الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

حين تنقص الرغبة أو تتراجع...بعد الإجهاض

الدكتور بيارو كرم
A+ A-

الإجهاض عموماً هو حدث صعب في حياة المرأة حتى لو كان خياراً لجأت إليه بمحض إرادتها. والإجهاض هو خيار تتّخذه المرأة كردّة فعل على حمل غير مخطّط له أو غير مرغوب فيه. وفي ما عدا بعض الإستثناءات النادرة، لا يكون حمل المرأة متعمّداً لكنها هي التي إختارت الإجهاض الإرادي لأنها ترى أنها غير مستعدّة لتحمّل مسؤولية مستقبل طفل، وليس رغبة منها في الإستمتاع بتجربة الإجهاض.


أسباب عديدة قد تؤدي إلى نقص الرغبة لدى المرأة ورفضها للمداعبات. فمن جهة، وإن كانت الحياة الجنسية لدى الإنسان تعتبر بمثابة تعبير عن الحب ومصدر للمتعة، فإن الوظيفة البيولوجيّة للحياة الجنسيّة هي الإنجاب. وبإستثناء حالات العقم، كل علاقة جنسية يمكن أن تؤدي إلى تكوين طفل حتى لو كان الشريكان يستخدمان وسيلة لمنع الحمل.
من جهة أخرى، كل إجهاض يؤدي إلى حِداد. فالطفل المرغوب فيه، والمتخيّل الذي كوّنه الشريكان معاً وهو ثمرة علاقتهما الجنسية والذي أصبح حاضراً في بطن المرأة وأصبح واقعاً بالنسبة اليها ولشريكها، لن يُبصر النور.
تجدر الإشارة إلى أن الرغبة في الطفل تكون موجودة لدى الكثير من النساء وحتى لو كان الإجهاض خياراً تلجأن إليه عندما تواجهن حملاً غير مخطط له، إلا أن النساء يعِشنَ حِداداً على الطفل الذي كان سيأتي إلى هذه الحياة لو كانت الظروف مختلفة. وفي بعض الحالات، يجري هذا الحِداد على مستوى اللاوعي عندما تكون المرأة غير مُستعدّة أو غير قادرة على مواجهة هذا الألم. يكون لديها اقتناع بأنها غير نادمة أو غير آسفة رغم أن شعوراً بالحزن والحِداد غير المُعتَرَف به يكمن في أعماقها.


صراع هوية
وفي حالات أخرى، تجد المرأة نفسها بعد إتخاذ القرار بالاجهاض في صراع مع هويتها كأنثى. تشعر بالقلق إزاء قدرتها المُفتَرَضة على أن تُصبح أماً صالحة عندما يحين الوقت وتفترض أنها لن تُصبح كذلك بالتأكيد لأنها وضعت حداً لحمل وأمومة من دون الشعور، أقلّه في ظاهر الأمور، بندم وأسف واضحين.
كذلك يعود نقص الرغبة والمتعة إلى حِداد يتوجّب على المرأة القيام به و/أو إلى تساؤلات بخصوص هويتها كأنثى. كما أن هذا النقص قد يكون مردّه إلى عوامل أخرى. قد تشعر المرأة، التي على الرغم من أنها تحمي نفسها في الوعي من خلال تناول حبوب منع الحمل، بالقلق في اللاوعي بخصوص إحتمال حصول حمل آخر غير مخطط له. وفي حال حصول حمل لم ترغب به المرأة في إحدى المرات، ستعتبر في اللاوعي أن هذا الأمر يمكن أن يحدث مرة أخرى. هذا القلق قادر أيضاً على عرقلة وكبت الرغبة والمتعة الجنسيتين خلال الفعل الجنسي كونه سيكون من الصعب الإسترخاء وعيش اللحظة الحالية.
كما أنه من الممكن أن تشعر المرأة بالذنب لعدم تمكّنها من تفادي حمل غير مخطط له والإجهاض الذي حصل حتى لو أنها تعتبر في الوعي أنه لم يكن خطأها وأن الإجهاض هو الخيار الأفضل في الظروف الراهنة.
وعموماً، تعود المتعة والرغبة تدريجاً. على المرأة أن تأخذ الوقت الكافي للحِداد، والتخلّص من الشعور بالذنب الذي قد يكون حاضراً في اللاوعي وطمأنة نفسها بخصوص هويتها كأنثى كَوْن إختيار الإجهاض غير مُرتبط على الإطلاق بقدرتها على الإنجاب وتربية الأطفال ولا حتى بقابليتها على إثارة الرغبة الجنسية لدى الشريك، وكذلك طمأنة نفسها بخصوص فعّالية وسيلة منع الحمل المُستخدمة وهذا يحدث مع مرور الوقت وعند عدم حصول حمل آخر. إلاّ أنه وفي حال إستمرار غياب الرغبة على الرغم من مرور الوقت، على المرأة التفكير في اللجوء إلى إستشارة إختصاصي في الصحة الجنسية لأن تراجع ونقص الرغبة قد يكونان لأسباب أكثر عمقاً تحتاج إلى عمل على حلها.
المرأة قد تتخوّف من أن تحمل جرّاء علاقة جنسية جديدة وأن ينتهي بها الأمر إلى الإجهاض مجدداً. ما يجعلها تعيش خيبة أمل أخرى وحِداداً آخر وهكذا دواليك.
كما أن الإكتئاب ولكونه يخفّف من الرغبة بالعيش ومن الإستمتاع بالأمور البسيطة في هذه الحياة، فهو يُخفّف للأسباب نفسها من الرغبة الجنسية التي تشكل تعبيراً عن الحياة في حد ذاتها وهي في الوقت نفسه مصدر للمتعة. وللإندماج مع الآخر من خلال علاقة جنسية عاطفية، على المرأة أن تشعر بأنها قادرة على أن تكون حاضرة مع الآخر وتقبّل وجود الآخر في أحضانها مع الرغبة في الشعور بالمتعة.
وبالإضافة إلى ذلك وبالنسبة الى العديد من النساء، فإن عدم النجاح في إنجاب طفل يدفعهن إلى الشعور بأنهن نساء فاشلات غير جديرات بأنوثتهن. فالشعور بالأنوثة لدى المرأة مُرتبط مباشرة بإحساسها بأنها كائن مرغوب جنسياً وهذا الإحساس برغبة الآخر فيها هو ما يغذي وإنْ جزئياً الرغبة الجنسية. والإنطباع بأنها غير كفوءة على مستوى الأنوثة يؤدي إلى خلل على صعيد الرغبة الجنسية. وبكلمات أخرى، المرأة التي لا تشعر بأنها مرغوبة جنسياً، لا ترغب في الجنس وترفض ممارسته.


"شريرة ومذنبة"
من المُمكن أن تشعر المرأة بالذنب لخسارتها جنينها بسبب خطأ منها ولأنها شريرة ومُذنبة ومُضطربة ومُصابة بخلل ما أي أنها لا قيمة لها لكونها أجهضت؛ ولأنها خالفت القانون كون الإجهاض ما زال محظوراً في بعض الدول والمجتمعات. وعلى صعيد آخر، تذهب بعض المعتقدات الدينية إلى حدّ التأكيد بأن الإجهاض هو عقوبة مفروضة على المرأة ذات السلوك الجنسي المُحرّم والمُنحرف لأنها شعرت أو إنصاعت لـلرغبة الجنسية، كون النساء الفاضلات، الحقيقيات، هنّ نساء يرغبن في الأمومة فقط وليس بالجنس أو بالرغبة الجنسية. كما لو أن الرغبة الجنسية والأمومة لا يمكنهما التعايش لدى المرأة نفسها.
ما تعيشه المرأة على إثر إجهاض قد يرتبط إذاً بعوامل عديدة. والموقف المثالي الذي يمكن الشريك اعتماده هو في إخبارها بأنه قلق عليها وأنه يحبّها، وحثّها على التعبير بالكلمات عما تشعر به وتعيشه من جرّاء الإجهاض وعلى تحديد الأسباب والأمور التي تمنعها من الشعور مجدداً بالرغبة الجنسية في العلاقة كشريكين. من الضروري أن يستمع إليها من دون الحُكم عليها ومن دون السعي إلى إقناعها بعيش أو فهم الأمور بطريقة مُخالفة. عليه أن يشاركها في أنشطة غير جنسية للتقرّب منها مجدداً. وفي حال، وعلى الرغم من مرور الوقت ومن الجهود المبذولة للتقرب، يبقى القيام بمداعبات وعيش علاقة جنسية على درجة الصعوبة نفسها، قد يكون حينها من الضروري إستشارة إختصاصي في الصحة الجنسيّة لمساعدتها في الحِداد وإستعادة الرغبة في المشاركة مجدداً على الصعيدين العاطفي والجنسي.


إختصاصي في الصحة النفسية والصحة الجنسية


www.heavenhealthclinic.com
[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم