الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

هل انتهت وظيفة إسرائيل؟

فرحان صالح
A+ A-

سيذكر الأحياء ممن عاشوا زمن غزة 2014، ومن عاش زمن تموز اللبناني 2006، أن إسرائيل إلى زوال، وأن زمن التحرير بدأ، وما عمل المقاومة خلف خطوط التماس، أي داخل الأرض المحتلة، لمن الدلالات.
إسرائيل فشلت في كسر الإرادة، وأخفقت مخابراتها في تحديد الأنفاق ومعرفة مراكز إطلاق الصواريخ المنتشرة على بقعة جغرافيا غزة كلها (360 كلم مربع)، فشلت القبة الحديد والأقمار الصناعية، كما اخفقت إسرائيل في اكتشاف القدرات العسكرية للمقاومة، فضلاً عن نوعيتها، فشلت كذلك في اختراق أي من خطوط المقاومة.
إسرائيل محاصرة كما غزة. أوقفت شركات الطيران العالمية رحلاتها. الشعب الإسرائيلي في الملاجئ. قُطعت الكهرباء كذلك المياه عن أكثر من مدينة محتلة. خسائر فادحة في الموسم السياحي، فضلا عن نزوح سكان المستوطنات إلى داخل المدن. المقاومة قتلت وجرحت ما يزيد على 1500 جندي ومستوطن. رفض جنود الالتحاق بوحداتهم العسكرية، ما يعني ضرب الروح المعنوية للجيش الأقوى في المنطقة، وما ضرب عموده الفقري (لواء غولاني) سوى المؤشر على ذلك. قد تتراجع المقاومة وتنكفئ، لكن خطوة إلى الوراء من أجل خطوات إلى الأمام.
المقاومة تقتل الجنود الصهاينة، الصهاينة يقتلون الأطفال. إنها المعادلة التي تقول: عندما يفقد القوي ميزاته الأخلاقية، فإن زمام المبادرة ستؤول إلى الكثرة اللاواعية. وهذا مؤشر إلى الانحلال النهائي.
إسرائيل أرادت كسر إرادة المقاومة، لكن هل تمكنت من ذلك؟ إن ما يحصل هو معركة إرادات. إسرائيل تخفي عدد قتلاها وجرحاها. فُقدت مصداقيتها، خصوصاً الأخلاقية. خسائرها الاقتصادية والعسكرية والبشرية كبيرة. إسرائيل، في ظل تردي الأوضاع العربية الراهنة، اعتقدت أنها ستنهي، وإلى الأبد، شيء اسمه القضية الفلسطينية، معتقدةً أنها ستتمكن من إلحاق غزة بالإدارة المصرية، كما ستلحق الضفة بالإدارة الأردنية. إن معركة غزة مؤشر لمرحلة جديدة. إن بدايات تحرير فلسطين بدأت، أو على الأقل سيكون ما يحصل من تغير موازين القوى مؤشرا لتحقيق فكرة الدولة أو الدولتين.
وظيفة إسرائيل انتهت صلاحياتها عام 2006، وتأكدت في غزة عام 2014، فهل الوظيفة التي كانت منوطة بها ستقوم بها أنظمة عربية انتهت صلاحياتها أيضاً؟ إن ما يحصل هو المؤشر الأول لرسم ملامح المنطقة مجدداً. إن معركة غزة علامة من علامات القدر الجديد، فمن المقارنة اللافتة للانتباه أن الوجه الأبرز في الصراع يتبدى في أن صراع الأصوليات اليهودية والإسلامية (السنية الشيعية) يستمر كذلك الفرز، وستكون نظرية مالتوس في طور التنفيذ، وهي في جوهر ما يسمى الفوضى الخلاقة. لذا، إن متابعة هذا الفرز الذي يحصل، بدءاً بغزة، مروراً بما يجري في أكثر من بلد عربي، يدفعنا الى القول والسؤال: هل تستطيع مصر استيعاب هذه التحولات والاستفادة منها لبناء مشروع عربي جديد؟


* * *


إنها سياسات تسمّى عربية، تقول ما لا تفعل. فلسطين اليوم ليست "الجهاد" أو "حماس" أو "الجبهة الشعبية"، فلسطين الآن هي العروبة ذاتها، هي مستقبل الأمة وحاضرها وماضيها. إن الأنظمة التي تقف مكتوفة ستحاصرها إسرائيل، والقوى التي ساهمت في تأسيسها.
في تموز عام 2014 أرى فلسطين أمامي. أرى جيراناً كان أبي وأمي يعرفونهم في عكا، والخالصة، أرى الخيام تعانق غزة، تعانق سيناء ودمشق وصور وقرطاج ووهران وصنعاء وبغداد، تعانق بئر السبع والقدس، القاهرة وبور سعيد والصعيد.
غزة تحاكي عروبتنا، تعرفنا الى أنفسنا مجدداً، الى ذواتنا التي تغرّبنا عنها. فلسطين التي حاول ويحاول البعض – من العرب – أن ينسينا إياها، تقول لنا إن أرضي هي أرض العرب. غزة تعيدنا إلى الجولان، وإلى سيناء المسجونة، وإلى بيت لحم المحتجزة، إلى الأرض التي تغربنا عن أشجارها. الجار – الصهيوني - المدجج بالسلاح الأميركي – الفرنسي - الإنكليزي، لا يريد جيراناً من غير ملته، يريد صهاينة لا يهودا، يريد إسلاماً من دون عرب، يريد بقايا من الفلسطينيين من دون فلسطين، يريد ما يحيط به أرضاً للأموات، لا يريد أحياءً.
غزة تعلم الصهاينة دروساً، تعلم العرب الطريقة كي يفهموا عروبتهم. قتلى العدوان الصهيوني كثر، فلسطين تدافع اليوم عن العرب، عن عروبة العرب. تعلم الصهاينة لا اليهود الذين كانوا جيراناً عرباً قبل عام 1948، هم ضحايا الحركة الصهيونية، بل هم مشاريع استعمارية، فالحروب مقابر للفقراء وغنائم للأغنياء، هل يدري اليهود العرب بأنهم ضحايا هذه السياسة؟ اليهود العرب قضيتهم هي قضية فلسطين، هي قضية غزة ذاتها. اليهود العرب هم ضحايا المشروع الاستعماري، تاريخهم هو تاريخ أهلهم الفلسطينيين، وهم فلسطينيون، تاريخهم هو تاريخ جيرانهم الذين يقاتلونهم.
هزمت اسرائيل في غزة، لم تحقق أياً من أهدافها. إعلام الأنظمة العربية يهزم نفسه، يهزم عروبته وانتماءه وهويته. الإعلام لم يساهم في اضفاء المناخات لروحية جديدة، روحية ينتعش فيها الأمل في حلم جديد، لم يساهم في هزيمة الخوف، في إنهاء الكوابيس. الإعلام هو ذاته يصنع هذه الكوابيس.
غزة تساهم في إحياء الأمل، في إعادة المعنى الى الجيرة التي كانت قبل عام 1948. نحن اليوم نقف مع عروبتنا، مع فلسطين لا مع الإسلام أو مع "حماس" أو غيرهما.
حكايا الخوف عند الصهاينة غداً، ستقابلها حكايا مختلفة في فلسطين وفي الوطن العربي الكبير، وستكون الحكايات عن المدرسة العسكرية التي صنعها شعب فقير محاصر يحلم بالحرية في محيط أنظمته تحاصر شعوبها، محاولة قتل الأحلام واستمرار الخوف.


فرحان صالح

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم