الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

مشاهد من مسرحية سورية - العبور

فدوى سليمان
A+ A-

ما قبل المشهد الأول: إلى ذاتي، ومن ذاتي، أقدّم هذه الرسالة الممسرحة، أو المسرحية المرسلة. قد تكون حقيقية، وقد تكون خيالية. قد تكون مجهولاً، وقد تكون معلوماً. شخوصها واقعيون من شحم ولحم، أو إفتراضيون، أو من فيلم سينمائي طويل للبشرية.
الشخصيات: ذواتي.
المشهد الأول: شاشة عرض سينمائي في منتصف المسرح، عليها إضاءة بيضاء. على طرف المسرح فتاة تستند إلى عمود، مغمضة العينين. يمرّ على الشاشة شريط سينمائي مدته خمس دقائق، تُعرَض فيه صور لمعاناة البشرية في الحروب، من الحرب العالمية الأولى إلى الثانية، هتلر، موسوليني، ستالين، تشاوشيسكو، ميلوسيفيتش، مقاطع من حروب فيتنام وإيرلندا وتشيلي ومجازر الأرمن في تركيا، ومجزرة صبرا وشاتيلا، وجنّين في فلسطين، ومجزرة حلبجة بالكرد العراقيين، ومشاهد من هيروشيما وناكازاكي والبوسنة والهرسك وأفغانستان، ومشاهد من التطهير العرقي والإتني والديني، والهولوكست باليهود الألمان، ومشهد البوعزيزي قي تونس، ومشاهد من ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا. الفيلم صامت وبلا موسيقى. قد تُصدر الممثلة بعض الأصوات بين الحين والآخر، وقد يعزف عازفٌ العزف الحيّ مع المَشاهد.


* * *


مشهد
الفتاة: ما بدّي ضلّ هون.
الصوت: شو اسمك؟
الفتاة: بدّي إرجع ع الشام.
الصوت: الشام فيها حرب.
الفتاة: الشام فيها حبّ.
الصوت: في مسلّحين ورصاص.
الفتاة: في ياسمين وغار.
الصوت: رح تنقتلي.
الفتاة: رح عيش بشجرة غار أو زيتون أو بشتلة حبق.
الصوت: هون في أمن وأمان، هون فيكي تبدعي وتفكّري بدون ما تنقتلي، فيكي ترجعي للمسرح.
الفتاة: هنيك المسرح والحياة. هنيك عم تتسطّر البطولات. هنيك الحياة بالموت، والموت بالحياة. وهنيك اللغة والمفردات. هنيك الحقيقة كاملة. مين قال إنّو في أمن وأمان بأيّ مكان بالعالم؟ العالم مليء بالموت. ممكن تزحط وتموت، ممكن تموت بدعسة سيارة، تمرض، تختنق، تنجلط. الموت أقرب من شهيقنا لزفيرنا. نيّال الحيّ الميت، ونيّال الحيّ الحيّ. هنيك الناس عم تموت لتحيا...
الصوت: هنيك الناس عم تموت وبس. ما لازم تموتي.
الفتاة: وما لازم يموتوا.
الصوت: مو كنتي بدّك تنامي ع الرصيف تلات أيام؟
الفتاة: إي، بس بدّي رصيف بذاكرة.
الصوت: كلّ الأرصفة إلها ذاكرة.
الفتاة: بس رصيفي ذاكرتو بتشبهني.
الصوت: اتركي ذكرى ع هالرصيف. (إطفاء)


* * *


مشهد (رصيف 1)
الفتاة: ما بدّي إطلع برّات الشام، لو بيشقّفوني.
الصوت: رح يقتلوكي. لازم تطلعي.
الفتاة: ما في قوّة بالعالم بتجبرني إطلع.
الصوت: ما إلك شي هون.
الفتاة: إلي كل شي. ذاكرتي، طفولتي، شبابي، أفراحي، أحزاني، غضبي، هدوئي، ثورتي، سكوني، أحلامي، موتي، وحياتي.
الصوت: هلأ لازم تحافظي ع حياتك، هيك بتكوني عملتي شي للبلد، وساعدتي الناس يلّي متأملين تساعديهن. إذا متّي بينكسروا...
الفتاة: وإذا طلعتْ رح انكسر. وإذا انكسرتْ ما رح فيني قدّملن شي.
الصوت: يعني لازم تموتي أو تُعتَقلي لحتّى تحسّي إنّك عملتي شي كبير؟
الفتاة: لازم ما إطلع، وهادا الشي الكبير. بدُّن الكلّ يهرب. بدُّن يانا جُبَنا. فيني إطلع وقت يلّي بدّي، بس الناس يلّي ما فيهن يطلعوا، شو ممكن يصير فيهن؟ هدول، معليش يموتوا وأنا لازم عيش؟ ما رح إطلع.
الصوت: هادا خيارن.
الفتاة: ونحنا شو كان خيارنا؟


* * *


مشهد (رصيف 2)
الفتاة: النخوة يا أهل الشام، الشعب السوري ما بينذلّ، الشعب السوري ما بينضرب بالشوارع.
صوت 1: اخرسي يا شرموطة، إنتوا خرّبتوا البلد.
الفتاة: النخوة يا أهل الشام، الشعب السوري ما بينذلّ.
صوت 2: قوّصوها لهالكلبة. قوّصوها.
الفتاة: يا وطنّا ويا غالي، الشعب بدّو حرية.
صوت 3: اخرسي، ولك شرموطة.
صوت 4: ليكا، راحت من هون. امسكوها امسكوها.
الفتاة: الله سوريا حرية وبسّ.
صوت: الله سوريا بشّار وبس (بكل اللهجات السورية) امسكوها، ليكا جايي من هون.
الفتاة: تعا امسكني، بس أوّل شي، فرجيني الورقة الموقّعة من بشّار الأسد بتمنع وحدة بالشارع تشوف واحد عم ينضرب بوحشية وما تقول: الشعب السوري ما بينذلّ (همساً لشاب في الشارع) عبد: يمكن رحت فيها، خبّوني، هرّبوني، الحقوني، ما بعرف..
صوت: الله سوريا بشّار وبس
صوت الشاب بلهجة شاميّة: اعطيني إيدك واركضي معي.
الفتاة: لك ياللهههههههههههه.


* * *


مشهد (رصيف3)
الفتاة: إذا ما كنّا أكتر من ألفين متظاهر ما كان لازم ننزل ع الشعلان.
صوت: أخدو سالم.
الفتاة: مين سالم؟
صوت: يلّي محرّك القدم
الفتاة: لمّا عرفت إنّو شباب من الكسوة والقدم والمليحة مشاركين، خفت كتير. قلت بصرخ. بينتبهولي. بياخدوني، أفضل ما ياخدو إبن القدم أو المليحة. أنا بشو بدّن يتّهموني؟ سلفية؟ أنا من الساحل. إسلامية؟ أنا ممثلة. ما بدّن يثبتو للعالم بالإعلام إنّو اعتقلوا أقليات أو مثقفين. هلأ سالم شو رح يصير فيه؟ لك شو رح يصير فييييه؟


* * *


مشهد
الصوت: ليش إجيتي لهون؟
الفتاة: هربانة من القتل (صمت طويل)
الصوت: قولي هربانة من الموت.
الفتاة: يلّي بيهرب من شي، بيضلّ عم يلاحقو، منشان هيك الموت بيضلّ عم يلاحقنا. انساه بينساك. عيش بيموت.
الصوت: بس بالنهاية الكلّ بيموت.
الفتاة: ويمكن بيولدوا بمكان تاني.
الصوت: ويمكن بيفنوا.
الفتاة: ويمكن بيخلدوا.
الصوت: بس بالنهاية ما حدا فيه يهرب من الموت.
رصيف 4
الفتاة: شفتن قاعدين قدّام الدبابات عالأرض بباب السباع بحمص، ومو خايفين من الموت. كلّن حياة. الدبّابة عم تطلق الرصاص باتجاهن، وهنن عم يشدّوا عزيمة بعض، منشان ما حدا يهرب. ما هربوا. واجهوا الموت بشجاعة فوق العقل والمنطق. بعدين حملوا طفل استشهد بين إيديهن، وهربوا فيه، وهنن عم يصرخوا!


* * *


مشهد
الصوت: ليش إجيتي لهون؟
الفتاة: لوصّل رسالة.
صوت: هاتيها.
الفتاة: ما كتبتها.
الصوت: اقعدي اكتبيها
الفتاة: أنا ما بعرف لا إقرا ولا إكتب.
الصوت: وين الرسالة؟ بدي ايّاها.
الفتاة: قدامك (تشير إلى نفسها)
الصوت: ما بعرف إقرا هيك رسائل. شو اسمك؟
الفتاة: القاتل.
الصوت: كنيتك؟
الفتاة: المقتول.
الصوت: عمرك؟
الفتاة: من عمر القاتل والمقتول.
الصوت: مين إنتي؟
رصيف 5
الفتاة: أنا يلّي قطّعوا روسن عمقصلة جيلوتين، وأنا جيلوتين وأنا المقصلة. أنا يلّي حرقوا جان دارك، وأنا جان دارك. أنا يلّي ماتوا بقذائف موسوليني، وأنا موسوليني. أنا يلّي تحوّلوا لأشلاء بأمر تشاوشيسكو، وأنا تشاوشيسكو. أنا يلّي انحرقوا أحياء بإيد هتلر، وأنا هتلر. أنا يلّي ماتوا بهيروشيما وناكازاكي، وأنا يلّي كبَس زر القنبلتين. أنا يلّي ماتوا بالمجازر وبغرف التعذيب عند بشّار الأسد، وأنا بشّار الأسد. أنا أطفال العراق ونساؤو ورجالو وشيوخو يلّي ماتوا، وأنا صدّام حسين، وأنا جورج بوش. أنا أطفال فلسطين وشبابها ونساءها ورجالها. أنا شارون وأنا إسرائيل. أنا يلّي ماتوا بلبنان وأنا يلّي قتلتن.


* * *


مشهد
الصوت: ليش انزلتي عالشارع؟
الفتاة: لإتعرّف عالنظام
الصوت: أي نظام؟
الفتاة: النظام الموجود فيني، جوّاتي.
الصوت: اعرفتيه؟
الفتاة: عِرِفني.
صوت: اكتبيه.
الفتاة: لازم إحرقو وإبزقوا وإستفرغو، مو إكتبو.
الصوت: ليش؟
الفتاة: كنا بصحن الجامع ببرزة، رجال ونسوان، محجّبات وبلا حجاب. كانت سوريا كلّها ببرزة.
رصيف 6
الفتاة: بحضرة الشهدا ما في أي كلمة إلها معنى، بحضرة الشهدا منحني روسنا وبس، بحضرة الشهدا منقسم بأرواحن ودمّن أنّو نكفّي طريق الحرية الأبيض مو الأحمر. اليوم صار إلي بيت ببرزة، وبيت بالميدان والقابون وحرستا ودوما ودرعا وحماة وحمص وبانياس. صار إلي بيت بكل مكان بسوريا.
أصوات: حيّوا لنحيّي.
أصوات أخرى: حيّينا.
أصوات: حيّيوا الساحل.
أصوات أخرى: حيّينا.
أصوات: حيّوا طرطوس.
أصوات أخرى: حيّينا.
أصوات: حيّوا السويدا.
أصوات أخرى: حيّينا
الأصوات جميعاً: واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد.


* * *


مشهد
صوت: أنا راجع ع درعا.
الفتاة: ليش؟
صوت: طلبوا منّي أحمل سلاح.
الفتاة: ما حكينا إنّو السلاح مو حلّ؟
صوت: منشان هيك أنا رح جنّ.
الفتاة: بدّي روح ع درعا معك.
صوت: مجنونة.
الفتاة: بدنا نقسم قسم السلمية، طلعنا سلميين وبدّنا نضل سلميين.
صوت: بس النظام عم يقتل، والناس ما عاد فيها تتحمل!
الفتاة: إنّك تموت مقتول، أحسن ما تموت قاتل. إنّك تورث الحب أحسن ما تورث الحرب.
صوت: تعي معي.
رصيف 7
الفتاة: لا كان بدّن حرب ولا بدّن سلاح. كان بدّن حب، وبدّن كرامة، وخبز، وفرح. كان بدّن حرية وعدالة. اغتالوهن وقتلوهن وحمَّلوهن توابيت ولادن. انكسروا، انهزموا، وحملوا السلاح.


* * *


مشهد
صوت: (لهجة برزة): فيكي تجمعي شباب وبنات من الساحل وتجوا لعنّا على برزة؟ عنّا عزا بشهيد؟
الفتاة: طبعاً فيني.
رصيف 8
الفتاة: شجعان، بواسل، أبطال، وجوهكن محفورة بوجّي، هديركن خلاّني إسمع، إيمانكن خلاّني آمن، صدقكن خلاّني أصدق، كرمكن خلاّني كريمة، نوركن خلاّني شعّ، نضافتكن غسلتني بماء الورد، شهداؤكن كفّنوني بكفن من فجر، تكبيركن خلاّني سبّح باسم ربي الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربّك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم.


* * *


مشهد
صوت: شفتي بعينك القنّاصة كيف منتشرين ع سطوح البنايات؟
الفتاة: شفتن
صوت: الدبابات؟
الفتاة: شفتا.
صوت: البي تي إر؟
الفتاة: شفتا.
صوت: حواجز الشبّيحة؟
الفتاة: شفتن.
صوت: الشهدا المقنوصين؟
الفتاة: شفتن.
صوت: وما بدّك ايّانا نحمل سلاح...؟!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم