الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

في لبنان ... هذا الرقم غيّر حياته؟!

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
A+ A-

تستيقظ صباحًا، تستعدّ، وتخرج من منزلك ذاهبًا إلى عملك بسلام. في طريقك الطويل المزدحم تصادف عينات عديدة، لعلّ أكثرها استفزازًا من يظن أنه يملك الأحقية في السير فقط لأن رقم سيّارته مميّز.


تخرج للسهر مع الأصدقاء، تصل إلى وجهتك بالتزامن مع آخر. ما يميّزه عنك أنه يدخن السيجار، فتضطر لانتظار من يقدّم لك الخدمة التي ستدفع ثمنها كما سيفعل هو أي "صاحب السيجار"، لكن ريثما تلبّى طلباته بداية.


تجلس في دعوة عامّة، تحادث الموجودين، قد يكون كلامك يحوي قدرًا مهمًا من المعلومات الجديدة والشيّقة، لكن تفاخر آخر بأنّه قريب المسؤول أو أن رقم هاتفه مميّز، يجعل الاهتمام منصباً عليه.


تكثر في مجتمعنا الأمثلة، فهناك دائمًا من يفاخر بنفسه لسبب أو لآخر، لدرجة أن التفاخر بات مرضًا معديًا أصاب شريحة كبيرة من اللبنانيين. هذه تريد التشبه بجارتها الميسورة لتكسب اهتمام الآخرين. ذلك يريد اقتناء أفخم السيّارات مع رقم مميّز ليحصد صلاحيّة تخطّي من يظنهم أشخاصًا عاديين على الطرقات.


سخافة أم حاجة؟
"النهار" استطلعت بعض الآراء. يقول وسيم: "إنّها من الأمور التافهة التي لا أعيرها أهمّية، لكن نسبة كبيرة تلجأ إليها كي لا تشعر بأنها خارجة عن المجتمع أو غريبة عنه، وبهدف أن يتحدّث الآخرون عنهم وعن ما يمكلون وما لديهم".


ماريا لها رأي مختلف، فتقول: "هذه الأمور لا تساعد الإنسان ولا تسيء إليه، بل تجعله يفرح بما لديه وبما سيقوله الناس عنه. فإذا كان لديه رقم مميّز سيظن الناس أنه مهمّ ولديه واسطة. ليس خطأ أن يكون الإنسان أفضل من غيره وأن يعمل على تحسين أوضاعه".


ويوافقها رامي الرأي، ويضيف: "هذه الأمور ضروريّة للاندماج في المجتمع، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده. إضافة إلى ذلك، كلّ إنسان يريد أن يكون أفضل من غيره، فأين المشكلة إن كان رقم سيّارتي مميّزًا أو ارتديت من أفضل العلامات التجاريّة، وأين المشكلة في أن أخبر العالم عن أوضاعي وأريهم ما لديّ. المشكلة في المجتمع الذي يقدّر الإنسان بحسب ما لديه، وليس في الشخص نفسه".


في المقابل، تقول دانيا: "التفاخر أمر سخيف، فكلّ إنسان حرّ بما لديه، ولا أحد يكترث بما يملكه. هناك من يظن أنّه برقم سيّارته المميّز يمكنه مخالفة قوانين السير مثلًا أو برقم هاتفه المميّز يكتسب صفة اجتماعيّة مرموقة، ولكنّه إنسان سخيف وسطحي بالنسبة لي".


القهر يولّد نقصًا
لكن ما الذي يدعو إلى التفاخر في بلد يفتقر أهله لأدنى شروط العيش الكريم، في بلد يحتاج إلى طرقات وكهرباء وماء، في بلد يلهث أهله وراء الأمن والمعيشة اللائقة، لبلد يعاني من التلوث الفكري والبيئي، لبلد لا يكترث مسؤولوه بالصحّة العامة وشروط التعليم والطبابة والاستشفاء؟ تقول الباحثة والاختصاصيّة في علم النفس العيادي، الدكتورة بولا حريقة، لـ"النهار": "لا علاقة للأزمة النفسيّة على المستوى الفردي بما يفتقد إليه المجتمع من مقوّمات العيش الكريم، وبما يمرّ به من أزمات معيشيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وأمنيّة، بل في كثير من الأحيان تكون هذه المشكلات أحد أسباب ظهور حال التفاخر، لأنها تطرح مأزقاً نفسيًا ينتج منه الإحساس بالعجز أمام المصير المهدّد باستمرار، وأمام الأقوى الذي يسرق من الفرد الشعور بالأمن النفسي والوجودي".


وتشرح: "الوضع المتردي يجعل الفرد يعيش في حالة من التهديد الدائم له ولمستقبله ولأحلامه ولكيانه، الأمر الذي يضاعف مشاعر القهر التي تولّد الشعور بالنقص والضعف، فيأتي التمسك بالمظاهر والتفاخر نوعًا من القناع الذي يخفي حقيقة بؤسه ومعاناته الانسانيّة والنفسيّة، ونوعًا من خلق مسافة قريبة ما بين الأحلام والواقع، أي بين ما كان يحلم به والواقع المؤلم الذي يعيش، فيلجأ إلى متنفسات أو إلى تحويلات نفسيّة للصراعات تكون في المظاهر، كمحاولة للتمثّل بالأغنياء الذي يرى في أسلوب حياتهم استفزازًا يعزّز شعوره بالطبقيّة التي يرفضها وعقدة النقص التي تعذّبه، علمًا أن الأغنياء هم أكثر المتمسّكين بالمظاهر والتفاخر والمستورد والماركات العالميّة".


التفاخر حالة عربيّة عامّة
وتضيف حريقة: "الرغبة في التفاخر دليل على حاجة الفرد إلى البحث عمّا يلفت انتباه الغير واهتمامهم بغية الشعور بالأهمّية الذاتيّة. فنراه يتفاخر باقتناء السيّارات الحديثة الطراز ولوحاتها المميّزة، أو رقم هاتف خلوي مميّز، ولا يرتدي إلّا الثياب المستوردة ذات الماركات المعروفة. وهذا ما يدفع غير المقتدرين أيضًا إلى ارتداء الملابس الـSigné المقلّدة لأنهم بذلك يحاكون الماركات ولابسيها فيشعرون بأهمية ذاتيّة تساعدهم على تحقيق بعض من التوازن النفسي الاجتماعي. أمّا على الصعيد الاجتماعي المحض، فنرى أن تحوّل العالم إلى الزيف والتقليد يدعو الفرد إلى داخل هذه اللعبة، وكل بحسب إمكاناته".


من جهة أخرى، تؤكّد حريقة: "المتوارث في اللاوعي الاجتماعي يلعب دورًا كبيرًا في تعميم هذه الظاهرة وانتشارها لأن الشعب العربي، في شكل عام، يتأثّر بآراء الآخرين ونظرتهم وتعليقاتهم، لذلك حيث تشيع المظاهر وحبّ التفاخر والسلوكات الاستعراضيّة الاستهلاكيّة نكون نتحدّث عن عقدة النقص. فغير الميسور يعاني عقدة النقص تجاه الأغنياء، والأغنياء يركّزون أنظارهم على الغرب الذي يشكّل نموذج الرقي. فحبّ التفاخر حالة عربيّة عامّة".


قناع مزيّف لواقع أليم
هل المشكلة بالمتفاخر أم بمن يعطيه الأهمّية؟ وهل بذلك يعوّض عن نفسه بسبب افتقاره الكثير من حقوقه الأساسيّة؟ تردّ حريقة: "المشكلة تكمن في الاثنين معًا، فالمتفاخر هو ما شرحناه سابقًا، وهو يحتاج إلى من يغدق عليه الإطراءات، وإلا دخل في أزمة أخرى من انعدام الأهمّية الذاتيّة. أمّا التفاخر فهو تعويض نفسيّ آنيّ، لكنّه ليس حلّا للمشكلة المتجذّرة فيه، إذ من المحتمل أن تؤدي هذه المشكلة إلى أخرى أكبر قد تدفعه إلى الاستدانة من أجل الإبقاء على شكل اجتماعي معيّن. في الحقيقة إنّه قناع مزيّف يخفي خلفه معاناة كبيرة".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم