الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"إيبولا"... لا يمكن هدر الوقت

المصدر: هافنغتون بوست
بيتر بيوت (مساهم في اكتشاف ايبولا)-ترجمة نسرين ناضر
A+ A-

المقال أدناه مقتبس من كتاب "لا يمكن هدر الوقت: حياة من السعي خلف الفيروسات القاتلة" (No Time To Lose: A Life in Pursuit of Deadly Viruses) بقلم بيتر بيوت. البروفسور بيوت هو مدير كلية لندن للصحة العامة والطب الاستوائي، كما تولّى سابقاً منصب مدير برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز، ومساعد أمين عام الأمم المتحدة. وقد ساهم في اكتشاف فيروس الإيبولا عام 1976. قبل الاقتباس، مقدّمة بقلم بيوت عن الملاحظات الجديدة التي سجّلها هذا الأسبوع.


وباء الإيبولا الحالي غير مسبوق. فقد سُجِّلت حتى الآن أكثر من 7000 إصابة وما يزيد عن 3300 وفاة. إنها المرة الأولى التي يصيب فيها الوباء دولاً بكاملها؛ وهي المرة الأولى التي يطال فيها عواصم تضم أعداداً هائلة من السكّان. وهي المرة الأولى أيضاً التي يُشخَّص فيها المرض خارج أفريقيا.
طوال 38 عاماً من عملي في مجال الإيبولا، لم يخطر في ذهني قط أن الفيروس يمكن أن يتّخذ هذا البعد، ويتحوّل من وباء يتفشّى على نطاق صغير إلى أزمة إنسانية مروّعة.
بالعودة إلى العمل الأوّلي الذي قام به فريقنا الدولي عام 1976 في يامبوكو في جمهورية الكونغو الديموقراطية (التي كانت تُعرَف آنذاك بزائير)، لا تزال كل الدروس التي تعلّمناها فيما كنّا نعمل على فهم كيفية انتشار هذا الفيروس الفتّاك، قابلة للتطبيق اليوم. لم تعد كيفية انتشار الفيروس لغزاً، وعرفنا كيف نمنع تفشّي الإيبولا في السابق. لكن هذه الإجرءات لم تنجح في وقف الوباء الحالي في غرب أفريقيا - والسبب الأساسي هو أن تطبيقها كان بطيئاً جداً وعلى نطاق غير كافٍ.
علينا أن نبادر حالاً إلى تخصيص مزيد من المهارات والموارد للسيطرة على هذه الكارثة الإنسانية. يتعيّن علينا بناء مستشفيات ميدانية ووحدات للعناية بمرضى الإيبولا، وإرسال طاقم للرعاية الصحية وإمدادات طبية، والتنسيق على المستوى اللوجستي، فضلاً عن دعم الحكومات والمنظمات الأهلية لوقف تفشّي الإيبولا من خلال تنقّل الأشخاص وتفادي الممارسات الخطرة المرتبطة بالمآتم وإجراءات الرعاية. - لندن، تشرين الأول 2014.


سبب العدوى
يامبوكو، 1976 - في اليومين التاليين، قمنا بجولات في القرى كل صباح، وأخذنا عيّنات من الدم حيث أمكننا ذلك، ودوّنّا كل تفصيل يمكن أن يكون مفيداً، وكل البيانات التي تمكّنا من جمعها.
في كل قرية، كنا نعقد اجتماعاً مع زعيمها وكبار القوم. وكنّا نطلب منهم أن يشرحوا لنا تجربتهم مع المرض الجديد، ونسألهم عن عدد الإصابات والوفيات، والتواريخ، وإذا كانوا على علمٍ بأشخاص مصابين في تلك الفترة. وكنّا نسأل كل قروي نصادفه عن الممارسات اليومية - احتكاك غير عادي بالحيوانات، قَطْع الأشجار في مساحات جديدة من الغابات، الغذاء والشراب، التنقّل، الاحتكاك بالتجّار.
سمعنا عن أسر بكاملها قضى عليها الفيروس المنتشر بسرعة. في إحدى الحالات، توفّيت امرأة في يامبوكو بعد أيام من إنجابها طفلاً، وسرعان ما لحق بها أيضاً مولودها الجديد. أما ابنتها البالغة من العمر 13 عاماً والتي توجّهت إلى يامبوكو للاعتناء بالطفل، فقد مرضت لدى عودتها إلى قريتها وتوفّيت بعد أيام؛ وتبعتها زوجة عمها التي اعتنت بها؛ ومن ثم عمها وقريبة أخرى قدِمت للاعتناء به. كان هذا التفشّي الفتاك للمرض بين البشر مخيفاً جداً.
اكتشفنا أن عاملَين اثنَين يربطان بين جميع الضحايا تقريباً الذين توفّوا جراء الوباء اللغز. العامل الأول هو المآتم: عدد كبير من المتوفّين حضروا مأتم شخص قضى جراء إصابته بالإيبولا أو أقاموا احتكاكاً مباشراً بشخص حضر مأتم مريضٍ بالإيبولا. والسبب في انتشار العدوى خلال المآتم هو تحضير الجثمان، فضلاً عن الاحتكاك المطوّل والشديد. فالجثمان كان يُنظَّف جيداً، وغالباً ما كان العديد من أفراد العائلة يشاركون في عملية التنظيف من دون وضع كفوف في أيديهم. وبما أن الجثامين كانت مغطاة عادةً بالدم والبراز والقيء، كان التعرّض لفيروس الإيبولا كبيراً جداً - لا سيما وأن العُرف كان يقضي بتنظيف الفم والعينين والأنف والمهبل والشرج.
العامل الثاني كان التواجد في مستشفى بعثة يامبوكو. تقريباً جميع الضحايا الأوائل للفيروس كانوا قد زاروا العيادات الخارجية في تلك المستشفى قبل بضعة أيام من إصابتهم بالمرض.
بدا مرجحاً في تلك المرحلة أن الهباء الجوي ليس كافياً لنقل الوباء. لكن كان لافتاً أنه في الفئة العمرية بين 18 و25 عاماً على وجه التحديد، بلغ عدد الوفيات لدى النساء بوباء الإيبولا ما لا يقل عن ضعف عدد الوفيات لدى الرجال. عرفنا أن هناك علامة استفهام حول المستشفى، لكن المفتاح الحقيقي لحل اللغز كان البحث عن عامل الاختلاف بين الرجال والنساء في هذه السن. عامل الاختلاف هو الحمل. بالفعل، كل النساء تقريباً اللواتي توفّين كنّ حاملات، لا سيما في تلك الفئة العمرية، وكنّ قد زرن عيادة الحمل في مستشفى بعثة يامبوكو.


الافتقار الى التدريب
أجرينا مقابلات بلباقة مع الراهبات. أخبرتنا الأخت جينوفيفا أنه يعاد استخدام الحقن الزجاجية القليلة المتوافرة لمعالجة جميع المرضى؛ وقالت إنه يتم غليها بسرعة (وباستعجال شديد) كل صباح، تماماً مثل أدوات التوليد. وطيلة اليوم تُستعمَل مراراً وتكراراً مع الاكتفاء بشطفها من دون استخدام مياه معقّمة.
وأكّدت أن الراهبات يحقنّ جميع الحوامل اللواتي يعتنين بهن بجرعات من الفيتامين "ب" وغلوكونات الكالسيوم، وهو عبارة عن ملح مؤلّف من الكالسيوم وحمض الغلوكونيك. ليست لهذه المادة أية قيمة طبية خلال الحمل، لكنها تمنح جرعة من الطاقة، ولذلك اكتسبت شعبية كبيرة لدى الحوامل.
بعبارة أخرى، كانت الراهبات يحقنّ كل النساء الحوامل بمادة عديمة الجدوى، وكنّ يستعملنها أيضاً مع عدد كبير من المرضى الآخرين الذين كانوا يقصدوهن للمساعدة. وكنّ يستخدمن حقناً غير معقّمة تتسبّب بنقل العدوى.
كان من الصعب جداً إيجاد الكلمات المناسبة لإخبار الراهبات بأن الفيروس تضخَّم وتفشّى بسبب ممارساتهن وافتقارهن إلى التدريب الملائم. أعتقد أننا كنا لبقين أكثر من اللازم في التعامل مع الأمر، فأنا لست واثقاً من أنهن أدركن فعلاً حجم المسألة عندما أطلعناهن على استنتاجاتنا الأولية.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم