الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

صحة جنسية - حين تختار الرغبات شريك حياتنا!

الدكتور بيارو كرم
A+ A-

قيام الثنائي هو بمثابة الجمع بين لاوعي شخصين. نحن حقيقة لا نعرف ما نريد لأن رغباتنا في اللاوعي تتناقض غالباً مع رغباتنا الواعية. قد نبحث في الوعي عن شريك لطيف ومُحبّ أو حنون ورقيق، فيما تدفعنا رغباتنا في اللاوعي نحو أشخاص متهكّمين أو عنيفين. شعور بالذنب مدفون في اللاوعي يدفعنا إلى مشاعر وعلاقات عاطفية هي في الواقع عقاب دائم. نحن إذاً إثنان في عدم معرفة ما ننتظره وما نتوقّعه من قدراتنا الحقيقية والفعلية على العطاء.


في عصرنا الحالي، نعتقد أننا لم نعد نسعى وراء علاقة تشبه قصص العشق والغرام يحيكها الخيال حافلة بالجنيات والأميرات... هذا أمر خاطئ تماماً. إنتظار فارس الأحلام أو البحث عن المرأة المثالية يبقى ولا يزال حلم جميع العازبين. نحن جميعاً نحتاج إلى أن نحلم. ولكن بعض الأشخاص يعانون من بعض التعقيد بحيث يشعرون بالحاجة إلى شريك يكونون قادرين على رفعه إلى مستوى أعلى وإضفاء صفات مثالية عليه. إختيار شخص آخر رائع لنا يساهم في تعظيم "الأنا" لشخصنا ويرمّم نرجسيتنا المتزعزعة. إلاّ أن الشريك المثالي غير موجود. الإحساس بالنقص والخلل في الذات هو ما يدفعنا إلى الحبّ. فالشخص الذي يشعر بالرضى مع ذاته على جميع الصعد النفسية لن يقع في الحبّ.
لا يمكن أن يتطوّر الحبّ بين شخصين إلاّ في حال وجود تكامل في حاجات كلّ منهما. نسعى وراء شخص مماثل لنا أو شخص لديه ما ينقصنا. قد يكون ذلك نقص في الحنان أو من الناحية السادية. ولكن بإمكاننا تعديل هذا النهج في حال عملنا على تطوير ذاتنا وأعدنا النظر والتفكير في حياتنا، وإستكشفنا الجانب المخفي من شخصنا. نصبح عندها أكثر تقبلاً لأشخاص لم نكن حتى لنلاحظهم في السابق.
الحبّ ليس ممكناً إلا في حال تواصل شخصان إنطلاقاً من المحور الفردي لوجود كلّ منهما. وبكلمات أخرى وكأننا نقول أن الحبّ هو حوار بين لاوعي شخصين. ولكي يجري هذا الحوار، على كلا الشريكين أن يتمكّنا من الإستماع والإنصات لما يدور في أعماقهما والتي يخنقاها غالباً. بينما ولسوء الحظ، يبقى قائماً ثقل قصص الماضي، والصراعات والنزاعات الداخلية مع الذات والمعتقدات المضلّلة والوهمية.
وفقاً لـ"فرويد Freud"، من الضروري أن نعرف ذاتنا على أتمّ وجه ومواجهة مشاكلنا مع نفسنا أولاً لكي نتمكّن من لقاء الآخر. كما يشدّد أنه بعد المعالجة التحليلية النفسية، فإن الشخص الأكثر إنطواء على ذاته يمكنه أن يستعيد نمط رغبته الحقيقية ويصبح قادراً على الحبّ...
"رأيته ورآني... تلاقت نظراتنا... أدركنا أننا خلقنا أحدنا للآخر". الوقوع فجأة في الحبّ نجده في القصص والروايات والسينما أكثر منه في الحياة اليومية. إنتظار هذا اللقاء من دون القيام بأي جهد ونحن غارقون في وحدتنا هو الطريقة الأمثل لكي لا نجد الحبّ. وعندما نؤمن بأن الوقوع في الحبّ فجأة أمر محتمل، نكون وكأننا نتجنّب إعادة النظر في واقع الأمور ونواصل الإعتقاد بأنّ القدر وحده هو صاحب القرار في حياتنا العاطفية ولقاء الشريك (قسمة ونصيب).
بعض الأشخاص يقعون في الحبّ بمجرّد مواجهة مصاعب مهنية أو مادية. فالشخص المغرم يعيش في عالمه الخاص. والحبّ بالنسبة اليه هو وسيلة لإخفاء قلقه. ولكنه لا يكون واعياً لهذا الأمر لأنه يرفض الإعتراف بمشكلته. عليه مواجهة مخاوفه من المستقبل، ومعاناته وألمه والتغلّب على ما يقلقه ليتمكن من عيش قصة حبّ حقيقية. الحبّ هو "أخذ وعطاء". وهو أيضاً إستسلام وتحرّر، وليس سيطرة وتحكّم. ولتفادي هذه الحقيقة التي لا مفرّ منها، ما من مهرب أفضل من هذه الكذبة التي يعيشها أولئك الذين يدّعون أنهم يرغبون في الحبّ إنما بشرط أن يكون الحبّ الذي يكنّه لهم الآخر أكبر وأعمق من حبّهم له. الرغبة في أن يحبّنا الآخر بقدر ما نحبّه أو أكثر هي رغبة مثالية وخيالية.
لتفسير الحبّ، يستعين المحلل النفسي الفرنسي لاكان (Lacan) بصورة يدّ تمتدّ نحو يدّ أخرى ولكنها لا تلبث أن تتراجع عندما تمتدّ إليها هذه الأخيرة. وهذا ما يتعارض مع التزامن المتوقّع في الحبّ. نادراً ما يحبّ شخصان أحدهما الآخر في الوقت نفسه بالمقدار نفسه. ما من حبّ من دون القليل من المعاناة، لذا قبول هذه المعادلة شرط لخوض عالم الحبّ.


يحب والدته؟!
عندما يكون الرجل غير قادر على الحبّ، يُقال عنه بسذاجة إنه يحبّ والدته كثيراً في حين أنه قد يكون في الحقيقة يحبّ والده أكثر. التعلّق المُفرِط بالأب قد يكون أحد الأسباب الرئيسيّة لعدم القدرة على الحبّ. ومثالاً على ذلك إذا كانت الأم باردة وبعيدة، وغير حنونة، يدفع هذا الوضع الأب والإبن إلى تلاق عاطفي أكبر بينهما لسد هذه الحاجة. إلا أن الأب وإن كان أباً صالحاً، لكنّه في الوقت عينه لا يزال يمثّل السلطة. وهذا ما يؤدّي إلى إبن خانع، غريزياً - بالفطرة - متعلّق به ومهووس بفكرة كسب تقديره وإحترامه. هذا النوع من الرجال غالباً ما يخوض مسيرات مهنية إجتماعية مكلّلة بالنجاح. هم جدّيون، وجديرون بالثقة ومتحمّسون. أما في ما يتعلّق بعلاقاتهم مع النساء، فيكونون متحفّظين وبعيدين لأنه لا يوجد بينهن واحدة قادرة على الحلول مكان الأب.
وفي الخلاصة، اللقاء هو حتماً، وإن جزئياً، مسألة صدفة... إلاّ أنه وفي ظل تطوّر علم النفس والعلاجات التحليلية النفسية لتطوير الذات، تزداد إمكانات إستعدادنا للقاءات متنوعة وفرصنا في إقامة علاقات جديدة. إحتمال اللقاء العاطفي يحصل عندما نكون قد عملنا بما فيه الكفاية على ذاتنا؛ عندها نصبح مستعدّين. في الواقع، من المجدي التخلص من جميع الاعراض العصابية لمنح الذات فرصة لقاء شخص تسير معه الأمور على ما يرام ونقع في حبّه.


*إختصاصي في الصحة النفسية والصحة الجنسية
[email protected]
www.heavenhealthclinic.com

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم