محاولات تعويق التسوية السياسية في اليمن. الإضرارُ بمصالح المواطنين. مساعي الزج بالناس في صراعات ثانوية. إرباك المشهد السياسي. بثُّ الشائعات. تفجير أزمات لا طائل منها أو جدوى من اختلاقها، وغيرها من المناوشات الطارئة هنا وهناك، تبدو حالات لا مناص من استمرارها، لتستمر معها الحياة "السياسية اليمنية" الدنيا!
لا تستغربوا أو تتعجبوا. فما "الحياةُ الدنيا" إلا اجترار مشاكل؛ وفي اليمن بالذات "كل قضيةٍ تلتهمُ قضية، وتغدو الحقيقة ضحية!"، أو ملهاة تلهي عن مأساة.
متى اقتنعنا بذلك، فإن استدعاء حوادث العامين الأخيرين، لن يكون له داعٍ للاستدلال على مدى طول "نفق" الأزمات اليمنية! إنما السؤال هو: كيف ووجه ذلك كله، بالصبر عليها أم الضجر منها أو التعامل المشترك المسؤول معها؟!
في ظل الحوادث المتسارعة وامتداد "نفق" أزمات اليمن على مر التاريخ، تتداعى الأفكار والخواطر دونما نتيجة نهائية أو خلاصة ناجعة. أو كما يقول السياسي الأميركي هنري كيسينجر "من السهل تتبع الأحداث ومن الصعب توقع نهايتها". بدءاً من انشغال الجميع بلقاء المصالحة بين الرئيسين الحالي عبدربه منصور هادي والسابق علي عبدالله صالح، مروراً بإقرار "الجرعة"، ومذبحة "حوطة" في حضرموت حيث تدحرجت رؤوس جنود أبرياء بسكاكين "وحوش" تنظيم "القاعدة". ثم الدخول في "نفق" أزمة جديدة، بعد اكتشاف عملية حفر "نفق" مؤدٍ إلى منزل الرئيس السابق علي عبدالله صالح!
وحدهُ، الله يعلم متى يكون الخروج من كل "الأنفاق" اليمنية المظلمة. لا سيما أن هناك قوىً تمضي في طريق "هدم" ما تبقى من كيان الثقة بين القيادة السياسية والقاعدة الشعبية، لتتكرر الحالة التي أقرّ بها رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي لدى لقائه أبناء مناطق محيطة بالعاصمة صنعاء نهار الأحد 17 آب الجاري، عن "فشل بناء الدولة القوية جنوباً وشمالاً ثم موحداً بسبب المعاناة والضعف".
لعل واحدة من أسباب ذلك أيضاً: التشبث بأسباب وعناصر الفشل والمعاناة والضعف!
وفي مضمار "الهدم السياسي" ما من سلاحٍ أمضى من سلاح الإعلام. فكل جناح سياسي، وبفعل "جموح" بشري، يُشهر صحيفته ومنبره مُسفِّهاً الآخر، قاتلاً حقيقة الأحداث، مُختلقاً أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان (...)، حافراً بهذا الأسلوب "نفقاً" مظلماً جديداً لا يشع منه بصيص نور، يهدي إلى نهاية ويغري على السير فيه. بل ومشعلاً نار فتنة عامة.
لقد اختلت قيم ومعايير التعامل مع الآخر، إلى حدِّ تصنيف كل "آخر" عدواً مبيناً لا سبيل للتعايش معه. وبدلاً من بث روح الإخاء، ينفخ في كير العداء لتتولد أزمة جديدة في نفق الأزمات اليمنية الطويل.
تتولد بعض الأزمات من رَحِمِ مشاكل حقيقية لا تُنكر، لكنها تستعر وتشتعل بالمزايدات وعدم الاتعاظ بتجارب من سلبهم الغرورُ البصرَ والبصيرة.
حريٌ باليمنيين ردم "نفق" الأزمات، وهدم "إرث" التخلف البشري المتمثل بالجهل والطمع والإقصاء، لتستمر الحياة بأساليب أخرى، وليمضوا معاً صوب "بناء" نموذج يمني وطني حقيقي، يتسنى استثمار مستقبله؛ لا تكرار ماضيه.