الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

تحت الضوء - طيف ألبر كامو يحوم حول الأدب الجزائري الجديد

حميد زناز
A+ A-

خمسون سنة مرت على رحيل ألبر كامو، وظن كثيرون أن نجمه قد أفل. ولكن ها هو يعود وكأن شيئاً لم يكن، ليلهب النقاش ويبقى القوم حوله يختصمون: الفيلسوف ألبر كامو هل هو جزائري أم لا؟ سؤال طرحه في الستينات والسبعينات مثقفون ورجال سياسة، لكنه لا يزال حاضراً، في صيغة جدالية أكثر حدة. إذ نجد من جهة "كامويين" وكل من يعتبرون أنه قد حان الوقت لإعادة امتلاك صاحب نوبل للآداب. ونجد من الجهة الأخرى "سارتريين" ووطنيين غيرهم يعتقدون أن لا مكان للرجل في الأدب الجزائري.


ليس هذا فحسب. فقد عاد كامو ليحتل مكانا بارزا في واجهات المكتبات، وفي الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية أيضاً. ففي رواية "كامو والنرجيلة"، يروي حميد قرين حكاية طريفة تتمحور حول الراوي الذي يكتشف في مراسم دفن والده أن ألبر كامو كان هو والده البيولوجي الحقيقي. هكذا يبدأ بالبحث محاولا التأكد من تلك الأبوة المفاجئة.
أما رشيد باشي، وهو روائي جزائري مولود في العام 1971، فيخصص روايته الثالثة، "الصيف الأخير" للكاتب ألبر كامو، إذ يجعله بطلها الذي يحكي مراهقته في الجزائر. يقول إنه قد عاش في الجزائر في فترة التسعينات زمن الإرهاب الإسلاموي، وهذا ما أعاد إلى الأذهان بعض المواقف التي دافع عنها كامو. وجدت، يقول باشي، أنه لا يقال سوى الشيء القليل في الجزائر عن التزامات شبابه ومساره الفكري. من هنا، فإن سرد مراهقته باستعمال ضمير المتكلم لم يكن بالشيء السهل. يضيف أن لدى الجزائريين في غالب الأحيان صورة عن كامو كولونيالي. هناك خطاب رسمي ذو اتجاه جبهوي رجعي: كامو خائن وانتهى الأمر. يصف الأمر بأنه تلاعب سياسي. لكني متأكد من أن الجزائريين مفتونون بكامو. يبدو لي أن من الأهمية أن نقول للجزائريين إن كامو هو جزء أيضا من تراثهم، ونقول للفرنسيين إنه لا يمكن اختزاله في وجه فكري باريسي.
يحاول الكاتب الجزائري الشاب كمال داود في رواية تحت عنوان "مورسو /التحقيق المضاد"، أن يرد الاعتبار إلى العربي المقتول من طرف مورسو في رواية "الغريب"، فيهبه تاريخا وملامح ولقبا. وكثيرا ما يتلاعب كمال داود بتعابير ألبر كامو في "الغريب" ويعطيها اتجاها آخر؛ من مثل "اليوم أمي لا تزال على قيد الحياة"، وكأنه يحاول تهديم "الغريب"، لا أقول انتقاما للعربي المقتول وإنما لإنصافه، بعد التجاهل والغبن اللذين طاولاه مدة 70 سنة. مورسو كتب اسمه بنحو 60 لغة، هو عدد اللغات التي ترجم إليها "الغريب"، في حين بقي العربي نسيا منسيا! "منذ الاستقلال لا أحد حاول معرفة لقب الضحية ولا عنوانه ولا عائلته ولا أولاده المحتملين. لا أحد"، و"أخي هو الذي تلقى الرصاصات! موسى لا مورسو!".
يؤكد الكاتب الجزائري الفرنكوفوني ووزير الإعلام الحالي حميد قرين حب ألبر كامو للجزائر ومقاسمته المعاناة مع الشعب الجزائري، لكنه يشدد أيضا على أن "ألبر كامو لم يكن كاتبا جزائريا، بل هو كاتب فرنسي ولد في الجزائر، ولم يقل يوما إنه جزائري".
في كتاب صادر في الجزائر اخيرا اختارت له كريستين شولي عاشور عنواناً مباشراً، "كامو والجزائر"، حاولت أن تجيب عبره عن أكثر الأسئلة طرحا وجدالاً حول علاقة الفيلسوف بالجزائر والجزائريين. وما إذا كان جزائريا أم فرنسيا أم هو هما معا.
من البديهي أنه لا يمكن فصل كامو عن الجزائر حتى وإن أردنا أن نتعامل مع النص الكاموي كنص من أجل النص، لأن النصوص متجذرة بعمق في هذا البلد الذي أحب شمسه وتغذى منه كيانه وإحساسه. تؤكد الأكاديمية الجزائرية أن الجزائر هي "مفتاح من المفاتيح التي لا يمكن الاستغناء عنها لفهم الإنسان والكاتب". تذكرنا كريستيان في هذا المعنى بما كتبه ألبر كامو بالذات في مقدمة كتابه "المنفى والملكوت": "يحتفظ كل فنان في أعماقه بينبوع وحيد ينهل منه طول حياته ماهيته وكل ما يقوله. بالنسبة لي أعرف أن معيني هو في المنفى والملكوت، في عالم الفقر والنور، هذا الذي عشت فيه طويلا".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم