زنزانة في معراب "ذاكرة للحرّية" ولأزمنة الاضطهاد لقاء وجداني وجعجع يرى سجناً كبيراً في الشرق والأنظمة سجّانة
في الذكرى التاسعة لخروج الدكتور سمير جعجع إلى الحرية، دشّن مجسماً طبق الأصل لزنزانة اليرزة التي أمضى فيها 11 سنة وخمسة أشهر وسط غابة سنديان فوق مقر قيادة حزب "القوات اللبنانية" ومنزله وكنيسة صغيرة. الغاية؟ "كي لا تسقط عذاباتنا ومعانيها في النسيان". عبّر عن هذه الرغبة شعار الإحتفال وعنوانه: "زنزانة الحكيم، ذاكرة الحرية".
اللقاء في معراب المغطاة بالضباب، كان وجدانياً، بعيداً من السياسة المباشرة، لولا أنها تجري في دم الدكتورين فارس وأحمد فتفت وكلمتيهما. كشف خلاله سمير جعجع في وثائقي مؤثر وكلمة مباشرة جانباً من شخصيته العنيدة، وإن وحيداً و"تحت تاسع أرض"، في مواجهة نظام سيطر على لبنان وناسه مؤسسات وأفراداً زمناً طويلاً. روى بعفوية تفاصيل من حياته اليومية هناك وما كان يراود أفكاره وهو غارق في صمت مديد بين جدران متقاربة وبضعة كتب وسط ظروف ولا أصعب.
سْعَيد
حضر إلى معراب جمع من النواب والشخصيات واستُهل الاحتفال، الذي قدمته كلارا رفيق سعادة، بالنشيدين اللبناني والقواتي، وألقى منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار الدكتور سعَيد كلمة، مما فيها: "في 26 تموز 2005 توجّهت إلينا قائلاً: "خرجتم من السجن الكبير الذي كنتم قد وضعتم فيه فأخرجتموني معكم بالفعل ذاته من السجن الصغير الذي كنت وضعت فيه"، فعبّرت بكلماتٍ قليلة عن مدى امتنانك للمليون ونصف مليون لبناني من كلّ الطوائف والمذاهب، مواطنين لبنانيين، خرجوا من منازلهم في يوم 14 آذار 2005، بدون تكليفٍ من أحد، وأخذوا قرارهم بالوحدة والتظاهر السلمي فحقّقوا أول انتصار على أعتى سلطة إستبدادية في المنطقة، هي سلطة الوصاية السورية على لبنان، من دون نقطة دمٍ واحدة وبلا عنف. في ذلك اليوم، ردّينا تحيتك قائلين: دخلتَ السجن زعيماً مسيحياً وخرجت منه زعيماً وطنياً".
بعد كلمة للسيدة لينا دياب، ألقى رئيس مؤسسة حقوق الانسان الدكتور وائل خير كلمة بعنوان "مجسم الظلم والصمت والشموخ".
فتفت وجعجع
ومما قال عضو كتلة المستقبل النائب أحمد فتفت: "عندما تسلمت بطاقة الدعوة تساءلت لماذا الذكرى التاسعة؟ انها الذكرى العشرون يا حكيم، فعندما سجنت عام 1994 انقسم اللبنانيون ثلاثة أجزاء: قسمٌ كان ثائراً على ما حدث وقسم هللَ وكان يرى في ذلك نكايات وتصفية حسابات وتمهيداً لقمع الشعب اللبناني، وقسم ثالث وهذا مؤسفٌ ونحن كنا جزءاً منه ونقر أن في بعض أخطاء التاريخ دروساً لنا جميعاً، لم نُدرك أننا ذُبحنا يوم ذُبح الثور الأبيض...".
ثم كلمة الدكتور جعجع: "حياة بكاملها أمضيتها في هذه الزنزانة الصغيرة. ضحكت، بكيت، قمت، ونمت، وكان عندي برنامج عمل يومي أركز كل جهدي لتنفيذه، تماماً كما أفعل الآن، مع فارق في المواضيع والزمان والمكان... كنت أسهر ليالي لوحدي، ولكن في الحقيقة لم أكن وحدي، كان الناس يعتقدون انني متروك، ولكن بالفعل لم أكن كذلك (...) الزنزانة تذكرني دوماً بثورة الأرز، باعتبار أنني سمعتُ عن هذه الثورة للمرة الأولى فيها، ولأنّها كانت إحدى نقاط إرتكاز ثورة الأرز التي أخرجتني منها. باتت الزنزانة الصغيرة وراءنا مجرّد ذكرى للعبرة، ولكن المشكلة في الوقت الراهن هي في الزنزانة الكبيرة التي نعيشها اليوم في لبنان، وفي الحبس الكبير الذي يعاني فيه الشرق بأكمله، فهذا الحبس الكبير، كان الشرق أصلاً موجوداً فيه، وما يحدث اليوم أن هذا الشرق يحاول ان يخرج منه، ونشهد ما نشهده لأن السجّان بلا قلب، ولا رحمة، ولا شفقة...".
ولفت الى أن "الشرق كان يعيشُ ظروفاً اصطناعية مفروضة عليه بقوة الأنظمة، ولكن اليوم بدأ يكتب تاريخه الحقيقي، إنما للأسف بأغلى ثمن ممكن، وبأسوأ طريقة ممكنة".
وقال: "الزنزانة الكبيرة في لبنان، لم نكن نحن أصلاً في داخلها حتّى في عزّ أيّام الحرب، ولكن في السنوات الخمسةوالعشرين الأخيرة يحاولون إدخالنا إليها، إنها زنزانة من دون جدران بل مع ضغط كبير، إنها زنزانة فيها شحّ مياه دائم، وشحّ غذاء دائم، وشحّ هواء دائم، هي زنزانة مكهربة دائماً، ولكن من دون ضوء، وحتّى الأمن ليس مؤمناً في داخلها بل فيها تفجيرات، وإنتحاريون، وسلاح وصواريخ...".
وذكّر جعجع: "مئات المرّات في تاريخنا كسَّرنا الزنزانة وخرجنا منها، وهذه المرّة من جديد، سوف نحطّم الزنزانة ونخرج منها... فكما تحرّرنا من الزنزانة الصغيرة، سوف ننعتق من الزنزانة الكبيرة، فالزنزانة اليوم بالنسبة لنا ذكرى، ولكن غداً سوف تكون لهم عبرة".
تخللت الاحتفال قراءات في أدب المعتقل بصوت الإعلاميين بسّام براك ولينا دوغان واختتم اللقاء بجولة في أرجاء مجسّم الزنزانة وكوكتيل.