الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

السيارات إن حكت....

ماريو غريب
A+ A-

يشقّ سائق مساره على طريق يسلكها، تصادفه أمامه شاحنة تحجب مدى رؤيته، فيحيد عنها و... حفيف إطارات مدو نتيجة كبح مفاجئ، تسببت به سيارة خففت نمط سيرها بسبب مطبّة و... الحادث، لأن الوقت لم يكن كافياً لردة فعل مناسبة للسائق، الذي يقود السيارة الآتية من الخلف. الوقت، عامل انكب الباحثون في عالم صناعة السيارات على زيادته، بغية إفساح المجال أمام السائقين لتفادي وقوع حادث سير. تم ذلك عبر ابتكار نظام خاص بالسيارات، يسمح لها بتقييم العناصر المحيطة بها، والتواصل في ما بينها ومع محيطها أيضاً، لتنبيه السائق إلى وجود عراقيل أو مخاطر هو ليس على دراية بها. فهل اقترب اليوم الذي تختفي فيه عبارة حادث من قاموس السير؟ ماذا في التفاصيل؟


تحمل هذه التكنولوجيا تسمية Vehicle to Vehicle Communication (V2V)، وهي تزوّد السائق معلومات عن حال السيارات الأخرى، مثل مخالفتها الإشارات المرورية، أو مرور شاحنة في الزاوية العمياء للسائق وغيرها، وموقعها في محيطه، متيحة له بذلك وقتاً أكثر للتفكير والقيام بالمناورات المناسبة لتفادي حادث كان محتماً لولا وجود هذا النظام.
بدأت Google بتجربة هذا النظام على سيارتها، التي تقود نفسها بنفسها، كما بدأ باحثون في جامعة Michigan في معهد بحوث النقل، بالتعاون مع خبراء في النظم المعلوماتية والإلكترونية، إضافة إلى مسؤولين حكوميين، دراسة إمكان تزويد السيارات رسمياً هذا النظام الجديد. ووفق الإدارة الوطنية للسلامة المرورية على الطرق السريعة الأميركية (National Highway Traffic Safety Administration) التابعة لوزارة النقل الأميركية والمعروفة بإسم NHTSA، لن يزيد نظام الـV2V على إجماليّ ثمن السيارة إلا 350 دولار. لكن من المتوقع أن ينخفض هذا الرقم بحلول العام 2020، بسبب وفرة انتشاره، تماماً كما حدث مع نظام الكاميرا الخلفية التي تساعد في عمليّة الركن.
في الوقت الحالي هناك حوالي 3000 سيارة يقودها متطوعون، يختبرون نظام الـV2V، ويتجولون في شكل سريّ على بعض طرق Michigan حيث المعهد التابع للجامعة الذي وضع النظام قيد التجربة. الهدف من هذه التجربة: توثيق أكبر كمّ ممكن من المعطيات والمعلومات المتعلقة بطريقة تجاوب التواصل في ما بين السيارات المجهزة بهذا النظام (وقد تمّ توسيع الإختبار ليشمل 9000 سيارة كما تمّ تجهيز للمرة الأولى مشاة بجهاز استشعار لاختبار التواصل ما بينه ونظام V2V ومدى تأثيره على خفض نسبة حوادث دهس المشاة). إذاً، يتمّ اختبار النظام في ظروف طبيعيّة وحقيقيّة، حيث يزود السائق معلومات متعلقة بالسرعة، بالإتجاه، وغيرها من المعلومات الخاصة بالمركبات المحيطة به، والتي تتناولها ما بين بعضها البعض عبر مستشعرات خاصة 10 مرات في الثانية. قد يعتبر البعض أن سيارات اليوم، بعضها الأقل، مزود أنظمة مشابهة تنذر السائق بخطر مرتقب، مثل نظام الـBlind Spot والرادارات ومستشعرات الـlaser والعيون الإلكترونية التي تبلّغ السائق عن وجود سيارة في الزاوية العمياء للسيارة. صحيح أن تلك الأنظمة موجودة حالياً، لكنها مثل العين تماماً، تنذرنا فقط بالأشياء التي تراها. بينما نظام الـV2V الذي يتم تطويره واختباره في جامعة Michigan، يقوم باحتساب فرضيات، حتى العيون الإلكترونية يستحيل عليها استشعارها. تخيلوا للحظة أن نظام الـVehicle to Vehicle Communication يستشعر تحركات مركبات لا يراها السائق، حتى بسبب وجودها أمام عدد كبير من السيارات، فيحللّها ويقدم للسائق المعطيات اللازمة التي ستدفعه للقيام بالمناورة المناسبة لإنقاذه من حادث سير.
هذا في ما يتعلّق بتجهيز السيارات. أما الطرق فلها أيضاً نصيبها من هذه التكنولوجيا الحديثة. بمعنى آخر، هذه التكنولوجيا اللاسلكيّة، التي تسمح للسيارات بتبادل المعلومات في ما بينها، ستنتقل إلى إشارات السير وحال الطرق، أي تبادل للمعلومات ما بين الطرق والسيارات. عندها، لن تقتصر المعلومات التي ستوفرها الطرق على نقاط الإزدحام والورش فحسب، بل ستتخطاها إلى حدّ إبلاغ السائق بخطر إنزلاق في منطقة محددة من الطريق، مع تزويده معلومات عن بعد تلك النقطة منه ليتسنى له الوقت الكافي للتفكير بطريقة ليتجاوزه بسلامة. أضف إلى ذلك قدرة النظام على إطلاعك على الوقت المتبقي، قبل أن تتحول إشارة السير إلى اللون الأخضر، والسرعة التي يجب أن تعتمدها لكي لا تتوقف أبداً عند الإشارة، ما يؤمن سلاسة سير ويلغي ازدحام السير ويقلّل من إنبعثات ثاني اوكسيد الكاربون ويخفف من استهلاك الوقود، لأن المركبة تسير على دوران منخفض للمحرّك، كما أن السائق لن يحتاج إلى الإنطلاق من الصفر عند كل إشارة حمراء.
وفي خطوة سباقة، أصدرت الـNHTSA مذكرة، أو بالأحرى توجيهات، مرفقة بنتيجة البحوث والمعلومات وتوجيهات الإستخدام وطريقة الإنتاج وسبل الحماية، إضافة إلى فوائد السلامة المتعلّقة بنظام V2V، لإصدار قانون متعلّق بهذا الإبتكار التكنولوجي لما يخدم السلامة المرورية. وفي الحديث عن الحماية، لا بد من الإشارة إلى أن مجرّد ذكر نظام يعمل عبر الكومبيوتر ويتداول بمعلومات تهمّ المواطن، يخلق الذرع. ولكن التطمينات تأتي من عدّة نقاط أساسية، أبرزها أن المعلومات المتداول بها ليست مرتبطة برقم بطاقة الإعتماد أو الحساب المصرفي. أضف إلى ذلك أن قرصنة نظام الـV2V لن تكون سهلةً إطلاقاً، بخاصة أن مستشعراته تعمل على بعد بضعة أمتار فقط، وهو ليس متوافراً في شكل دائم، كما هي حال الهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية. فهذا النظام مصمم لتبادل المعلومات ما بين سيارات وإشارات طرق قريبة من بعضها البعض. كما أنه يعمل على طريقة الجهاز اللاسلكي، أي من مرسل إلى متلق فقط. إضافة إلى ذلك لا يحفظ النظام المعلومات، ولا يحفظ أي أثر لتعقب صاحب السيارة.
وبالعودة إلى الخطوة التي قامت بها الإدارة الوطنية للسلامة المرورية على الطرق السريعة NHTSA في حضّ المشرعين على إصدار قانون يلزم صانعي السيارات اعتماد نظام الـV2V، تبيّن أن كلاً من التطبيقين الـLeft Turn Assist (LTA) والـIntersection Movement Assist (IMA) (تطبيقان من خدمات نظام الـV2V) هما الأساس في هذه الخطوة. فوفق الـNHTSA، سيسمحان في منع حصول ما يقارب الـ592000 حادث وإنقاذ 1083 حياة في السنة. صمم التطبيقان لمنع حصول الإصطدامات التقليدية على تقاطع من أربع أذرع، إضافة إلى قدرتهما على إنذار السائق في حال لم تلتزم إحدى المركبات بإشارات السير، ما سيوفر البيئة المناسبة للسائق لإتخاذ القرار الصائب.
الجديد في هذا االنظام أنه أرسى توجهاً جديداً في تكنولوجيا السيارات. وبعكس ما نشهده حالياً، سيعمل صانعو السيارات على تطوير أنظمة تساعد السائق على تفادي حادث، وليس العمل على تكنولوجيا تؤمن خروج السائق بسلامة من الحادث، ما سينعكس إيجاباً على السلامة المرورية لناحية التخفيف في شكل جذري من حوادث السير، حتى تلك المتعلقة بالمشاة، كما أن التواصل مع الإشارات والحالات المتوافرة على الطرق سيسمح للسائق اعتماد أسلوب، أو بالأحرى فلسفة وثقافة جديدة في القيادة، تحميه من الخطر وتساعده في المحافظة على البيئة المحيطة به. فما عجز الإنسان عن تعليمه لأخيه الإنسان، استطاعت التكنولوجيا فرضه عندما تتحدث السيارات، إن حكت فستشكلّ قفزة نوعية في مجال السلامة المرورية وسلامة الإنسان.


[email protected]
Twitter: @MGo8

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم