السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

"ما أشبه الليلة بالبارحة"... في اليمن

سركيس نعوم
سركيس نعوم
A+ A-

كان العالم العربي في خمسينات القرن الماضي موزعاً على محورين أساسيين. يضم الأول مصر والمملكة العربية السعودية، ويتزعم الثاني العراق الملكي. تنازع الاثنان على أمور عدة أهمها سوريا إذ حاول كل منهما جذبها إليه. استمر الصراع عليها سنوات لأن سياسييها وأحزابها وجيشها كانوا بدورهم منقسمين إلى فريقين. واحد يعمل للانضمام الى العراق أو إلى محوره. وآخر يعمل لجر سوريا إلى المحور السعودي - المصري. في النهاية انتصر المحور الأخير بقيام الوحدة بين مصر وسوريا في 1 شباط 1958. لكن سَبَق انتصاره ابتعاد السعودية عن مصر عبد الناصر في السياسة وتشعباتها الخارجية، ثم تصارعهما لاحقاً سياسياً وعسكرياً. لكن الوحدة المشار إليها لم تدم طويلاً إذ انقلب عليها السوريون وأسقطوها. كان ذلك في 28 أيلول 1961. بعد ذلك بسنة وقع انقلاب عسكري في اليمن "أطاح" جزئياً حكم الإمامة أو الإمامية فيها الذي بدأ في أوائل القرن التاسع ميلادي، ونال قادته فوراً تأييد مصر ودعمها. علماً أن المؤشرات التي توافرت في حينه كشفت مع التطورات العسكرية دور مصر فيه. وكان هدف ذلك تعويض ناصر خسارته السورية، واستمرار نظامه بزعامته في استقطاب تأييد غالبية الجماهير العربية. كما كان تعويض خسارته ثورة العراق على الملكية التي قامت بعد وحدة مصر وسوريا بأشهر قليلة. وهي خسارة تسبّب بها رفض زعيم الثورة عبد الكريم قاسم التحوُّل جرماً يدور في فلك ناصر، وانتهاجه خطّاً سياسياً عربياً ودولياً غير منسجم كلياً مع سياساته.
لماذا هذا الكلام اليوم عن أحداث مرت عليها خمسة عقود على الأقل، وتحديداً عن اليمن والسعودية ومصر؟
لأن اليمن يعيش منذ سنوات أحداثاً مهمة سياسية وأمنية وعسكرية اعتبرها كثيرون "ربيعاً يمنياً"، وتوقعوا بعدها دولة ذات نظام جديد يُدخِله القرن الواحد والعشرين، ويقضي على الفوضى والفساد والانقسامات المتنوعة الأسباب. ولأن الحدث الأخير المهم كان قبل يومين، وهو على ما نقلت وسائل الإعلام، استيلاء الحوثيين الشيعة على صنعاء بعد إحكامهم السيطرة على مناطقهم ومناطق أخرى. وقد بدا ذلك نوعاً من انقلاب وإن غير مكتمل ينتظر عوامل عدة كي يستقر أو ينتهي. ولأن في كل ذلك شبهاً كبيراً بالذي جرى في القرن الماضي. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تدعم الحوثيين بل ترعاهم من زمان باعتبارهم شيعة (زيديين) تلقّت منذ أشهر ضربة مهمة في العراق أساءت إلى صورتها الشعبية محلياً وعربياً وإسلامياً. فردّت بالتصعيد في اليمن، ونجحت في التعويض بالانتصار الحوثي فيه على رغم جزئيته حتى الآن. وسجلت بذلك انتصاراً نسبياً على الجهات الاقليمية والدولية التي تعتبرها مسؤولة مباشرة ومداورة عن "نكستها" العراقية، وفي مقدمها السعودية التي تعتبرها خطراً عليها، وأميركا التي تضغط عليها كي تتخلى عن "التفاوض على الحامي" لأن نتائجه لن تكون في مصلحة أحد.
هل من توقعات لليمن اليوم في ضوء ما حصل في الماضي؟
في الماضي انتصرت عملياً المملكة العربية السعودية داعمة "الحكم الامامي" على رغم استمرار الجمهورية التي أعلنها انقلابيو اليمن. ذلك أن مصر تورّطت عسكرياً على نحو مباشر في مواجهة قبائل يمنية مدعومة من المملكة وغيرها وكادت أن "تتبهدل" هناك لو لم يضع رئيسها عبد الناصر عنفوانه جانباً ولو لم يستعمل الملك فيصل بن عبد العزيز حكمته فتوصلا إلى حل بعد سنوات. والانكسار العملي المصري ظهر لاحقاً في الإداء الكارثي لجيش مصر ولقيادتها السياسية في حرب 1967 مع إسرائيل.
أما الآن فإن انتصار السعودية في اليمن صعب وكذلك انتصار إيران. إذ أن الظروف مختلفة، والخلافات حادة، وهي ليست على السياسة فقط أو على النفوذ الاقليمي وإنما بين المذهبين المسلمين الأكبر. فضلاً عن الدور الحاسم فيها للمجتمع الدولي وخلافاته ولزعيمته أميركا. والمفارقة هنا تكمن في أن السعودية الوهّابية دعمت وأيّدت عام 62 الإمامية اليمنية الزيدية (اي الشيعية) على رغم الاختلاف المذهبي وحاربت بها شوافع اليمن (السنّة) ومصر (السنية). ولذلك فإن الانتصار والخسارة يرتبط كل منهما بعوامل كثيرة وأحياناً متناقضة لا يمكن أن تتبلور إلا بعد تطورات سنين طويلة.
ملاحظة: معلومات القرن الماضي ذكّرني بها كتاب "فيصل ملكاً" الذي وضعه الزميل نجم الهاشم مستعيناً بأرشيف الزميلة "الحياة".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم