الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

دفاعاً عن تربية جنسية صحية وصريحة

المصدر: "نهارك"
الدكتور بيارو كرم
دفاعاً عن تربية جنسية صحية وصريحة
دفاعاً عن تربية جنسية صحية وصريحة
A+ A-

قبل التطرق إلى مسألة التربية الجنسيّة، سأطرح أسئلة بسيطة:
¶ أي منّا، سمح أهله لأنفسهم بالتحدث بحرية وصراحة معه عن الحياة الجنسيّة؟
¶ أي أمّ، تولّت مهمة إزالة الغموض المحيط بالعلاقات الجنسيّة والجماع من أمام إبنتها؟
¶ أي أب، واكب إبنه في تطور حياته الحميمة والجنسيّة؟


الأجوبة معروفة لنا جميعاً وهذا ما يفسّر إلى حد بعيد أصل الإحساس بالذنب والمحظورات والإحباط التي نصطدم بها في حياتنا الحميمة والعاطفيّة والجنسيّة. هذا إذا لم نتحدّث عن دور رجال الدين والمعايير المجتمعيّة التي تدعّي "المحافظة".
يرافقنا هذا النقص في المعلومات عن تطوّر حياتنا الجنسيّة في جميع مراحلنا العمرية.
نفتقر إلى هذه المعلومات الموضوعيّة طيلة حياتنا: ندعّي المعرفة كبالغين وراشدين ونسعى جاهدين إلى الإكتشاف كيافعين. وفي جميع الحالات، يسهم هذا النقص في التربية المناسبة في ترسيخ الجزء الأكبر من إحباطاتنا النفسيّة وخصوصاً الجنسيّة.
وهو يشكل سبباً أيضاً للإنتهاكات والإساءات الجنسيّة، وجميع حالات التحرّش الجنسي الجسدي والنفسي، وجرائم الإغتصاب وعدم إحترام الآخر كفرد له كيانه الجنسي الخاص به.
أمّا حصص التربية الجنسية في المدارس، إذا وجدت، فهي وضعت من منظور البالغين وليس من منطلق مستوى الإستيعاب والتطور العاطفي لليافعين أنفسهم. هذا عدا عن عدم الكفاية الواضح وتأثير تجارب الحياة الحميمة الناجحة أو غير الناجحة إلى حد ما وبواقع حياة وتجارب "المربيّن" أو الذين نصّبوا أنفسهم كذلك.
في الوقت الذي تُترك فيه حصص التربية الجنسيّة في المدارس، في حال وجودها، إلى عناية كل مدرسة، وبسبب إنعدام أي نوع من أنواع التوعية داخل العائلة في مجتمعنا، ومع وجود نقص في أعداد الأشخاص المؤهلين علمياً للتحدث ومناقشة الأمور الجنسيّة، يمكن إعتبار التربية الجنسيّة الصحيحة للجيل الصاعد غير كافية، إذا لم نقل غائبة بشكل فاضح.


الجنس أمر طبيعي
هي المقولة الأولى لسلسلة لا تنتهي من الأوهام. إنطلاقاً من منطق لا حاجة إلى فهم آليات الحياة الجنسيّة، وغيره من المعتقدات الخاطئة، يبرر الرفض الذي حال لمدة طويلة من دون توفير تربية وثقافة جنسيّة صحيحة وجدية. في الواقع، الحياة الجنسيّة ثقافة تكتسب ونتيجة لتعلّم مستمر. في ظل العديد من الأفكار المسبقة والمعتقدات الخاطئة، تبقى معلوماتنا عن الجنس ناقصة. يمكننا على سبيل المثال وصف الحياة الجنسيّة للمرأة، لكن آلياتها لا تزال مجهولة بشكل كبير. كما أن آلية الإنتصاب كانت غير معروفة قبل عشرة اعوام من اليوم.
يتحدث الجميع عن الجنس! ثمّة سيل لا ينتهي من وسائل الحصول على معلومات، وتفيض وسائل الإعلام بالمقالات والتحقيقات التي تتمحور على مواضيع "مثيرة". إلّا أن معرفتنا ومعلوماتنا في عالم الجنس ترتكز غالباً على أفكار مسبقة وجاهزة يمكن أن تعرّض حياتنا العاطفيّة والجنسيّة للخطر!


تعلُّم المتعة
كانت وظيفة الجنس في الأصل الإنجاب لتوفير إستمرار البشرية. ولا يزال جسدنا يعمل غريزياً، ولكن تطوّر الحضارة والثقافة أضافا بعداً جديداً في هذا السياق ألا وهو المتعة... المتعة ليست أمراً فطرياً، وممارسة الجنس بشكل جيد غير مدوّنة في جيناتنا الطبيعية! إذ هي نتيجة لكثير من الأمور: تجاربنا السعيدة وغير السعيدة نوعاً ما، مع شركاء يتمتعون او لا يتمتعون بالخبرة إلى حد ما، إضافة إلى تعاطفنا وخيالنا. وبمعنى آخر، هي عبارة عن معرفة على المدى الطويل تتأثر نتائجها بالعديد من الإعتبارات الخارجة عن السيطرة. لذا، منذ الآن، لمَ الإنتظار لسنوات لإكتشاف ما يمكننا أن نتعلّمه، وإن بشكل جزئي؟ يمكن أن يؤدي توفير تربية جنسيّة في إطار العائلة أو المدرسة من دون تحضير جدي أو كفاية كافية، إلى قيم ونماذج خاطئة نوعاً ما. إذ أنه ليس من السهل على أي كان التحدث عن الجنس.


المواد الإباحيّة
تكمن المشكلة في أن الأولاد المراهقين اليافعين، غير القادرين على الحصول على المعلومات الصحيحة المتعلقة بالجنس داخل العائلة أو في المدرسة، سيسعون للحصول عليها من مصادر أخرى. وغالباً ما يسعى هؤلاء الى استقصاء معلوماتهم بخصوص الجنس أولاً عبر برامج التلفزيون والإنترنت. والمشكلة مع مصادر هذه المعلومات أنها غير موثوقة دائماً، ومن الصعب التأكد من صحتها، وخصوصاً تلك المستقاة من الإنترنت، إذ يستطيع أي شخص أن ينشر أي معلومة. وفي غياب ثقافة توعية نزيهة وجدية، تكتسب المواد الإباحيّة أهمية متزايدة أكثر فأكثر ويوماً بعد يوم، كمصدر للتربية الجنسيّة. ولكننا مع هذه المواد الإباحية بعيدون كل البعد من نماذج المساواة والإحترام بين الجنسين، وخصوصاً من النماذج الخاصة بالعلاقة بين شخصين. أشير هنا وبكل وضوح، وبشكل لا يترك أدنى مجال للشك، أن المواد الإباحية تعطي صورة سلبية عن المرأة. إذ أنها تقدم الجنس على أنه شيء ميكانيكي للغاية، قائم على الأداء وفعّالية الجهاز التناسلي، وهدفها الوحيد القذف عند الرجل. فعلياً، ليس هناك أي واقعيّة في ما تعرضه المواد الإباحية.
أعتقد أن ربط بعض صغار السن بين علاقاتهم الجنسيّة الأولى والمواد الإباحية أمر يدعو إلى القلق. وينطبق هذا الأمر لسوء الحظ على بعض الراشدين أيضاً، في ما يتعلّق بفهمهم لحياتهم الجنسيّة.
تمارس المواد الإباحيّة ضغوطاً كبيرة على الفتيان والفتيات، وعلى الرجال والنساء على حد سواء؛ إذ يجب أن يقدم الفتيان والرجال أداء جيداً، وإلا سيتم الطعن في رجولتهم. في الوقت الذي يجب على الفتيات والنساء أن يقلدن ما يجري في الأفلام والقيام به بشكل جيد جداً، وإلا لن يعتبرن مرغوبات. تندرج أمور عديدة في هذا الإطار، من إدعاء الإغتصاب، إلى المثلية الجنسيّة والإنحراف والوحشية، وغيرها. لم لا؟ فإذا كانت المواد الإباحية مصدراً للتربية الجنسية في عمر مبكر، فكيف لنا أن نحصل على علاقات حقيقية وروابط عاطفية واقعيّة؟ وحتى في أن نكون قادرين على العيش وتقبّل هويتنا الجنسيّة؟
يمكنني أن أضيف في المحصلة أن المنتجات الإباحية تفتقر بشكل كبير إلى معلومات عن منع الحمل والحمل غير المرغوب فيه، والأمراض المعديّة والعلاقات العاطفيّة السليمة، والثقة بالنفس وإحترام الذات، وماهية أن تكون ذكراً أو أنثى. ولكن هذه هي بالذات الموضوعات التي نحتاج أن نتطرق لها وأن نناقشها ونتابعها ونفهمها في إطار تطورنا العاطفي. هل من ضرورة للتذكير بأن توجه هويتنا الجنسيّة ينطلق من هذه الأمور؟
التربية الجنسيّة وسيلة لنشر قاعدة موثوقة على الأقل عند الأطفال والمراهقين حتى لو كانت هذه الأسس تبدو محدودة، مقارنة بالنطاق الواسع لكل جوانب الجنس.
وهنا، يؤدي الأهل دوراً مهماً في التربية الجنسية لأطفالهم. فغالباً ما نسمع الأهل يتحدثون عن إحساسهم بعدم الإرتياح في ما يتعلّق بالحوار حول الجنس مع أولادهم. ويعود هذا الأمر غالباً إلى أنهم لا يعرفون الكلمات الواجب إستخدامها لتفادي الصدمات. يعلن الأهل أحياناً إستسلامهم مع المراهقين لأنهم لا يعرفون كيف يتطرقون إلى المسألة، لأنه ما زال من الصعب بالنسبة إليهم معرفة السياق المثالي، أو لأن الحوداث تتخطاهم بكل بساطة ويشعرون بأن الأوان قد فات، فضلاً عن أن ميل الأمهات إلى حماية أطفالهن بشكل مبالغ فيه تنتهي عن غير قصد أو وعي بدفع المراهق نحو الممارسات الأكثر تطرفاً.
كذلك، يلقي الخوف من الأحكام المسبقة بثقله على غياب الثقة أو على الأسئلة التي يطرحها الأولاد على أهلهم. يشعر الأطفال والمراهقون بالفضول، وغالباً ما يكمن الهدف من وراء الأسئلة معرفة ما إذا كانوا طبيعين أو ضمن المعايير. وعندما يُتركون لأنفسهم، ينفتح الباب على مصراعيه أمام الإحساس بالإحباط والخيبة وأزمات الهوية الجنسية.
التربية الجنسية إذاً هي عبارة عن منح مساحة يمكن التعبير فيها عن جميع المخاوف والتساؤلات، شرط أن يكون البالغون قادرين على الإجابة والإيحاء بالثقة والطمأنينة في جميع الأحيان.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم