الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

بين بشير الجميّل وحسن نصرالله

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
A+ A-

يسعى الناس غالبًا إلى البحث عن أشخاص رموز يعبّرون عن آمالهم، يحمونهم، ويرون فيهم الصورة التي يريدون أن يصبحوا عليها، أو يكونون صوتهم الذي يترجم أفكارهم ومعتقداتهم. هؤلاء الأشخاص غالبًا ما يكونون في حقل السياسة والشأن العام، ولبنان هو أصدق مثال لنقل صورة السياسي الرمز والقائد. هنا، يتحدّد المزاج الشعبي لا بالنسبة إلى الأداء السياسي، وإنّما وفقًا للكاريزما التي يملكها هذا "الزعيم"، وقدرته على تجييش الناس خلفه، وإقناعهم بآرائه ومواقفه، وجعلهم يتبنونها باعتبارها الحقيقة التي لا تقبل الدحض أو النفي أو النكران.


من منّا لم يتشاجر مع صديقه أو قريبه أو زميله بسبب اختلاف انتماءاته السياسيّة وتعرّض أحدهم لشخص "الزعيم" العتيد؟ من منّا لا يتذكر المشكلات بين طلّاب الجامعات التي تتحوّل إلى عراك ومشادات؟ الأمثلة كثيرة والنتيجة واحدة : "حبيبي وتسلملي، بس ما تقرّب من الزعيم. فالزعيم هو القائد وصاحب السلطة والقوة. هوي القصّة كلّها".


ما هو تعريف الناس للزعيم ولماذا يتمسّكون به ولا يقبلون المساس به؟ وهل يختلف مفهوم الزعامة بين الغرب الموصوف بالديموقراطيّة والشرق المتشح بثوب الديكتاتوريّة؟ ولماذا تعدّد الزعامات في ما التعريف واحد؟


زعيمي مختلف
إلى ذلك، يعرّف أشخاص منوّعون الزعيم، ويتفقون على عدم المساس به، فيقول (ف.س.) : "بالنسبة إلي الزعيم هو من تلحقه مجموعة من الشبّان، يحرّكهم مثلما يشاء. لكن هناك استثناءات، مثل الزعيم الذي لا يعامل جماعته مثل القطيع، ولا يسمح لأحد بأنّ يتعرّض لهم، وطبعًا لا أرضى المساس به".


في المقابل، تقول (ج.ك.) : "الزعيم هو إنسان وطني يقدّم المصلحة الوطنيّة على المصالح الفرديّة، مواقفه تفيد كلّ المواطنين وليس جماعته فقط. وبالطبع لا أرضى المساس بالزعيم الذي يمثّلني لأنني أحترم آراء غيري وبالتالي عليهم احترام من يمثّلني. للأسف في أيّامنا هذه لا يوجد زعيم، هناك شخصيّات تهتمّ بمصالحها فقط. فالزعيم لا يغرق شعبه بالديون ولا يجوعهم".


الشيخ والسيّد
أمّا (ف.ق.) فتقول : "الزعيم يعرف من خلال الكاريزما التي يتحلّى بها، والشخصيّة التي يملكها، يؤثر في مؤيّديه ومعارضيه في آن. السيد حسن نصرالله هو مثال للزعيم لأنّه يملك هذه المواصفات، وهو وحده الزعيم في لبنان في الوقت الراهن، لأنه يوصل رسالته بوضوح وشفافيّة وبكل صراحة. في المقابل، لا أرى أنّ هناك زعيمًا يمثّلني ولو وُجد لا أمانع انتقاده، فهو ليس الله، كما أنّ الخطأ مشروع في السياسة والمحاسبة واجبٌ علينا، لكننا للأسف شعب لا يجيد المحاسبة، وكلّ شخص مرتبط بطائفته".


أمّا (ط.ع.) فيقول : "الزعيم هو شخص قويّ لديه كاريزما وشخصيّة ظاهرة ولافتة، مواقفه صارمة وحازمة، ينظر إلى مشكلات الناس ويقدّم حلولًا تريهم وتعبّر عنهم. في لبنان وجد القليل من الزعماء، أبرزهم الرئيس الشهيد بشير الجميل والآن السيد حسن نصرالله، لأنهم نجحوا في لمّ طوائفهم وراءهم. أنا أرفض المسّ بالزعيم الذي يعبّر عن توجهاتي، لأنّ ذلك أشبه بالمسّ بوجودي".


رعاة طوائف ... لا زعماء
يقول (ح.م.) : "في لبنان، الزعيم طائفي وليس وطنيًا. هناك شخصيّات وطنيّة لكنها لا تملك الزعامة الفعليّة كما الباقين. أمّا بالنسبة إلي لا يوجد زعيم بكلّ ما للكلمة من معنى. كلّهم أصحاب مصالح، والناس تتبعهم كما يلحق القطيع بالراعي. هذه ظاهرة مريضة وغريبة عن المفاهيم العالميّة، حيث يهتمّ الزعيم بمصلحة الوطن والعمّال والفلاحين ويكون قريبًا من الناس العاديين ومن همومهم".


في المقابل، تقول (ع.س.) : "الزعيم هو شخصيّة قوية، ينظر إلى الناس كافة بتساوٍ، يهتمّ للفقراء والمقهورين، يجمع الناس خلفه ويجعلهم يؤمنون بمواقفه إذ يجيدون فيه الخلاص لمشكلاتهم وهمومهم والبطل المنقذ. هو شخص يتكلّم باسم الشعب، متواضع، وفي الوقت نفسه، قوي ومواقفه ثابتة وصادقة. في لبنان ليس هناك إنسان بهذه المواصفات، لأنّ كلّ مسؤول يهتمّ لأبناء طائفته فقط أو لفئة صغيرة منهم. لا يوجد بطل حقيقي استطاع أن يخرج لبنان من مفهوم الطائفيّة الضيّق، هناك زعماء طوائف مثل السيد حسن نصرالله، الرئيسين الشهيدين بشير الجميّل، رفيق الحريري، لكن لا يوجد زعيم على المستوى الوطني".


جحيم السلطة
في هذا السياق، يقول مدير المركز اللبناني للأبحاث الاجتماعيّة في جامعة اللويزة، الدكتور عبده قاعي، لـ"النهار" : "في مرحلة معيّنة كان لبنان يحاول التشبّه بالدول الغربيّة، لكن بسبب الحروب المزمنة التي نعايشها عدنا إلى المنطق التقليدي الإقطاعي المبني على وجود الزعيم، أو البطركيّة، التي تقضي بوجود مسؤول لديه سلطة أبويّة على التابعين له، يوفّر لهم الحماية والخدمات. لكنّه يستفيد من السلطة التي بيده ليستبدّ. في السابق كان هناك قوّة للدين تلجم الزعيم وتفرض عليه التعامل برحمة، أمّا اليوم هناك رخاوة لدى الأديان جعلت الزعيم يستبدّ ويتطرّف".


ويضيف قاعي : "الناس تتمسّك بالزعيم لأنّها تريد من يحميها، لا يمكن أحدًا أنّ يحقّق حاجاته من دون اللجوء إلى الزعيم الذي يخالف القوانين ويظلم ليحقق مطالب أو يتغاضى عن أخرى، خصوصًا أنّ السلطة بيده وحده. الزعيم في لبنان مرتبط بالطائفة، وكل طائفة تظلم أخرى، فوصلنا إلى جحيم النزاع على السلطة بين الزعماء".


الزعامة وليدة الدم
ويشير قاعي إلى أنّ الطوائف لا علاقة لها بالأديان، بل هي تزييف للروح الدينيّة. ويقول : "عندما نزيل الطوائف نعثر على الدين الحقيقي. الطوائف حالات إجراميّة جرت بين أديان في ساحات القتال للتعارك على السلطة ففصلت بين الناس. والزعامة أتت من الدم. الطوائف، الزعامة هما وجهان لعملة واحدة، أشاعا الفساد في الأرض والبلد وأوصلوا داعش إلينا، وأعادونا إلى عادات الظلم والظلام التي طبعت العصور القديمة".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم