الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

من قال إنها موجودة فقط في لبنان؟

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
A+ A-

غالبًا ما نواجه الانتقادات والاتهامات، فبعضهم يتهمنا بأننا طائفيون أو عنصريون، بينما البعض الآخر ينظر إلينا على أننا محبطون غير آبهين بما يحلّ ببلدنا، فيما شريحة واسعة ترى فينا أناسًا يتحايلون على القوانين ولا يحترمونها.


هذه الأسباب وغيرها كانت مادة إعلاميّة دسمة ووسيلة تجاذب في وسائل التواصل الاجتماعي ومنابر الحوار، لتلقين الجمهور وتوعيته حول معاني المواطنة الصالحة، لدرجة شبع اللبناني من دروس تتهمه من غير أن تقدّم له حلًا، ترى لبنان بلد العجايب والغرايب، وتصف دولته بالفاشلة، وتنظر إلى مجتمعنا نظرة المتعالي إلى الداني. لكن هذه الأمور موجودة في كثير من البلدان، "مش بس بلبنان"، فلا نحن بلد العجائب، ولا نحن شعب يائس، بلدنا فيه ما يوجد في كثير من دول العالم، ونحن شعب مناضل متأمّل دومًا بالتغيير والتطوير.


الطائفيّة
البداية مع الطائفيّة، هذه التهمة الأزليّة التي طبعت لبنان قبل تكوينه أصلًا، يوم كان جبلًا يتقاسمه الموارنة والدروز، قبل أن يتوسّع ويضمّ 18 طائفة. فكانت حجّة لدعاة العلمانيّة لإطلاق أطروحاتهم ومشاريعهم الإصلاحيّة، للتخلّص من هذا السمّ القاتل الذي هشّم الكيان اللبناني. لكن من قال إن الطائفيّة هي سبب أوجاعنا، وليس كيفيّة إدارة هذا الاختلاف، والاعتماد الدائم على موازين القوى؟ ومن قال أن العلمانيّة هي النموذج الأفضل لمجتمع متعدّد لكلّ فئة فيه خصوصيّتها الدينيّة والثقافيّة.
سويسرا، مثلًا، عايشت حروبًا طائفيّة وقوميّة على مدار سنين، ونجحت أخيرًا في إدارة هذا الاختلاف مع حفاظ كلّ مكوّن على خصوصيّته، دون أن تفرض عليه ثقافة مغايرة عن ثقافته الخاصّة، وهي الآن دولة فيدراليّة مؤلّفة من 26 كونتونًا، وهي الأغنى والأكثر تطوّرًا بين دول العالم.


8 و14
وننتقل إلى 8 و14، هما أصل المشكلات في كلّ لبنان. مقولة تتردّد على مسامعنا، ويجد فيها كلّ مواطن مقهور حجّة لمشكلاته التي لا يجد لها حلًا. فهل المطلوب دولة ذات حزب واحد، فيما نحن شعب يتنفس الحريّة؟
كلّ الدول المتقدّمة التي يطمح الشعب اللبناني في الهجرة إليها، مكوّنة من محورين أساسيين، يتناحران، ويتقاسمان السلطة. فإذا هاجر اللبناني إلى إحدى الدول الأوروبيّة أو إلى الولايات المتحدة الأميركيّة، سيعيش في معمعة الصراع بين الأحزاب الاشتراكيّة والأحزاب الديمقراطيّة، وبين العمّال والجمهوريين، أو الديمقراطيين والجمهوريين، والتحزّب لهذه المحاور. فالمطلوب تنمية ثقافة المحاسبة وليس نبذ الأحزاب.


العنصريّة
أمّا العنصريّة، فهي تهمة أزليّة أخرى تُلصق على جبين اللبنانيين، أنتم شعب عنصري، أنتم ترون أنفسكم أفضل من الشعوب المحيطة بكم، عنصريتكم مقيتة...
فيقف اللبناني ضائعًا بين التخلّي عن وجوده لصالح غيره من الفئات لدحر صفة العنصريّة عنه، وبين التمسّك بحقوقه وبأرضه وخصوصيّته المهدّدة على حساب اتهامه بالعنصريّة.
العنصريّة تولد من الخوف على الوجود خصوصًا لدى الأقليات، تولد من الاختلاف غير المُدار بطريقة صحيّة، تولد من الجهل أيضًا، وتنوجد في كلّ دول العالم الديمقراطيّة والمتخلّفة.
العنصريّة موجودة حتى اليوم في الولايات المتحدة الأميركيّة بين البيض والسود. مغروزة في صلب المجتمع البلجيكي بين الناطقين بالفرنسية والناطقين بالهولنديّة، وهي تأخذ منحنى متعصبًا في كثير من قضايا المجتمع البلجيكي، فلا الناطق بالهولنديّة يتقبّل نظيره الفرنسي والعكس صحيح. لا شكّ أن العنصريّة مقيتة، ولكن هل فكّرنا يومًا بالأسباب التي أدّت إليها؟


الإرهاب
ونصل إلى الإرهاب، إنّه موجود، ليس لأن اللبنانيين يهوون قتل أنفسهم قبل قتل الآخرين، ولا لأنهم متمسّكون بتعاليم دينيّة متطرّفة، الإرهاب وجد عندما تقاعست الدولة عن رعاية مواطنيها، عندما عمّ الفقر والجهل، عندما استوطن الأغراب أرضنا، عندما أكل غير اللبناني لقمة العيش من فم اللبناني، عندما خسر المواطن عمله ومنزله وأحبائه ولم يعوّض عليه أحد.
الإرهاب موجود في كلّ المجتمعات المماثلة، هي ليست ثقافة لبنانيّة أو عربيّة تورّد إلى الآخرين، هي موجودة في الولايات المتحدة أيضًا حيث نسبة الجريمة والوحشيّة هي الأكثر ارتفاعًا عالميًا، موجودة في فرنسا في ضواحي المهاجرين، موجودة في روسيا وفي الصين. فهل تنبّه المسؤولون إلى ضرورة معالجتها قبل تفشيها؟


احترام القوانين
اللبنانيون يحترمون القانون خارج بلدهم، ولا يولونه أي احترام في لبنان... كم سمعنا هذه المقولة؟ لكن هل تعلمون أن الأميركي يقود السيّارة وهو مخمور بغض النظر عن القانون الذي لا يسمح له بذلك، فقط لأن شرب الكحول في ثقافتهم يندرج ضمن حقوق الأميركي الشخصيّة. هل تعلمون أن المباني غير الشرعيّة موجودة في الضواحي الفرنسيّة والبريطانيّة والأميركيّة. هل تعلمون أن الإيطاليين يتهرّبون من دفع الضرائب؟


فهل نحن في حاجة إلى انتقادات لا طائل منها وتطاول الجميع، وإلى إسقاطات ونماذج قد لا تناسب تنوّعنا؟ أم إلى آليات عمل ووضوح في الخيارات؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم