضحاها حين قرر صاحب العمل الاستعاضة عنه بعامل أجنبي يعمل بدوام أكثر وراتب أقل؟!



تتشابه القصص وتختلف الوجوه


صالح ابن الـ 38 عاماً، كان يعمل في أحد المحال التجارية في منطقة شعبية، موظف على صندوق المحاسبة. هو مجاز بإدارة الأعمال، لكن الحظ لم يسعفه في الحصول على الوظيفة التي يحلم بها، فتمسَّك بوظيفته في المحل لاعتبار أنها تستر حاجته وتقيه الفقر والعوز والمعاناة.
تزوَّج صالح باكراً في عمر الثالثة والعشرين وأنجب أربعة أولاد، يحتاجون إلى مصروف كبير من ملابس، ومأكل ودراسة وما يتبعها من قسط وكتب وقرطاسية كان يستطيع أن يؤمن بعضاً منها فيما يستدين لإكمال ما تبقَّى. لكن منذ عام، وصل صالح إلى عمله كالمعتاد، كان آخر يوم في الشهر، وبعد انتهاء الدوام طلب منه صاحب المحل الدخول إلى مكتبه، حيث أعطاه راتبه الشهري، وقال له "اليوم آخر يوم لك في العمل"، فردَّ عليه صالح متفاجئاً وساخطاً "كيف ولماذا؟ هل تراجعت في عملي؟ ألا آتي كل يوم قبل الدوام وأرحل بعد انتهائه ولا أحصل على زيادات. لماذا، أريد تبريراً؟"... فعلّل صاحب المحل قراره شارحاً أنَّ المدخول أصبح قليلاً، وأنَّه براتب صالح يستطيع توظيف شخصين، لافتاً إلى أن اليد العاملة الأجنبية أرخص بكثير "بيشتغل كتير وما بيقول لأ". فوجد صالح نفسه بعد سنوات بلا وظيفة، وصار يبحث عن عمل آخر، إلاَّ أنَّ ما يمر به لبنان من أزمات اقتصادية ومعيشية يحول دون ذلك، وها هو منذ عام يجلس في المنزل، حانقاً وغاضباً، يتشاجر وزوجته كل يوم، والأولاد باتوا ضائعين وخائفين.
قصة صالح ليست باستثنائية، بل قد تختلف الأسماء والوجوه والظروف إلاَّ أنَّ هذه القصة تشبه حياة لبنانيين كثر جار عليهم الزمن وتركهم يصارعون رياحاً معيشية عاتية بدأت تدمِّر عائلاتهم مادياً ونفسياً، في وقتٍ ترتفع فيه البطالة بين حاملي الشهادات العليا، وأصحاب المهارات نتيجة غياب آليات لسوق العمل، واتكال طالبي العمل على الواسطة والمحسوبيات والصدفة.



هروب واستسلام


تلفت المعالجة النفسية مايا الحزوري في حديث لـ"النهار" إلى أنَّه "لا يمكن التعميم بأن غالبية الرجال يتعاملون بالطريقة نفسها باختلاف الظروف، فمنهم من يكون وطء البطالة عليهم صادماً وسلبياً. بينما آخرون على الرغم من وجود صعوبات جسام إلاَّ أنهم يحافظون على تماسكهم وتماسك أسرهم. وبالتالي يختلف الوضع من رجل إلى آخر بحسب طبيعة شخصيته ونفسيته. فالأشخاص أمام وقع البطالة يقومون برد فعل سلبي، وتكون عوارضه شخصية مرتبطة بذاتهم، وقد تطاول هذه العوارض أفراد الأسرة من زوجة وأبناء. وهذه العوارض تؤثر بشكل أو بآخر في الرجل العاطل عن العمل صحياً ونفسياً. ففي الشق الصحي يشعر بضيق في التنفس، أو بوعكة صحية ونوبة بالقلب نتيجة الاضطراب النفسي المتراكم، ما ينعكس سلباً على صحته. وعلى الصعيد النفسي يمكن أن تظهر عليه عوامل القلق والضغط النفسي والاكتئاب. بينما يجد البعض الحل في الهروب من الواقع عبر اللجوء إلى الانتحار، بحيث يشعر بعدم القدرة على تحمل فكرة أنَّه عاطل عن العمل خصوصاً إذا كان ربَّ أسرة، ما يدفع به للاستسلام".
وتضيف الحزوري أنَّ "العصبية تزيد لديه بعد تركه العمل، وتنعكس على الجو العام للأسرة، مع ما يرافقها من شعور بالفشل يحبط جو المنزل، ويجعل الأسرة تخفف من مصروفها. وهذا يترتب عنه شعور بالذنب لدى الأب غير القادر على تأمين مستلزمات أبنائه، كذلك لدى الأولاد الذين يشعرون بالخجل إذا طلبوا من والدهم حاجات غير قادر على تلبيتها، أو صرفوا أكثر من اللازم، بدل أن يفرحوا بأنهم يشترون ما يفضلونه من سكريات وملابس وألعاب. وهذا لأنهم يحملون في اللاوعي الخاص بهم الحال العصبية المطبوعة بذاكرتهم والمرتبطة بعصبية الأب وما يسمعونه في المنزل، ما يسبب مشكلة لديهم خصوصاً إذا لم يكونوا معتادين على هذا الوضع مسبقاً، وشعوراً بالذنب يرتبط بكآبة تؤدي إلى تراجع تحصيلهم العلمي، وشروداً ذهنياً نتيجة التشنج داخل المنزل".



"تُعيّره" بنقص الرجولة!


وفي ما يخص وضع الزوجة وإذا ما كانت تعاتب زوجها أو تتهمه بنقص في رجولته لأنه غير قادر على إعالة أسرته، تجيب الحزوري بأنَّ "في هذه الحال لا يمكن أن نعمّم تصرفات الزوجة. إذ إنّ ردات الفعل تختلف بين امرأة وأخرى. فنجد زوجة تأخذ المبادرة وتبحث عن وظيفة، أو تضع على عاتقها مصروف المنزل إذا كانت امرأة عاملة. بينما نجد أخرى لا يمكن أن تكون سنداً بل تنهار بانهيار زوجها، ما يؤدي إلى تشنج العلاقة التي تطفو عليها السلبية والعصبية. فيغيب الحوار، وتسقط نظرة اعتبار المرأة لزوجها السند ومصدر الأمان. وهنا، يرجع السبب إلى أنَّ التربية في المجتمع الشرقي تصنِّف الرجل على أنه مصدر الأمان للمرأة، ليس فقط بكيانه وشخصه، بل بماله ووضعه الاقتصادي أيضاً. وبالتالي فإنَّ توقف الرجل عن العمل يزعزع شعور المرأة بالأمان، ما يؤثر سلباً في العلاقة الزوجية والثقة في ما بينهما، وحتى على علاقتهما الحميمة بحيث يبرز نوع من البرود والتلاشي والإهمال، بحيث تطغى الهموم أكثر، ويتكرَّس رفض معين من قِبلها للصورة المشوهة لزوجها الرجل".



مغامرة تستحق التجربة!


وتلفت الحزوري إلى أنَّ "تدهور الحال الاقتصادية للعائلة لا يؤدي إلى الطلاق دوماً، إنما يسود العائلة جو مضطرب يتطلَّب تدخل طبيب نفسي متخصّص بالشؤون العائلية يرافقه علاج، خصوصاً عند بروز عوارض نفسية حادة مثل الكآبة أو العنف من خلال الضرب والشتم. إضافة إلى معالج نفسي متخصّص بالعلاقات الثنائية لإرشادهما حول كيفية تخطي الأزمة في هذه المرحلة". وتذكِّر الحزوري الثنائي الذي يمر بأزمة مالية وضائقة اقتصادية أن "هذه الأزمة تأتي وترحل بمرور الوقت، أي إنها عابرة وليس مستمرة. بالتالي، يجب أن يعمل الثنائي على تخطيها ومواجهتها، فهي ليست بمشكلة بل بمغامرة لا يجب أن يكون لها تبعات سلبية على علاقتهما، بل يجب أن يجدا فيها لذَّة لتخطيها".


 


 


 


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم