الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

نعم لقطع الرؤوس لكن إيّاكم و"البورنو"!

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
A+ A-

يبدو أن الدولة اللبنانيّة وجهاتها الرسميّة نسيت الإرهاب المحدق بلبنان، نسيت بسالة الجيش على الحدود المشتعلة، نسيت سلسلة الرتب والرواتب وحقوق المعلّمين، نسيت الأزمة الاقتصاديّة والضرائب المرتفعة، نسيت إيجاد حلول لأزمات المياه والكهرباء، نسيت هجرة شبابها وبطالة الجزء الآخر منهم، نسيت الفقر وضرورة إنماء المناطق المحرومة، نسيت كلّ واجباتها واعتبرتها ثانويّة، وانهمكت بمعالجة "الآداب العامّة" بعدما وضعتها في سلم أولوياتها.


منذ فترة أزيلت إعلانات الكحول من مدينة طرابلس، بعدها تمّ دهم أحد الحمّامات التركيّة البيروتيّة التي يرتادها مثليون، وأخيرًا صدر قرار بحجب مواقع إلكترونيّة إباحيّة ... قد يرى البعض أنّ موجبات قرارات مماثلة ضروريّة في مجتمع يسعى للمحافظة على تقاليده، لكن هل فكّرنا فعلًا بالحريّة الشخصيّة للأفراد، ومدى ملاءمة هذه القرارات للواقع الراهن والعصر الحديث؟


ما إن أعلن مدير عام هيئة "أوجيرو" عبد المنعم يوسف عن حجب ستة مواقع إلكترونيّة إباحيّة، حتى دوّى انفجار افتراضي على وسائل التواصل الاجتماعي، مندّدًا بالقرار وتوقيته وظروفه، علمًا أن المعلومات القضائيّة التي توافرت أكّدت أن القرار مرده بثّ هذه المواقع فيديوات تحرّض على التحرّش بالأطفال.


على من تقرأ مزاميرك يا داوود!
إذا أسلمنا جدلاً أن القصّة صحيحة والتبرير واقعيّ، كيف استقبل اللبنانيون حجب هذه المواقع أو أي قمع آخر لحرياتهم الشخصيّة؟ "النهار" استطلعت بعض الآراء، فتقول رنده: "الموضوع يندرج ضمن خانة الحريّة الشخصيّة، ولا يحقّ لأي جهة أن تمنع هذه المواقع أو أن تفرض على الناس ماذا يشربون، هناك موجة تزمّت تجتاح لبنان وتنسف الدستور الذي يحرّم المسّ بالحريّات الشخصيّة للمواطنين. لكن الخوف هو من أن تتحوّل هذه الحالات الصغيرة إلى عرف يطبّق على حالات أكبر وأشمل".


يوافقها نادر الرأي ويقول: "يبدو أن دولتنا لا ترى المشكلات التي يعاني منها المواطن اللبناني، هناك أزمات أمنيّة وسياسيّة، جيشنا يقتل، والفراغ يطبق على المؤسّسات. لكن المواقع الإباحيّة وشرب الكحول من الأمور التي تتصدّر اهتماماتها".


في المقابل تقول رينا: "نحن مجتمع محافظ ولا نقبل الإخلال بالآداب العامّة، لكن مشاهدة هذه المواقع لا تتمّ علنًا، وشرب الكحول من العادات اللبنانيّة. ما تقوم به الدولة خطير، فليس بهذه الطريقة نحافظ على التقاليد خصوصًا أن السياسات العامّة المتعاقبة لم تراعِ يومًا التراث والمحافظة على معالم الحضارة اللبنانيّة. هذا قمع شبيه بما تمارسه دول الجوار التي تضع قيودًا على مواطنيها".


تعدٍّ على الحريّات
هل الحجب ضرورة أم تعدٍّ على الحريّات الشخصيّة للأفراد؟ وهل ما يشهده لبنان من قرارات يراها البعض متزمّتة لا تلائم القرن الحادي والعشرين، هي مقدّمة لفقدان لبنان ميزته وبداية مقنّعة وتدرجيّة لقمع مقبل؟


يقول الدكتور في علم الاجتماع والسياسة، بسّام الهاشم، لـ"النهار": "قد يكون هناك تبريرات كمنع تسهيل وصول الأولاد، مثلًا، إلى مواقع مماثلة، لما قد تحمله من تأثيرات غير مستحبة على تربيتهم، خصوصًا إذا كانوا في طور النمو. لكن لا شكّ في أن هذا تعدٍّ واضح على الحريّات الشخصيّة. إن حماية الأولاد تكون عبر مواكبة من الأهل لنموهم على كل الأصعدة، وليس من خلال المنع الذي يعني تخلّي الأهل عن مسؤولياتهم ودورهم في التربية. إضافة إلى أن المنع ليس وسيلة ناجعة، فهناك آلاف المواقع المشابهة والتي لا يمكن حجبها كلّها وهناك محطّات تلفزيونيّة مخصّصة لذلك، كما يمكن الفرد إرضاء نفسه جنسيًا بطرق مختلفة".


ماذا عن قطع الرؤوس؟
لسنا بوارد الدفاع أو المهاجمة، ولا بوارد محاسبة الأفراد على خياراتهم أو تصرّفاتهم الشخصيّة، لكن هل المشاهد الجنسيّة مضرّة بالفرد أكثر من مشاهد قطع الرؤوس؟ يقول الهاشم: "هنا لا بدّ من طرح بعض الأسئلة، هل "البورنو" فقط يخدش الآداب العامّة؟ ماذا عن الممارسات النابية؟ هناك مشاهد تفقد البشر توازنهم مثل مشاهد العنف والتنكيل والإجرام. نحن نمرّ بأزمة، المجتمع عرضة لكلّ "الهواء الأصفر" المتمثل بداعش وغيره من التنظيمات التي تتربّص بنا. الاعتبارات المبدئيّة مهمّة لكنها ليست ذريعة للمنع، هناك قداسة للحريّة. المشكلات تعالج بجديّة وبتروٍ وليس بالهروب إلى الأمام، ويتمّ ذلك عبر إعادة النظر بالسلوك الأبوي، ومن دون التذرّع بغايات بديلة لبلوغ غايات خسيسة".


ويضيف: "التفلّت يجتاح كلّ المستويات الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة من غير أن تتحمّل الدولة مسؤوليّتها، والمجال مفتوح للتحلّل الأخلاقي. هناك عمليّة لإفقار الناس، لا توجد فرص عمل، هناك تعطيل للدولة وللانتخابات النيابيّة والرئاسيّة، والفساد يتغلّغل في المجتمع السياسي. الأمور ليست متوقّفة على مشاهد البورنو".


الحريّة مبرّر وجود لبنان
هل نشهد بداية مقنّعة وتدرجيّة لقمع مقبل؟ يردّ الهاشم: "قد يكون هناك مخطّط ما، وقد تكون القرارات متّخذة بطريقة عفويّة يراد منها اتخاذ الحلّ الأسهل. لكن الأكيد أن هناك تهاوناً في مسألة احترام الحريّات، وهو أمر لا يمكن السكوت عنه ويجب مواجهته. الحريّة مقدّسة وهي ميزة لبنان، وبفقدانه يفقد هذا البلد مبرّر وجوده".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم