الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

منح الصلح و المأزق العربي الطويل

محمود حدّاد
A+ A-

في 2004 وقبل عشر سنوات بالتمام والكمال من رحيله كتب المفكر منح الصلح اللبناني العربي، وكأنه يلخص الوضع العربي الحالي المؤسف ويضع الأصبع على المأزق الطويل الذي لم يستطع العرب الخروج منه.


كتب: "... إذا طرحنا على أنفسنا السؤال: هل في الأفق أي استعداد عند الشعوب العربية للايمان بقدرة الحلول الليبرالية العادية على مواجهة أخطار جدية ومهددة للمصير تحملها المشاريع الصهيونية المتطرفة المدعومة من الولايات المتحدة بصورة مطلقة كما لم يكن الامر في أي وقت مضى؟ هل ترك الصهاينة والأميركيون المناصرون لهم بلا تحفظ مجالاً لتجاوب شعبي عربي مع أي دعوة معتدلة باسم الديموقراطية الصبورة بطبعها؟
"منذ زمن بعيد والأمر واضح أنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تخاطب بنجاح العقل العربي والقلب العربي، فالمكان هو في فلسطين وليس في أي مكان آخر. لتبرهن الولايات المتحدة أنها جادة في اقامة دولة فلسطين جدية الى جانب اسرائيل، ولتقم الدولة الفلسطينية السيدة العربية، ولتبحث بعد ذلك في موضوع الديموقراطية وغير الديموقراطية في البلاد العربية. أما الحديث عن الديموقراطية في العراق واليد الشارونية مطلقة في فلسطين، فلا أحد على استعداد للتعاطف مع هذه الدعوة".
أضاف منح الصلح الذي كان صاحب معادلات سياسية تشبه المعادلات الحسابية:
"ثمة علاقة بين أزمة الديموقراطية في البلاد العربية وانحياز السياسة الاميركية. فما دامت أميركا على سياستها الحالية لدعم اسرائيل من دون أي نظرة عادلة الى حق الفلسطينيين في وطن ودولة، لن يقوم أي تعاون عربي شعبي صادق مع أي تبشير أميركي بالديموقراطية. بل انه لم يسء الى الديموقراطية في العالم العربي أمر مثل تبني الولايات المتحدة لأبشع أنواع الفاشية الاسرائيلية. ان العرب، لولا دعم الولايات المتحدة المطلق لاسرائيل، كانوا اليوم أقرب الى الديموقراطية أكثر بكثير مما هم في الوقت الحاضر. ولكن شعار ارضاء اسرائيل أولاً الذي ترفعه الولايات المتحدة هو الذي عرقل النمو الطبيعي للديموقراطية في البلاد العربية باعطاء فرصة لطغاة ان يطرحوا أنفسهم زعماء في المنطقة، بحجة ان الديكتاتورية هي الطريق السريع الى التقدم وبحجة ان البلاد العربية تعيش باستمرار حالاً استثنائية تتطلب وجود استثنائيين على رأس الحكم، أي ديكتاتوريين. من هنا دخل في أذهان الكثيرين من السذج في البلاد العربية ان هناك بديلاً من الديموقراطية، أو أنها على الأقل قابلة للتأجيل الى أجل غير مسمى. كأن الولايات المتحدة تقول للعرب: "اسرائيليتنا في الشرق الأوسط قبل ديموقراطيتنا وقبل ديموقراطيتكم أيها العرب".
ها هنا لب المسألة وحجر الزاوية الذي وجده فقيدنا وهذا هو المفتاح المفقود لتفسير سلسلة الفتن والأزمات المتلاحقة والمتصاعدة التي ما زال العالم العربي يتخبط بها منذ وعد بلفور والحرب العالمية الأولى والتي لا يحلها الزمن، بل يزيدها تعقيدًا وحدّة على ما يرى الجميع. ولا ينفع أن يرسل الغرب حاملات طائراته وقواته ووصواريخه وشركاته الأمنية كل عشر سنوات بدعوى محاربة هذا التنظيم الإرهابي أو ذاك أو حركة المقاومة هذه أو تلك لان الحل هو في مكان آخر أقل كلفة ووحشية وأكثر إنسانية ولكنه يتطلب شجاعة قرار التخلي الغربي عن إرادة العمل على فناء العرب سياسيًا وثقافيًا والتعامل الفوقي والعنصري معهم ومع آمالهم في الحربة والتحرر.
و اليوم إذ يُشغلُ الغرب نفسه ويُجبر الكثير من العرب وغير العرب على الانشغال معه في التفتيش عن حلول عسكرية وأمنية للأوضاع المتدهورة في شرقنا العربي كان منح الصلح قد أشار أن بداية أي حل للمنطقة بأسرها ولعلاقة العالم بها هو حل سياسي بامتياز يتطلب قرارًا من خارج حدودنا يفتح الباب أمام فك تلك الجدلية الصعبة بين الأوضاع الداخلية والضغوط الخارجية.


استاذ جامعي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم