الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

"داعش" يسيطر على العراق بسلاح القمح!

المصدر: (رويترز)
A+ A-

وجد صلاح بولس نفسه أمام اختيار بين دينه ومحصوله. هو مزارع قمح من خارج الموصل فر مع عائلته أمام تقدم تنظيم "الدولة الإسلامية"، "داعش" سابقاً. واجتاح التنظيم مزرعة العائلة في إطار هجومه الذي استولى خلاله على مساحات واسعة من الأراضي بشمال العراق.
وبعد أسبوعين تلقى بولس اتصالاً هاتفياً من رجل قال إنه مقاتل من "الدولة الاسلامية". قال له: "نحن في مخزنك. لماذا لست هنا تعتني بعملك؟ عُد وسنضمن لك سلامتك، لكن يجب ان تُسلم وتدفع 500 دولار".
وحين رفض بولس، أوضح الرجل العقوبة :"سنأخذ قمحك.. فقط لتعرف اننا لم نسرقه لأننا اعطيناك الخيار".
ويسرد مزارعون فارون قصصاً مشابهة ويشيرون الى عنصر قليلاً ما يذكر من التهديد الذي يمثله "الدولة الاسلامية" للعراق والمنطقة. فهو صار يسيطر على جزء كبير من إمدادات القمح في العراق. وتقدر الأمم المتحدة أن الارض الواقعة تحت سيطرة التنظيم توفر ما يصل إلى 40 في المئة من الإنتاج السنوي للعراق من القمح، وهو من أهم المواد الغذائية في البلاد إلى جانب الشعير والأرز.
وبدأت الجماعة استخدام الحبوب لملء جيوبها وحرمان خصومها، وخاصة أعضاء الأقليتين المسيحية والايزيدية من إمدادات غذائية حيوية، ولاستمالة السُنة في حين تشدد قبضتها على الأراضي التي استولت عليها. ومثلما فعل التنظيم في سوريا، فقد أبقى في منطقة شمال العراق التي تمثل سلة الخبز للبلاد على موظفي الدولة وعمال صوامع القمح في أماكنهم لمساعدته في إدارة امبراطوريته.
ويمثل هذا النوع من التكتيكات أحد الاسباب التي تجعل "الدولة الاسلامية" تهديدا أكثر تعقيداً من تنظيم "القاعدة" الذي ركز على هجمات الكر والفر والتفجيرات الانتحارية، لكن "الدولة الاسلامية" يتصرف كجيش وحكومة.
وقال علي بيند ديان، وهو رئيس نقابة للمزارعين في بلدة مخمور قرب أرض يسيطر عليها التنظيم بين أربيل والموصل، إن "القمح سلعة استراتيجية. وهم يستغلونه قدر ما يمكنهم".
ويقول تشارلز ليستر، وهو زميل زائر في مركز "بروكينغز" في قطر إن "الدولة الاسلامية تقدم نفسها كما لو أنها دولة تماماً.. وكي يمكنها الحفاظ على تلك الصورة وهذا التمثيل الحيوي لاستمرار التجنيد والشرعية، فإنها تعتمد على مصدر مستدام للدخل".
الاستيلاء على المحاصيل والمواشي
في أوائل آب، تابع المزارع الكردي سعيد مصطفى حسين عبر نظارات مكبرة مقاتلي "الدولة الاسلامية" وهم ينقلون القمح الى أربع شاحنات انطلقت لاحقاً في اتجاه قرى عربية. وقال حسين انه يجهل ما حدث لقمحه لكنه يعرف أن التنظيم يدير أربعة مطاحن في المناطق التي يسيطر عليها، ويرجح أن قمحه طحن وبيع.
وكان له 54 طناً من القمح في مزرعته في قرية بونجينة شمال شرق اربيل. وأضاف حسين :"كنت عاجزاً عن وقفهم. أخذوا مولدين كهربيين من القرية كنا تسلمناهم حديثاً من الحكومة الكردية بعد عملية طويلة جداً".
وقال جاره عبدالله نميق محمود أن مقاتلي "الدولة الإسلامية" زرعوا ألغاماً لـ"تمنعنا من العودة".
وتوجد عشرات من القصص المشابهة في مخيمات النازحين في أنحاء كردستان العراق.
وروى المزارع يونس سعيد الله :"هربنا بالأموال والذهب، لكن تركنا القمح والأثاث وكل شيء آخر".
وقدر اقتصادي سابق في وزارة الزراعة الأميركية أن نحو ربع العراقيين الذين يعيشون في مناطق ريفية كانوا يعتمدون على الغذاء المدعوم قبل أعمال العنف الأخيرة في حين يستخدمه ربع آخر كإضافة تكميلية للغذاء الذي يشترونه.
ويسيطر "الدولة الاسلامية" على كل الصوامع التسع في محافظة نينوى التي تمتد على ضفتي نهر دجلة، الى جانب سبع صوامع أخرى في محافظات أخرى.
انتقال سلس
وفي نواح كثيرة، تستنسخ "الدولة الاسلامية" في العراق الاستراتيجيات التي طورتها في سوريا. وعلى سبيل المثال، يقول مقاتلو التنظيم إنهم حين سيطروا على مدينة الرقة، سمحوا للموظفين السابقين من نظام الرئيس السوري بشار الأسد بالاستمرار في إدارة المطاحن. وأنشأت الجماعة "ديوانا" للقمح مسؤولاً عن سلسلة الإمداد من حصاد المحصول إلى توزيع الدقيق.
ويمكن أن يرى في العراق المسعى نفسه لإبقاء الامور تمضي بسلاسة. وتجنب مقاتلو التنظيم دائماً تدمير المنشآت الحكومية التي استولوا عليها. وحين سيطرت "الدولة الاسلامية" على أكبر سد في العراق، أبقت الموظفين في مواقعهم، وجلبت مهندسين من الموصل لاجراء اصلاحات.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، اختفى مقاتلو "الدولة الإسلامية" من بعض المناطق في الموصل وكركوك بسبب الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة. وقال ابرهيم إن "الوضع مستقر" مع سماح مقاتلي التنظيم المتشدد لموظفي الدولة بالاستمرار في إدارة الصوامع.
وأفاد ناطق باسم وزارة التجارة أن كل موظفي الحكومة في الموصل حصلوا على رواتبهم عبر المصارف الحكومية في كركوك، فهي أكثر أماناً وتحت رقابة الحكومة.
والقلق الكبير الآن هو محصول الموسم المقبل. وقال مسؤول في وزارة الزراعة العراقية إنه في محافظة نينوى، حيث "عاصمة الخلافة" التي أعلنتها الجماعة من طرف واحد، يوجد 750 الف هكتار يجب بذرها بالقمح قريباً، وهذا يتطلب آلاف المزارعين، لكن معظمهم فروا.
ويخشى من ظلوا في أرضهم خارج مناطق سيطرة "الدولة الاسلامية" ان يستولي المتشددون قريباً على قراهم وعلى محاصيلهم التي حصدوها ولم تبع بعد.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم