الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"تحدّي دلو ماء الثلج": أمراض العرب خارج الموضة

المصدر: -"النهار"
فاطمة عبدالله
A+ A-

لا تشغل العالم العربي قضايا جوهرية، بل ظواهر. ينبثق من مكانٍ سلوكٌ طارئ، تصيّره سرعة انتشاره حدثاً. التحوّل السلوكي الى واقع يَجري تداوله، يطال العميق من المسائل كقطع الرؤوس داعشياً، والأقل عمقاً كحدثية "تحدّي دلو ماء الثلج" (آيس باكيت تشالنج) الآيلة الى التفشّي بفعل مجاراة العادة والابتهاج بالتجربة المُصوَّرة.


توثيق الكاميرا نزعة المشاهير نحو الخير، يُبدّد، كفعل الخير عينه، تَحمّل الصقيع المترتّب على سكب الماء البارد ومكعّبات الثلج على الرأس. الحملة انطلقت من الولايات المتحدة، غايتها التوعية على مرض التصلّب العضلي الجانبي أو " Amyotrophic lateral sclerosis ALS" بالانكليزية، عبر تفريغ دلو من الثلج والماء البارد على الرأس، فترشيح ثلاثة أسماء للقيام بالخطوة عينها خلال 24 ساعة، الى التبرّع بمبلغ يُنفَق على البحوث الخاصة بالمرض. هِممٌ خاضت التحدّي: جورج بوش، بيل غايتس، أوبرا وينفري، مارك زوكربرغ، جاستين بيبر، ليونيل ميسي، نيمار دا سلفا وآخرون. راقت بعض مشاهير العرب تجربة الإضاءة على المرض، فسكب زافين الثلج على رأسه، كذلك نيشان ونجوى كرم.


الفنان البطل


حسنٌ أنّ الخطوة عرّفت الى المرض وأرخت فضولاً بسبر ماهيته. وإنما يحضر ما يشي بأنّ بعض القصد أقرب الى الظهور بغير المألوف في الصورة اليومية، منه الى جعل المرض إحدى القضايا العربية. يطلّ الجانب الترفيهي خاطفاً من الداء لعنته، ويغدو الفنان (الإعلامي/ السياسي...) هو البطل. للمشاهير قدرة على تفعيل التوعية وجمع التبرعات، لكنّهم في أحيان يظهرون منساقين الى التسلية. مجاراة الغرب في خصاله عدوى، وإن كان الخير غاية عليا. ذلك أنّ الموقف يستحيل إحراجاً إن لم يطرأ عليه تقليد الدارج. تنزف الأوطان العربية، وأحدٌ لا يجترح مبادرة أبطالها مشاهير يحضّون على التبرّع. لا يُستَخف بويل أو مرض، وإذ تطفح الأمراض العربية ولا مَن يتحرّك باستثناء طرح بيانات التنظير والشعارات المُستهلكة، ويَجري الانكباب على تقليد ما يتداوله مشاهير الغرب، فذلك يستحضر نقده ومبادلته بتصفيق بارد.


فعل أمر


طرحُ أسماء لخوض التحدّي، يتجاوز كونه دعوةً فيصبح فعل أمر. الجماهير تشاهد وتحاسب. تقدِّر الكاميرا جهد الشخصية في تحمّل وقْع الثلج من أجل مَن يعذّبهم المرض بصعوبة النطق أو تشنّج العضلات أو الشلل. يُدان المتقاعس ويُتهم (عوض أخذ مسافة من "اللعب") بالتنصّل من المسؤولية. يُستِّر باراك أوباما رفضه دعوة التحدّي بوعدٍ بدفع المال، من غير أن ينقذه التبرّع المالي من اللوم.
يُمسي المُوجَّهة اليه دعوة التحدّي في وضعية ترقّب. يصرخ نيشان كردّ على برودة الماء المُغطِّي جسده، ويوجّه الدعوة الى أربعة مشاهير منهم مريم نور. نجوى كرم أرادت أحلام أن تُجرِّب. سوف لن ينجو المدعو مما "يكيده" الداعي، والسبحة تكر، فيصبح الجميع موضع امتحان. يُفضِّل زافين كادراً من أجواء الصيف ليُنجز مهمّته: المسبح في الخلفية ونظارات الشمس لا تهتزّ وإن حضر الماء البارد. لعلّه شاء لو يلتقط لنفسه "السيلفي" بينما يتفاعل مع الثلج، عوض أن يترك للكاميرا أمامه وظيفة التصوير. المهم أنّ عربياً كسر الخجل، وكان خير فاتح. سيتحدّث التاريخ عن غضّ النظر حيال مآسي الذبح والتهجير وفجيعة الحرب، والإلتهاء بسكب الماء على الرؤوس كون الحال في الغرب هكذا، ليس أكثر. تُمجَّد الإنسانية بمحاولات التغلّب على أوجاعها، لكنّ الاستعراض يفضح نفسه من تلقائه، ويُمسي قليل الأثر إلا باستجرار التقليد وكسب الاستمتاع بشعور يُخاض للمرة الأولى أمام الملايين.
قد يصبح "السيلفي" سلوكاً طواه الزمن المُتراكض نحو التجدّد. في بال المشاهير ماذا سيُقال عنهم سواء أشاركوا في التحدّي أم انصرفوا عنه. ستطول القائمة في الساعات المقبلة، وتغزوها أسماء مدعاة انتظار. ستملأ التجربة الثلجية نفوساً تعرف كيف توظّفها لمصلحتها وتُلهي آخرين عن التفكير بمصيرهم.


 


[[video source=youtube id=N0YiQ-AeUwc]]


 



[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم