الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

شاشة - في الحياة ما قد يستحقّ منح الذات "فرصة ثانية"

فاطمة عبدالله
A+ A-

لا تستقيم النصوص ببطل وبطلة يخوضان الحبّ والعراك. في العمق حاجات، إن لم يُظهِرها النصّ، ضاع. تُذعن الكاتبة كلوديا مارشليان للبناء النفسي في تكوين الشخصية. نصّ "فرصة ثانية" تصاعدٌ درامي من اللغز الى الاكتشاف. شخوصه مقيّدون بالحاجة الى حياة جديدة.


يختزل المسلسل (الحادية عشرة ليلاً عبر "أم بي سي بلاس"، وقريبا عبر MBC4) قسوة الانطواء على الذات وضيق السُبل نحو احتمالات بديلة، من غير قطعها كلياً أمام الساعي. الجميع مُحمَّل بأثقال النفس والانسلاخ عن المكان الأصلي، تجمعهم دبي حيث الفرص والترف والسعادة القليلة.
العمل عن عائلات عصيّة على الهناء، تحكم أفرادها علاقات مضطربة، وشرخٌ روحي قاتل. تدرك ياسمين (باميلا الكك) أنّ الحياة مع زوجها فريد (مجدي مشموشي) مشوبة بالخلل، كونه فاوض والدتها "السيئة السمعة" (ختام اللحام) عليها، مقابل مبلغ شهري يُفرِج العائلة المُترنِّحة بالعوز. تُخلِّف فجائية التبدّل في الشابة إحساساً بأنّ أوجاعاً تطاردها، وإذ تتخلَّص من تقشّف العيش ونظرات تلعن الأمّ على جسدها، تُرمَى في منزل رجلٍ يكثّف تمكّن المادية من النفس والطبع وميول البشر.
حنين هو للوطن وبعض ناسه وعصافير الحديقة. في العمل حالاتٌ من مصر ولبنان والخليج، جميعها أشبه بكائنات مبتورة، مسلوبة الوجود الفعلي، لعجزها عن مغالبة الوضع. يصبح العمل عبوراً من الطرح المباشر لاضطراب العلاقات الزوجية نحو تأثّرها بعوامل المكان والظرف والتحوّل المتسارع تجاه صوغ حياة جديدة. يفقد الشخوص قدرتهم على التحمّل، ويقررون الانتفاض على واقعية مريرة تفترس كيانهم وتُصيِّرها خاضعة لشروط شريك مفعم بالأنانية. هنا، تتجّرأ غيدا (إلسا زغيب) على مواجهة زوجها هشام (جو طراد) بحقيقة أنّه استمرار لتاريخ أبيه المليء بالعنف، وأنّه صبي أمّه (نجاح فاخوري) الفاسد. تجتمع النساء الخائبات في صالون تجميل اللبناني طارق (وسام صبّاغ)، لسدّ حاجتهن الى مكان بديل، فيه نَفَس المكان الأوّل، عساه يعوّضهن ألم الأرواح الخاوية.
أنّات تصدر عن قلوب يحملها الليل على التذكّر. تستعيد ياسمين يوم كان اسمها فاديا، فمنحها فريد اسماً آخر. يُبيِّن السياق سذاجة الاكتفاء بالزيف المادي، فيما الداخل مهدّد بالزوال. يمعن فريد في قطع علاقة لها مع عائلتها حيث الذاكرة والشعور والانتماء، مواظباً على ذرّ شائعات الفِرقة الحائلة دون اللقاء. ويبرز توتّر سعاد (مارينال سركيس) كوضع مغاير بفعل الحاجة الى حضن رجل لا يهجرها، ووطن لا يفرض عليها السفر.
الجميع أمام واقع فات الأوان لمحاسبة مَن صنعه. ليس المسلسل قصصاً تبالغ في الانتصار للنسوية، ولا أفضلية لدور فيه على آخر. تدرك مارشليان أنّ تجارب البطولة المطلقة ما عادت تقنع مُشاهداً متطلّباً. يقدّم المخرج الكرواتي دينكا باليكا باميلا الكك في صورة تشي بالنضوج والرغبة في استعادة الطفولة. تلتقط كاميرته صدى النفس والتخمة العمرانية بجمالها المترف. يُحدَّد الصراع ما بين أولوية الانسياق نحو تكديس الثروة ولو تطلّب الأمر نسف المبدأ وهدم القيمة، وأولوية أخرى غايتها الخلاص من استبداد الصوت الغريزي في الداخل.
كأنه واحد من أكثر أعمال مارشليان وعياً لذاته، مع العلم انه مأخوذ عن نص أجنبي. لا يزال في بداياته، فنخشى بطء التطوّرات وارتباكها نتيجة التورّط بكتابة 120 حلقة. يُنتَظر ألا يظلّ وضعٌ على حاله، ويجد التائهون أنّ الخطوة لم تذهب هدراً. على المسلسل ألا يكتفي بكونه تسلية. قوّته في بناء تطوّرات منسجمة، لا يفضح تقليد الأتراك ركاكتها.


[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم