الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

انتخاب رئيس من الشعب: هل هو خلاص الشعب فعلًا؟

المصدر: "النهار
فيفيان عقيقي
A+ A-

في الخامس والعشرين من أيّار (مايو) الماضي، دخل لبنان مرحلة الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى، ومع دخولنا شهر آب (أغسطس) مازال الفراغ مخيّمًا: لا توافق، لا وفاق، لا جلسات انتخابيّة، المسيحيون لم يتفقوا في ما بينهم، الحوارات الثنائيّة لم تصل إلى نتيجة، الكلّ ينتظر الانفراجات الدوليّة والإقليميّة، لكن "البلد ماشي" بانتظار الفرج.


منذ عام 1990، يطالب المسيحيون باسترجاع حقوقهم التي سُلبت منهم في اتفاق الطائف، علمًا أنّها عبارة عن صلاحيّات كان يتمتع بها رئيس الجمهوريّة الماروني في نظام شبه رئاسي، لكنه كان يمارسها بالتوافق مع ممثلي الطوائف الأخرى لأنّ لبنان المتعدّد مجتمعيًا لا يُحكم إلّا بالتوافق، سرعان ما نزعت منه مع تحوّل النظام إلى برلماني والذي تنصّ روحيته على حصر السلطات بالحكومة (مجلس الوزراء ورئيسها ورئيس الجمهوريّة)، مع تفعيل حكم الترويكا القائمة على التوافق أيضًا بين ممثلي الرئاسات الثلاث في البلد.


استرجاع الحقوق المسلوبة وتحقيق المناصفة الحقيقيّة وعدم القدرة على انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ أيار الماضي، وغيرها من الشعارات – المطالبات، كانت وراء طرح رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب، ميشال عون، الذهاب باتجاه تعديل الدستور وانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب. فكثرت الانتقادات التي تحذّر من تبني هكذا طرح باعتباره ينسف التركيبة اللبنانيّة، فيما طالب عون المعترضين بشرح أسباب الرفض.


لا شكّ في أنّ انتخاب رئيس مباشرة من الشعب يمدّه بقوّة شعبيّة ويحتّم قبوله من المسيحيين والمسلمين تماشيًا مع روح الدستور الذي يعتبر الرئيس رمزًا لوحدة الوطن (المادة 49)، كما أنّه يخفّف من الخلل الديموغرافي الناتج من تهجير المسيحيين وعرقلة عمليّات تسجيل المغتربين منهم في سجلات وزارة الداخليّة، ويجعل الصوت المسيحي مساوياً للصوت المسلم خصوصًا أنّ الطرح يقضي بإجراء الانتخابات على دورتين، الأولى على المستوى المسيحي والثانية على المستوى الوطني، إضافة إلى أنّه يترجم الفقرة "د" من مقدّمة الدستور التي تعتبر الشعب مصدر السلطات، وينسف الانقسام السياسي.
لكن ما هي حسنات وسيئات انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب في مجتمع مركّب طائفيًا كلبنان؟ كيف ينسف التركيبة اللبنانيّة؟ وأمام الانقسام والتغييرات الديموغرافيّة وتحوّل الأكثرية السابقة إلى أقليّة راهنة والعكس، هل هناك حاجة ملحّة إلى إعاة تركيب النظام واللجوء إلى مؤتمر تأسيسي؟


طرح غير ملائم
يقول العميد السابق لكليّة الحقوق والعلوم السياسيّة، الدكتور جورج شرف، في حديث لـ"النهار" أنّ الموضوع لا يُطرح لناحية السيئات والحسنات بل يجب معرفة ما إذا كان ملائمًا أم غير ملائم في لبنان. ويضيف : "هناك شروط موضوعيّة يجب أخذها بالاعتبار. أوّلًا تعديل الدستور لانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة غير ممكن دستوريًا في ظلّ الظروف الراهنة لأنّ متطلبات الآليّة الدستوريّة غير متوافرة حاليًا. وفي المنطق الدستوري لا يمكننا اللجوء إلى تعديل مهمّ في وقت كلّ السلطات الدستوريّة غير موجودة وفي ظلّ أزمة سياسيّة، وبالتالي لا يمكن اللعبة السياسيّة أنّ تحلّ مكان المعطيات الدستوريّة في أمور جوهريّة. ثانيًا إنّ انتخاب رئيس من الشعب لا يتلاءم مع منطق مجتمع مركّب مثل المجتمع اللبناني. في المجتمعات المركّبة هناك مكوّنات عدّة تمارس السلطة معًا وبالتالي لا يمكن أي طرف حصر السلطة وممارستها بمعزل عن الآخرين، فذلك بمثابة إعطاء طائفة سلطة تمارسها على الكلّ. ثالثًا لا يمكن انتخاب رئيس من الشعب من دون إجراء تعديلات في صلاحيّاته لتلائم الشرعيّة الشعبيّة التي أعطيت له".


ويشير شرف إلى أنّ دستور 1926 كان شبه رئاسي بالنسبة إلى صلاحيّات رئيس الجمهوريّة ولو أنّه كان منتخبًا من البرلمان. عام 1943 وبرغم أنّ النصّ لم يعدّل إلّا أنّ لبنان أخذ بمنطق التوافقيّة بحيث تكون كلّ الطوائف ممثّلة ومشاركة في السلطة مع وجوب التوافق في ما بينهم في عمليّة اتخاذ القرار. ويضيف: "التجربة التاريخيّة مهمّة، ففي عام 1943 أخذنا بالتوافقيّة بين المسلمين والمسحيين رغم أنّ النظام كان شبه رئاسي برلماني، واستمرّ هذا المنطق حتى اليوم من خلال الترويكا السياسيّة".


ويفسّر: "في الماضي لم يكن النص الدستوري يعطي صلاحيّة لرئيس الحكومة لكن الواقع اللبناني جعله شريكًا والدليل تعيين رشيد كرامي رئيسًا للحكومة رغم معارضة الرئيس سليمان فرنجية الذي يعتبر من الرؤساء الأقوياء. واليوم، ومع أنّ النظام البرلماني في كلّ دول العالم لا يعطي الرئيس صلاحيّات واسعة إلّا أنّ الواقع اللبناني جعله جزءًا في أمور مهمّة وفي عمليّة اتخاذ القرار. فنحن لم نشهد مرّة أنّ أصرّ مجلس الوزراء على قرار ردّه رئيس الجمهوريّة ولو أنّ الإمكانيّة قائمة دستوريًا، لأنّ ذلك يؤدي إلى مشكلات طائفيّة. في لبنان هناك نصّ دستوري يحدّد الصلاحيّات (سواء في النظام البرلماني أو شبه الرئاسي) لكن الممارسة تراعي واقع المجتمع المركّب".


مؤتمر تأسيسي
في السابق اندلعت حرب مارونيّة – درزيّة على الزعامة في الجبل، بعدما طالب المسيحيون بالسلطة عندما باتوا في موقع قوة، فيما رفض الدروز التنازل عن الزعامة التاريخيّة. فهل من حقّ المسيحيين اليوم المطالبة بالمناصفة مع المسلمين بعدما تغيّرت كلّ المعادلات؟ وهل هناك من حاجة إلى إعادة تركيب النظام اللبناني مراعاة لموازين القوى الجديدة؟


يردّ شرف: "الدعوة لمؤتمر تأسيسي تصبح واجبة عند تأسيس أي دولة أو عند حصول تغييرات جذريّة في أسس الدولة. ما الذي تغيّر في تركيبة الدولة اللبنانيّة لإعادة تركيب النظام؟ إذا افترضنا أن تغيير موازين القوى يفترض إعادة توزيع السلطة، فهذا منطق خطر لأنّه يؤدي إلى التفكيك. التأسيس يعني إعادة توزيع السلطة بين الطوائف، وفي لبنان المناصفة هي الحلّ الأنسب. لا يمكن تغيير توزيع السلطة كلّما انقلبت موازين القوى لأنّ ذلك يمهّد لانفجار أو تفكيك".


ويضيف: "كل بناء للسلطة على ميزان قوى هو سبب للتفجير عاجلًا أم آجلًا. المفهومان الأقلوي والأكثري لا يصلحان في مجتمع مركّب حتى لو كان هناك أقليّة. على القرارات أن تؤخذ بالتوافق بين الجماعات، وهذا ما يسمّى في علم السياسة بديموقراطيّة الجماعات خصوصًا أنّ الديموقراطيّة العدديّة لم تعد قائمة في المجتمعات المنسجمة أو المتحضّرة".


شباب الأحزاب
في المقابل، ماذا يقول ممثلو الأحزاب اللبنانيّة عن هذا الطرح، وما هي أسباب رفضه أو تبنيه؟


القوات اللبنانيّة
يقول رئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانيّة ، ملحم رياشي، لـ"النهار" : "حزب القوات اللبنانيّة لا يرفض انتخابات رئاسيّة من الشعب، لكن ظروفنا ليست مكتملة، ولا يمكننا التعاطي مع الملفات والقضايا الوطنيّة المصيريّة بطريقة ديماغوجيّة وأن نستخفّ بعقول الناس. لا يمكن انتخابات مباشرة من الشعب أن تتمّ لأنّ جزءًا كبيرًا منه هو أسير السلاح ولا يمكنه إعطاء صوته بحريّة. وهنا لا أعني الطائفة الشيعيّة فقط بل طوائف أخرى متأثّرة بهذا الفلك أيضًا. إضافة إلى ذلك هناك اعتراضات حول طريقة تقديم الموضوع، كلّ الأمور قابلة للنقاش لكن الوقت الحالي لا يسمح بذلك".


ويضيف: "لا يمكن شخصًا ذاهبًا إلى امتحان يجد أنّه سيرسب فيه أن يطالب بتغيير المنهج. عليه المشاركة في الامتحان ومن ثمّ المطالبة بتغيير المنهج. هناك ولدنة واستخفاف في عقول الناس وتعاطي معهم بطريقة قطيعيّة. الشعب يريد وطنًا لا دولة من دون رأس، والمطلوب بعض التواضع وإجراء الانتخابات".


التيار الوطني الحرّ
من جهة أخرى، يقول عضو لجنة الإعلام في التيار الوطني الحرّ، هشام الهاشم، لـ"النهار": "في نظام ديمقراطيّ كالنظام اللبناني الشعب مصدر السلطات، لذلك، بعد إخفاق النوّاب في انتخاب رئيس جديد منذ الخامس والعشرين من أيّار الماضي، من الواجب العودة إلى الشعب لانتخاب رئيس جديد. رئيس الجمهوريّة هو من الطائفة المسيحيّة، لذلك يجب أن يكون ممثّلًا لطائفته عملًا بروح الميثاقيّة التي ينصّ عليها اتّفاق الطائف".


ويضيف: "منذ عام 1990، لم يُطبّق اتّفاق الطائف الذي ينصّ على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين واحترام الميثاقيّة، وكانت النتيجة بأنّ دفع المسيحيون ثمن الخلل القائم. إذ ارتفع عدد النواب بعد الاتّفاق من 108 إلى 128، 10 مسيحيين و10 مسلمين، وُزّعوا انتخابيًا على مناطق ذات أكثريّة مسلمة، وبهذا خسر المسيحيون 10 نوّاب، واختلّت المناصفة في روحها، فتفوّق الصوت المسلم على المسيحي بعشرين نائبًا. إضافة إلى الخلل في توزيع الدوائر الانتخابيّة بحيث يذوب حوالى 450 ألف صوت من المسيحيين المسجّلين في بعض المناطق البقاعيّة والجنوبيّة والشماليّة، في محادل انتخابيّة مسلمة".


ويقول: "لا يمكنهم ادعاء الحرص على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وهم يقضمون هذه المناصفة بقوانينهم الانتخابيّة الجائرة، وتوزيع النوّاب غير العادل. المسيحيون لا يملكون سوى مناصفة صوريّة لا تعطيهم أكثر من 10 % (على أكبر تقدير) من حقّهم المشاركة في الحكم. هناك مسلمون يؤمنون بالشراكة  الفعليّة لبناء الوطن، وهناك مسيحيون ساروا بخيار التخلي عن الحقوق حفاظًا على مناصبهم. لا نتكلّم طائفيًا، لكن النظام طائفيّ، فإمّا أن نتخلّى عنه سعيًا وراء نظام علمانيّ يقوم على أساس الكفاية والعدالة بين الجميع، وإمّا أن نحترمه ونعطي كلّ ذي حقّ حقّه".


تيار المستقبل
إلى ذلك، يقول منسّق الإعلام المركزي في قطاع الشباب في تيار المستقبل، تمّام العلي، لـ"النهار" : "نحن ضدّ انتخاب رئيس من الشعب مباشرة. التعديل يحتاج إلى ثلثي أعضاء مجلس النواب، لذا طالما نحن قادرون على تأمين النصاب لإجراء تعديل فلما لا نجري انتخابات رئاسيّة. ومن يقدّم هذا الطرح لا يريد إجراء انتخابات رئاسيّة، فالعماد عون يريد إجراء انتخابات برلمانيّة تغيّر المعادلات ومن ثمّ إجراء إنتخابات رئاسيّة تأهّله للوصول إلى بعبدا".


ويضيف: "إجراء انتخابات بالشكل المطروح لا يؤمن حقوق المسيحيين، بل هو لفّ على الموضوع، آخر انتخابات نيابيّة بيّنت أحجام الطوائف المشاركة في العمليّة، وبالتالي هذا الطرح لا يزيد حقوق المسيحيين بل اتفاق الطائف هو من يحفظها لأنّه يحقّق المناصفة ويعطي المسيحيين الموارنة أعلى سلطة في الدولة أي رئاسة الجمهوريّة. نحن نخاف أنّ يؤدي تعديل الدستور إلى فتح أبواب أمام تعديلات أخرى".


وعمّا إذا كان تيار المستقبل ذو الأكثريّة السنية حريصًا على مصلحة المسيحيين أكثر من حرص المسيحيين أنفسهم على حقوقهم، أمّ إنّ الرفض سببه خوف من المدّ الشيعي، يردّ: "لبنان متنوّع ومتعدّد الطوائف، لا توجد أكثريّة وأقليّة، بل كلنا أقليّات قرّرنا أن نعيش معًا وفق صيغة اتفاق الطائف بعد حرب أهليّة أدمتنا كلّنا. المستقبل تيار وطني وليس فقط سنيًا. ولا طائفة قادرة على إلغاء أخرى، ونحن لسنا خائفين من المدّ الشيعي. نحن على خلاف سياسي مع شريحة تمثّلهم، وكلّنا شركاء في الوطن نفسه".


الكتائب اللبنانيّة
في السياق نفسه، يقول عضو المكتب السياسي في حزب الكتائب اللبنانيّة، سيرج داغر، لـ"النهار: "يجب بداية الفصل بين الطرح والتوقيت. نحن لسنا ضدّ الطرح في المطلق، ولكنّنا ضدّ التوقيت. لا يمكن في ظلّ الانقسام السياسي والشغور الرئاسي أن يعدّل الدستور، الأولويّة هي لانتخاب رئيس، كما أنّ المجلس النيابي يعتبر راهنًا هيئة ناخبة وليس تشريعيّة. إضافة إلى ذلك، لا يجوز طرح تعديل الدستور لتطيير الرئاسة، لأنّ المفاوضات بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ لم تفضِ إلى نتيجة".


ويضيف: "ككتائب لبنانيّة، نحن مع تطوير النظام اللبناني، وتطوير صيغة الطائف بعدما بيّنت الممارسة العيوب التي تكتنفها. لذلك، نحن مع تعديل صلاحيّات الرئيس ليصبح لاعبًا أساسيًا، ومع أن تكون المعركة الأساسيّة هي الوصول إلى قانون انتخاب يؤمّن تمثيلًا صحيحًا للمسيحيين".


مستقلون
في المقابل، تقول عبير لـ"النهار" : "النتيجة نفسها سواء انتخب الرئيس من الشعب أو من البرلمان، لأننا نعيش في مجتمع متعدّد الطوائف وقائم على التوافق في ما بينهم. لا أمانع انتخاب رئيس من الشعب مباشرة، لكن هذا المشروع يطرح علامات استفهام أبرزها هل الشعب اللبناني المنقسم طائفيًا وسياسيًا وصل إلى مرحلة متطوّرة من الوعي تسمح له باختيار رئيسه بعيدًا من المحسوبيّات والمفهوم الزبائني الإقطاعي الوراثي الطائفي الذي يختار بموجبه النواب؟ مشكلة لبنان ليست بكيفيّة انتخاب الرئيس، ولا بالحقوق المهدورة، فكلّنا يعلم أنّ التعيينات والصفقات لا تتمّ إلّا بالتوافق بين كلّ الطوائف وكلّ يأخذ حصته، إنّما بالوصول إلى مرحلة تلغى فيها الطائفيّة السياسيّة أو تطبّق الديموقراطيّة التوافقيّة، والحلول الأخرى هي مجرّد دوران خارج الموضوع".


أمّا شربل فيقول لـ"النهار": "انتخاب رئيس من الشعب مباشرة طرح مقبول خصوصًا بعدما وصلنا إلى مرحلة من الانقسام لم يعد قادرًا فيها مجلس النواب على اختيار رأس للدولة. نحن نعيش في فراغ منذ شهرين وبات من الضروري التفكير بحلول عملانيّة. الطرح المقدّم يحفظ حقوق المسيحيين ويمثل المسلمين. لكن بداية قبل المضي بمناقشة الموضوع يجب انتخاب مجلس نيابي منبثق من الشعب، وإعادة الحقوق للشعب لأنه مصدر السلطات".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم