الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

نادين لبكي: لن أنجب في الشهر السادس بعد اليوم!

المصدر: "النهار"
A+ A-

يحلّ في بيروت بدءاً من الخميس المقبل "ريو أحبّكِ"، فيلم جماعي انتاج برازيلي شارك في اخراجه 12 سينمائياً من العالم، أبرزهم الايطالي باولو سورنتينو الفائز هذه السنة بـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي، والبريطاني ستيفن إليوت، والكوري الجنوبي سانغ سو أيم. من بين الأسماء التي تمّ اختيارها، اللبنانية نادين لبكي التي توّلت إخراج جزئها المعنون "اعجوبة" ذي الثماني دقائق. هذا ليس كل شيء، فلبكي استعانت بالممثل الأميركي المعروف هارفي كايتل لتصوّر مقطعاً مع صبي برازيلي من العشوائيات ينتظر اتصالاً من الله ليحقق له حلمه.


"ريو أحبّكِ"، هو الحلقة الثالثة في سلسلة سينمائية مهداة إلى حبّ المدن انطلقت مع "باريس أحبّكِ" في العام 2006، استناداً الى فكرة للمنتج الفرنسي ايمانويل بنبيهي. بهذا الفيلم الجماعي عن ريو دي جانيرو، تعود لبكي الى الصالات المحلية لملاقاة الجمهور اللبناني، بعد ثلاثة أعوام من "هلأ لوين؟"، الفترة التي أمضتها قبالة الكاميرا كممثلة في أفلام عدد من المخرجين الأجانب، من مثل ليلى مراكشي، فريد كافاييه، وكزافييه بوفوا. أفلام حملتها من مهرجان الى مهرجان. "ريو أحبّكِ" كان مناسبة لخوض نقاش شامل معها يمتد من تجربتها في ادارة كايتل الى مآخذها على النقد اللبناني فعدم رغبتها في انجاز التصوير على عجل، كما كانت الحال مع فيلميها السابقين.



كارلوس سالدانا اثناء التقاط مشاهد "ريو احبك".


 


* كيف توصّلتِ إلى المشاركة في "ريو أحبّكِ"؟ هل هي مبادرة منكِ؟


- لا، اتصّل بي منتجو الفيلم، وسألوني اذا كانت تهمّني المشاركة في إخراجه. كانت تستهويني فكرة أن أصوّر في البرازيل. كنتُ سافرتُ اليها مدة قصيرة، من غير أن أتمكن من معاينتها جيداً. راقني جوّ البلد، وحصل بيننا تماس. فكنتُ ممتلئة حماسة حين طُرحَت عليَّ الفكرة. زادت من حماستي، معرفتي بأسماء المخرجين الذين شاركوني في اخراج الفيلم. تساءلتُ: أيُعقل أن أكون واحدة منهم؟ كان هؤلاء بالنسبة لي مدرسة.



* ليسوا جميعهم "مدارس" في الإخراج...


- تقريباً. فرناندو ميرييس، كارلوس سالدانا، باولو سورنتينو، ستيفن ايلوت، جون تورتورو. أحترم عملهم جميعاً.



* هل التقيتِهم، هل كان العمل جماعياً...؟


ـــ لا، التقينا خارج إطار العمل. صدف ارتباط كلٍّ منا بالتصوير في زمن واحد، فالتقينا لتناول الفطور أو العشاء، من غير أن يعلم أحدٌ منا بفحوى عمل الآخر والسيناريو الذي يصوّره.



* هل كان ذلك متعمَّداً؟


- نعم! تعمّدنا ألا يعرف أحدٌ قصة الآخر. كنتُ في التصوير بينما جون تورتورو وستيفن اليوت يصوّران أيضاً. اجتمعنا إلى الفطور، ولم نتحدّث كثيراً عن أفلامنا. أردنا المحافظة على هامش الاستقلالية في التفكير والرؤية.



* ولكن، في الأصل، ما التعليمات التي تلقيتموها، كمخرجين، من منتجي الفيلم؟


- الشرط الوحيد كان أن يلتزم كلٍّ منا ثماني دقائق، وأن يجري التصوير في ريو.


* ... علماً أننا نشعر ان مدّة الأفلام ليست واحدة...


- ربما هناك أفلامٌ أقصر بقليل، لكن أياً منها لم يتجاوز الدقائق الثماني المسموح بها.



"اردتُ ان اثبت لنفسي مدى قدرتي على التصوير بلغة أخرى" (لبكي).


* من الأفلام ما يقدِّم صورة اكزوتيكية عن ريو. فيلمك صوّرتِه في محطة قطار...


- رأيتُ ريو من خلال هذا الصبي. لمستُ فيه الشخصية البرازيلية والتناقض الذي يعيشونه هناك. يحمل الصغير سنين إضافية على كتفيه، لكنه في النهاية يظلّ ولداً. مرّ بما يجعله يتجاوز سنّه الحقيقية. سلوكه في أحيان يشي بأنه رجل. لكنه في الحقيقة طفل. هو مرتاح مع نفسه، لا يعاني مشكلة مع جسده. هذا الصبي حرّ. حرٌ جداً. لمستُ فيه حرية تتسم بها الشخصية البرازيلية. إنهم يشبهوننا الى حدّ كبير. لا تعقيدات في التعامل معهم. بيد انهم، خلافاً لنا، تخلّصوا من عقدة الجسد.


* ألم يتملّككِ الفضول للإطلاع على أسباب اختيارهم لكِ لإنجاز الفيلم؟ لا سيما انك المخرجة الوحيدة من الشرق الأوسط في هذا المشروع...


- راقهم "سكّر بنات" و"هلأ لوين؟". اعتقد أن هذا هو السبب.


* هل اكتفى المنتجون بمشاهدة الفيلم عندما انتهيتِ من انجازه أم انهم اطلعوا على السيناريو منذ البداية؟


- لا، بعد موافقتي على اقتراحهم، كتبتُ السيناريو وأرسلته اليهم...


* هل أدخلوا عليه عدداً من التعديلات؟


- اطلاقاً. حريتي كانت كاملة، حتى في ما يتعلق بالمونتاج. لعلّ بعض السيناريوات الأخرى اعترضته مشكلات، أما السيناريو الذي كتبته، فمرّ سليماً.


* هل أنت الذي اخترتِ هارفي كايتل؟


- نعم. فرض الدور وجود ممثل مشهور يملك القدرة على تحقيق حلم الصبي. وحدها شخصية مشهورة مثله تستطيع إحضار كرة قدم موقّعة من بيليه. المراد ممثلٌ أميركي ذو شهرة يملأه الفضول لمعرفة قصة الصبي. كايتل خليطٌ من شخصية مشهورة وشخص حنون قادر على التودّد تجاه الصبي. في أمكانه أن يسأل: ماذا دهاه؟ كيف أحقق له حلمه؟


* هل مرّ آخرون في بالك؟ أقصد أسماء غير كايتل؟


- بالطبع! لكن كايتل أول مَن قفز الى بالي فور التفكير في شخصية تؤدي الدور. لم يكن الوصول إليه سهلاً. تطلّب الأمر نحواً من ستة أشهر حتى تحقق. قيل لنا مراراً إنه غير متوافر. إنها دهاليز هوليوود حيث ضرورة المرور بمدير الكاستينغ، ورفع الطلب الى الوكالة، أضف أنّ الفيلم قصير، وضيّق الانتشار، ولا يدرّ الأرباح. أعتقدتُ في البداية أنّ الأبواب صُدَّت في وجهي، وشعرتُ بهذا الرفض كحرقة، وبدأتُ التفكير في أسماء أخرى، الى أن لجأتُ الى صديق، هو منتج في أميركا. حين أخبرتُه بحاجتي الى شخصية مشهورة تؤدي الدور، اقترح عليَّ اسم كايتل! قال إنه صديقه، واقترح إرسال السيناريو إليه. بعد ثلاث ساعات فقط من إرسالي السيناريو، اتصل بي ليبلغني أنه وافق على التصوير. أسمعني صوته على علبته الصوتية: "أحببتُ السكريبت، أريد أن أمثل في الفيلم!". وهكذا كان. اكتشفتُ لاحقاً كم أنّ هذه الشخصية عظيمة. أخبرني أنه يحب لبنان، وجاء اليه في العام 1958، زاره مع المارينز. كان في التاسعة عشرة ولم يكن أصبح بعد ممثلاً. انتهى به الأمر مغرماً بهذا البلد!


* أسنراه في فيلمكِ المقبل؟


- مَن يدري؟ (ضحك).


* ألم يقترح بعض الأفكار؟


- قدّم أفكاراً عدة، منها أفكار سيناريوات تتكلّم على عودته الى لبنان للبحث عن أشخاص فقدهم. أحبّ فكرة أن يأتي إلى لبنان ليصوّر فيه...


* كمخرج؟


- لا، كممثل.


* إذاً، هو يحتاج الى مخرج أو مخرجة (ضحك)...


- أنا المخرجة!




هارفي كايتل وافق على تصوير الفيلم فور اطلاعه على السيناريو.


* بعيداً من هذا، ما رأيكِ بالفواصل في "ريو أحبّكِ"؟ أجدها تضلل الفيلم...


- لستُ مقتنعة بها تماماً. يروقني البعض منها. الفواصل أحياناً تأسرني ضمن جوّ الفيلم. أستطيع القول إني، من خلالها، تنفّستُ ريو. امتلأت في داخلي رائحة طرقها. أوافقك بأنّ بعض الفواصل غير ناجح. تذكّر أنّ المهمة كانت شاقة. لكلٍّ قصته المختلفة وفريق عمله المختلف، وأيضاً الأسماء المشاركة في التمثيل. كانت مهمة مخرج الفواصل غاية في الصعوبة. أحياناً، كان يقتضي أن يصورّ قبل أن نصوّر. من الصعوبة أن تصل الى الفواصل وتضمن في الآن عينه نجاحها. ومن الصعوبة أيضاً، في هذا النوع من الأفلام، أن تكوِّن فكرة في الاجمال حيال الأشياء. غالب الظنّ أنك ترجّح فاصلاً على آخر.


* هل واجهتِ صعوبة في التصوير بلغة أخرى؟


- كان ذلك تحدياً. أردتُ أن أثبت لنفسي مدى قدرتي على القيام بمهمّة كهذه. هل أستطيع الكتابة بغير اللهجة اللبنانية؟ هل سأدرك روح النكتة؟ هل سأظلّ أمينة لثقافتهم؟ هل في إمكاني فهمها، وهل هم، من جهتهم، قادرون على فهمي والتعاطف معي؟ أقرّ بمواجهتي خوف كل هذه الأسئلة.



* أرجِّح أنهم تعمّدوا البحث عن التحدي هذا، وإلا لكلّفوا برازيلياً المهمّة. تعمّدوا أسماء من هنا وهناك، حتى وصل بهم الأمر الى الشرق الأقصى...


- نعم، أرادوا وجهة نظر بعيدة من بلادهم تجيب عن سؤال: كيف ترى ريو، وماذا يستوقفك فيها؟ لم يحل ذلك دون الخوف، ولا سيما أنّ أحداً لم يكن يدري عن عمل الآخر شيئاً. برفقتي أسماء مثل غييرمو أرياغا كاتب "بابل"، وفرناندو ميرييس مخرج "مدينة الله". كان السؤال: هل في إمكاني أن أكون على مستواهما؟ يحملنا هذا الى الحديث عن آلية نقد الأفلام في العالم العربي. من غير المنصف الزعم أنّ معايير النقد واحدة بالنسبة الى الفيلم العربي أو الأجنبي. أعتب أحياناً على بعض الأقلام اللبنانية. إننا في السينما كطفل يحبو، فكيف يُطلَب إليه أن يركض فجأة؟ لا بدّ أن يقع ويحاول، ويفيد من تجربته.


* لكنّ عصر اليوم مفتوحٌ على مصراعيه، فالمعلومة تصل أينما كان، كذلك الأفلام. لا يمكن ادعاء جهل الأشياء. يستحيل تقويم فيلم على أنه في جزيرة معزولة أو أنه في مكان آخر من هذا الكوكب...


- صحيح، لكن الاطلاع وحده لا يكفي. تعوزنا الخبرة. الاطلاع موجود غالباً، وما يختلف هو التنفيذ على الأرض.


* لكن المدارس في كلّ مكان، والمدرِّسين أيضاً...


- المدارس موجودة، ولكن كم يبلغ عمرها؟ لا يمكن الحديث عن تاريخ للسينما في لبنان.



فرض الدور وجود ممثل مشهور يملك القدرة على تحقيق حلم الصبي.


 


* ماذا عن الحدّ الأدنى غير المتوافر أحياناً؟


- لا نتكلم على هذه الشريحة من الأفلام. في السينما نوع آخر لا يزال قيد الاختبار. نحن المخرجين، في غالبيتنا، استطعنا اختراع طريقة تصوير خاصة بنا. حين أنجزتُ "سكّر بنات"، وسألتُ المنتج أن يؤمن بي، لم أكن أنا نفسي أؤمن بقدرتي على إنجازه. لم أكن انجزتُ الا بعض الفيديو كليبات والإعلانات. لم تكن عندي خبرة كافية لأنجز فيلماً مدّته ساعة ونصف الساعة.


* لذا، دور المنتج في هذه الحال مهم جداً، وهذا ما نفتقده في العالم العربي...


- بالطبع! دور المنتج أن يمنحنا الثقة الكافية. عليه ان يعلم الى أين يذهب المخرج. لنعد الى إشكالية النقد في لبنان. هو قاسٍ أحياناً، من غير أن يأخذ في الاعتبار خبرتنا في السينما. لم أتعلّم على أيدي كبار المخرجين ولم أعمل وإياهم. ما فعلته هو اختراع آلية تصوير وطريقة أعمل وفقها. لا يعني هذا أنها بالضرورة صحيحة. لكنها تناسبني وأعمل وفقها.


* أخبريني عن تيمة الفيلم، لماذا يسوع والإيمان...؟


ـــ الإيمان بالمطلق، مفهوم يمسّني. عندما أرى إنساناً، بصرف النظر عن دينه، يتضرّع أمام تمثال أو صورة، أو يناجي السماء داعياً مستغيثاً، فذلك في ذاته يهزّني. أشعر بأن البعض يتألم الى درجة أنه يسلّم مشيئته وقراراته الى "كائن" يفوقه قوّة ويرجوه المساعدة. لا أحدد ماهية هذا "الكائن"، سواء أكان الكون أم الله أم يسوع أم بوذا. أتحدث عن الإيمان بالمطلق. هذا ما وجدته في البرازيل. وتمسّني أيضاً قوة الإيمان لدى الطفل. فكرة الطفل وليدة المصادفة. زوجي خالد [مزنر] شارك في كتابة السيناريو. بدأت الفكرة بحاجة طفل الى محادثة يسوع عبر الهاتف، ثم تطوَّرت.


* أيمّسك هذا الايمان حتى عندما يتحوّل الى عبء وتجاوز المنطق والعقل؟


- ما يهمّني هو الإنسان الموجوع الذي لا حلّ آخر لديه سوى اللجوء الى هذا الإيمان. لا بدّ أن الإيمان، في أحيان، يتحوّل سلوكاً أعمى.


* كالتماثيل التي ترشح زيتاً مثلاً؟ ما رأيك بهذا؟


ـــ دعنا من النقاش الديني (ضحك). لنبق في إطار السينما!


* لا بأس. إذاً أخبريني، هل التصوير في ريو أصعب من التصوير في لبنان؟


- كانت صعوبة التصوير في القدرة على التنسيق ما بين مدرسة السينما التي تحوي كماً من الارتجال، وولد في الخامسة من عمره، لا يقف في مكان واحد لثوانٍ قليلة...



صبي من العشوائيات ينتظر اتصالاً من الله.


* أنتِ مَن اختاره؟


- نعم، أولادٌ كثر حضروا الى الكاستينغ، لكنّ اختياري وقع عليه. كان أول صبي رأيته. كان تماماً كما كتبتُ الدور على الورق. حتى شَعره هو عينه كما تصوّرته: أشقر، ذؤاباته تلمع تحت الشمس. لكنّ السيطرة عليه مستحيلة. تطلّبت محاولة العثور على ولد آخر نحواً من ستة أشهر. كنتُ أشبه بمجنونة في نظر المنتجين. كيف أجازفُ هكذا؟ أحضروا إليّ أولاداً أعمارهم ما بين الثامنة والتاسعة، وصبياً آخر يمثّل. أرادوا ألا تذهب الجهود سدى إذا لم أتوصّل مع الصبي الى شيء. السينما هي هذا التحدّي. هذا المثول أمام الخطر. تحدّي التوفيق ما بين مدرسة "السرقة"، أيّ "سرقة" اللحظة من الولد، وبين هارفي كايتل الممثل العظيم الآتي من الـ"أكتورز ستوديو". أضف أنّ الصبي لا يفقه من الإنكليزية شيئاً، كذلك كايتل في ما خصّ البرتغالية، وينبغي له محادثته بهذه اللغة. كان الأمر غاية في الصعوبة. زاد خوفي حين ظننتُ أن كايتل قد يكون قليل الصبر. لكنّه أثبت العكس، ونمّ عن إعجاب به كأنهما يعرفان أحدهما الآخر من قبل.


* حسناً، ما رأيكِ بطريقة ترويج الفيلم في لبنان؟ هل يروقك أنكِ أكثر ظهوراً على الملصق مقارنةً بالآخرين؟


ــــ أحرص على التأكيد في مقابلاتي الصحافية أنني لستُ مخرجة الفيلم بأكمله. ولكن، من البديهي، إبراز مخرج البلد في بلده، من دون بقية الأسماء الأخرى. غاية ذلك الترويج للفيلم بما يضمن حضور عدد كبير من الجمهور غير السينيفيلي بالضرورة. ماذا سيعني "أحبّكِ ريو" للناس من الوهلة الأولى؟ كم عدد المهتمين بمشاهدته إذا لم يُروَّج له انطلاقاً من مشاركتي فيه؟


* ولكن، أليس هذا تهميشاً لباقي المخرجين؟ الفيلم عمل جماعي، فكيف يُعطى لأحدٍ حضور إضافي على الملصق؟ لعلّه من الذكاء أكثر لو جرى الترويج انطلاقاً من مشاركتك في الفيلم الى جانب أسماء كبيرة، عوض تهميش البقية على حساب ظهورك...


- ليست غاية الترويج على هذا النحو تهميشاً لأحد. أنتم النقاد، لا ترون الا الجانب السلبي من الموضوع. من البديهي تقديم ابن البلد على أسماء أخرى عندما يتعلق الأمر بالترويج المحلي. إنها خطوة الموزّع، وأنا لم أسجّل اعتراضاً. في النهاية، لن يدرك الجمهور "العادي" في لبنان أهمية غييرمو أرياغا. لا بدّ من مراعاة الجوّ العام. ثمة خياران: أن نساعد السينما، أو ألاّ نساعدها. إن قررنا مساعدتها، فسيجري العمل وفق هذه الطريقة. وجودي في الفيلم عنصر فضول بالنسبة الى الفئة الجماهيرية غير المعنية بمن هم باقي المخرجين. ليس الشعب اللبناني كله من السينيفيليين.



الملصق الأجنبي لـ"ريو احبك" مقابل ملصق لبناني.



* يختلف هذا المبدأ من ثقافة الى أخرى. الأمر مختلف في فرنسا على سبيل المثال. تجري استمالة الجمهور الفرنسي بعوامل أخرى ليست دائماً الممثل. الموضوع نسبي. على كل حال، بات لديك العديد من التجارب تمثيلياً؟ كيف تقوّمينها؟ وكيف تصفين علاقتك بالتمثيل؟


- ليست جميعها تجارب مقنعة في ما يتعلّق بالنتيجة، لكنها مقنعة في سياق المغامرة. كلّ ما في الأمر أنّ التجارب تتراكم. أختبر ذاتي وأفيد إخراجياً من خبرتي مع الممثلين. تعنيني العلاقة بين المخرج والممثل. أراقب الإخراج وإن كنتُ خارج الدور. تعنيني مثلاً مراقبة كيف يصوّر فيلم الحركة الفرنسي ذو الموازنة العالية. ما هذا الإيقاع المختلف كثيراً عن أفلام أعرفها وأحبها؟ لن أتمكن أبداً من صناعة فيلم حركة. لديّ ما يكفي من الفضول لأتساءل كيف يحدث هذا كلّه. بعد مشاركتي في فيلم "اعتراف بالخطأ" الى جانب فنسان لاندون بات استعدادي أقلّ. ليس هذا أسلوبي. لكنني أحبّذ التجربة. أرفض التروّي حيال الخطوة المقبلة بذريعة أنني مخرجة وممثلة معروفة في لبنان. "آخر همّي" ما قد ينجم عن خوضي التجربة المقبلة، طالما أنها تغنيني وتعرّفني الى مخرجين جدد، وفريق عمل جديد. إنني هنا أختبر "ديو" الممثل- المخرج. تجمعني علاقة خاصة بالممثلين، وبتُّ الآن أتفهّمهم أكثر، وأدرك ما هم في حاجة اليه من المخرج، وماذا ينتظرون منه. على صعيد التجربة، أجدني أيضاً في طور اختبار ذاتي، من غير أن أكون قد أدّيتُ دور حياتي. لم يحدث ذلك بعد، لكني لستُ نادمة على أيٍّ من تجاربي، وإن كانت ناقصة.


* يتردد، من مقرّبين إليك، أنّ التمثيل كان طموحك الأول قبل الإخراج...


ـــ أبداً! الإخراج طموحي الأول مذ كنتُ على مقاعد الدراسة. مع بداياتي في هذا المجال، كنتُ أشعر بالخجل وبرغبة في عدم الظهور. إدارتي الممثلين ولّدت لديَّ طاقة جعلتني أتساءل ما الذي يحرّكني نحو إدارتهم بهذه الدقة؟ بدأتُ بالتعبير عن نفسي برؤيتي وشخصي وصوتي. التمثيل في حالتي يكمّل الإخراج. الخوف وقلة الثقة بالنفس لا يتيحان لي كتابة "دور العُمر"، ولا أعتقد أنني قد أفعل. أثق بنفسي كمخرجة أضعاف ثقتي بي كممثلة، ذلك أنّ الإخراج يتيح إحكام السيطرة على النتيجة، أما التمثيل، فلا.



مع كزافييه بوفوا وميشال لوغران في مهرجان البندقية 71.


* أداؤكِ في "رصاصة طايشة" كان جيداً، ولكنني لم أقتنع كثيراً بفيلم كزافييه بوفوا "فدية المجد"...


- كان الدور يفتقد إلى المساحة ولا يتطلب الاشتغال على الذات. قد يحضركَ سؤال يتعلّق بكيفية قبولي به؟ كان فرصة للعمل مع بوفوا قبل أي شيء آخر (...). تأثرتُ جداً بشخصية بوفوا نظراً الى كونه مخرجاً حساساً. راقبتُ نظرته الى الممثلين ولمحتُ في مقلته دمعة. بعض المخرجين مشغول بشؤون أخرى. أما هو، فيتراءى عمقه من خلال نظراته. يتأمل الممثل ويتوقّع منه النظرة. رفّة الرمش. التفصيل. أهوى هذا النوع من الإخراج. سرّتني رؤيته، علماً أنه رجل صعب بالنسبة الى الكثير من الممثلين.


* وأنتِ تمثلين، أتؤدين أحياناً دور المخرجة؟


- لا، أنني من النوع الذي يطيع المخرج. أثق برؤيته وما يجول في رأسه. قد أقترح أفكاراً وأسأله إمكان تنفيذها، فإن رفض، أعود للاكتفاء برؤيته. أدركُ شعوره ومدى حساسية الموقع الذي يمثله. نظرة الممثل التي تحوي علامة استفهام، تزعج وتزعزع. لا أحبّ أن يلمحها المخرج في عينيّ.


* ماذا عن الفيلم الذي تحضّرينه؟ ماذا عنه وعن مرحلة الكتابة؟


- لا استطيع الافصاح عنه الآن. كموضوع، هاجسي الأولاد حالياً، والظلم الذي يتعرّضون له.


* فريق العمل، هل هو نفسه؟


- انضمّ الينا اسمٌ جديد يشارك في الكتابة، من المبكر الحديث عن ذلك.


* متى تنتهي الكتابة ويبدأ التصوير؟


- أتمنى أن ينتهي كل شيء في الصيف المقبل.


* هل تلهمكِ تطورات الوضع الراهن؟


- بالطبع، هذا في صلب فيلمي المقبل.


 


مع فنسان لاندون في "اعتراف بالخطأ" لفريد كافاييه.


* الفيلم العتيد هل سيفوق الأفلام السابقة ضخامة؟


- ليس بالضرورة. قد يكون أقلّ ضخامة مما سبقه. ما عادت تجربة الأفلام الكبيرة تعنيني. اكتشفتُ ثقلها. إنها تجعلني أقلّ حرية. ما يعنيني اليوم هو جوهر الأشياء. أريد أن أكون خفيفة. أحلم بفيلم مع فريق عمل صغير يخوّلنا أن نشعر بحرّيتنا، ونشعر بالوقت. أصبح الوقت هاجسي في ما يتعلّق بالأفلام. أحتاج الى وقت أمضيه مع الممثلين. لن أستمرّ في "سلق" أيّ فيلم. يكفي ما حصل لـ"سكّر بنات" و"هلأ لوين؟". هذان فيلمان أنجزا في عجل. كأنهما وُلدا في الشهر السادس من الحمل!


* في النتيجة، ثمة ما لستِ راضية عنه؟


- أكيد! هناك الكثير من الأخطاء. لستُ راضية على ثلاثة أرباع ما يتضمنه الفيلم... (...) ألوم نفسي على "هلأ لوين؟" و"سكّر بنات". أردتُهما أقرب الى الواقع. فقدتُ تركيزي مراراً جرّاء الضغط والوقت القليل المتوافر. أحياناً، بعد التقاط المشهد، كنتُ أجده مختلفاً عن النيّة الأصلية التي كُتبت في اطاره. لا ينبغي الابتعاد من النسخة الأساسية المدوّنة في الرأس. في "هلأ لوين؟" ابتعدتُ كثيراً عن النصّ الأصلي. عندما أعود أتذكر، أسأل نفسي ما الذي حصل. أجبرتُ نفسي على إنجاز مَشاهد في غضون ساعات فيما مشهد واحد يشترط مخرج آخر ثلاثة اسابيع لتنفيذه. أتحدّث هنا عن التصوير قبل المونتاج والكتابة. تحتمل مرحلة التصوير تغييرات عدة، بعضها نحو الأفضل، وبعضها نحو الأسوأ.



في موقع تصوير "هلأ لوين؟".


* ولماذا لا تقبلين النقد إذاً؟


- لا مشكلة لديّ مع نقد قد أفيد منه، لكنّ بعضهم يستهدفني شخصياً.


* على رغم هذا، حققت أفلامك نجاحاً جماهيرياً مهماً في لبنان. لو نُفِّذَت بالطريقة التي تريدين، هل كانت لتحقق نجاحاً مماثلاً؟


- نعم، طالما أنّ جوهر الإحساس هو نفسه. تولّدت بيني وبين الناس كيمياء معينة. إنها كيمياء تتخطّى جودة الفيلم. ثمة أيضاً الروح التي تتخطّى الثقافة. ما وُلد بيني وبين الناس سيبقى دائماً. شكلياً، كان في استطاعة الأفلام أن تتخذ وضعية أخرى، كالتركيز أكثر على المضمون والحقيقة. لا نزال حديثين في هذا المجال. ليس لنا تاريخٌ نتعلّم منه. لذلك أمتعض من النقد القاسي الذي يقطع جانحي المخرج. كأنّ أحداً ينتظرك على المفرق طوال الوقت؛ فإن تكلّمنا في السياسة انهال علينا، وإن تكلّمنا على الدين أو الجنس لم يرحمنا. اللبناني نيّته سيئة. هذا شيء يكبّلنا. في النهاية، لا أُنجز الأفلام من أجلي. أريد منها رسائل أسعى الى أن تصل الى أوسع جمهور ممكن. لهذا السبب، أنا خائفة من إنجاز فيلمي الثالث، أكثر مما كنتُ أخاف عندما كنت أنجز فيلمي الأول.



[email protected]


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم