الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

قانون منع التدخين: هل احترق كسيجارة ؟

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
A+ A-

في الثالث من أيلول (سبتمبر) 2012، استبشر اللبنانيون غير المدخنين خيرًا بصدور القانون 174 الذي يمنع التدخين في الأماكن العامّة والمغلقة، وبوشر تطبيقه بصرامة بغض النظر عن احتجاجات أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي الليليّة. وما هي إلّا شهور حتى عادت ظاهرة النرجيلة والتدخين في كل مكان، فيما الشرطة السياحيّة تحرّر ضبوطًا لبعض المخالفين وتغضّ الطرف عن آخرين، كلّ بحسب الدعم الذي يؤمّنه أو الرشوة التي يدفعها.


حسنًا، قد تكون النرجيلة، أبسط وأوفر ما يلجأ له المواطن اللبناني للتنفيس عن همومه ومشكلاته اليوميّة وعدم اكتراث الدولة بتأمين أبسط حاجاته وحقوقه. وفي هذا السياق، يقول أحد المواطنين: "أنا من المدخنين، وهنا لست أشجّع على هذه العادة أو أروّج لها، لكن المغزى أنّ القانون لم يحدّ من حريتي أو من ولعي بالنرجيلة، بل دفعني إلى احترام رغبة غيري بالحفاظ على صحّتهم وهذا حقّهم المكتسب، باعتبار أنّ حريتي تقف عندما تبدأ حريّة غيري، إضافة إلى أبعاد هذا القانون الصحيّة والبيئيّة والحضاريّة. لكن اللافت هو تراجع اللهفة حيال تطبيق القانون بعد أشهر على صدوره، على حساب تكاثر الرشاوى والمحسوبيّات، وكأنّ القوانين في لبنان تشرّع وتصدر لشرعنة الفساد خصوصًا في ظلّ غياب أي رقابة مستدامة وحقيقيّة.


أين أصبح تطبيق القانون 174؟ هل هناك ثغرات توجد ضرورة لإعادة النظر فيه؟ ولماذا حقوق المواطن العادي مهضومة أمام سلطة ونفوذ كبار الرأسماليين في البلد وأصحاب المصالح؟


ثغرات وعوائق
يقول وزير السياحة، ميشال فرعون لـ"النهار" أنّ كتلة "المستقبل" النيابية التي ينضوي تحت رايتها صوّتت على القانون منذ حوالى السنتين على الرغم من الثغرات الموجودة فيه، ويضيف: "على القانون أنّ يطبّق ووزارة السياحة حرّرت آلاف الضبوطات في عهده وعهد سلفه، وفي المقابل على القانون أنّ يخضع للتقييم لسبر الثغرات ومعالجتها. وزارة السياجة اجتمعت مع جميعة "حياة حرّة بلا تدخين" التي تتابع هذا الملفّ، واتفقنا على ضرورة وجود آليات لاستمرار التوعية حول الموضوع. فقانون من دون وعي لا يفيد، ووعي من دون قانون لا يوصل إلى نتيجة".


ما هي الثغرات التي يطالب فرعون بإعادة النظر فيها؟ وهل إنّ المصالح الخاصّة تحول دون تطبيق القانون الذي يخدم الصالح العام؟ يردّ: "نحن نعمل مع لجنة الصحّة النيابيّة لنتوصل إلى نتيجة حول كيفيّة تحسين القانون، خصوصًا أنّه غير واضح وهناك تناقض يمنع تطبيقه بسهولة. نحن ندرس الطرق الممكنة لتطبيقه بحيث لا نقسو على أصحاب المؤسّسات التي عانت كثيرًا وتكبّدت خسائر كبيرة نتيجة التدهور السياسي والأمني في البلد، إنّهم يطالبون بقليل من الرحمة ومراعاة ظروفهم. هناك مصالح متأثّرة وتعترض وتضغط، لكن تطبيق القانون يبقى الأهمّ".


تراخ وتقاعس
لا شكّ أن التراخي في تطبيق القانون واضحٌ بغض النظر عن التبريرات المقدّمة. في هذا السياق، تقول نائبة رئيس جمعيّة "حياة حرّة بلا تدخين" رانيا بارود، لـ"النهار" أنّ الجمعيّة تطوّعت، وما زالت، لمراقبة تطبيق القانون والتبليغ عن أي مخالفة، لكن لا سلطة تنفيذيّة لها لتحرير ضبط، بل هي مسؤوليّة الشرطة السياحيّة والوزارة التابعة لها. وتضيف: "مارسنا ضغوطاً على المسؤولين لتفيعل تطبيق القانون، لكن الشرطة السياحيّة تتشدّد في تنفيذ القانون أحيانًا وتتراخى في أحيانٍ أخرى، حتى الآن حرّر حوالى 8000 ضبط، لكن كلّها كانت خلال فترة وزير السياحة السابق فادي عبود، أغلبها كانت في المطار وبعضها في المطاعم والمؤسّسات".


وتشير بارود إلى أنّ هناك مشكلتين تحولان دون لمس مفاعيل القانون، نافية وجود أي ثغرات فيه، وتقول: "المشكلة الأولى تكمن في تحويل الضبوطات غير المدفوعة من المخالفين إلى القضاء، تمامًا كأي ضبط آخر، وبالتالي تنفيذه يأخذ وقتًا طويلًا بسبب الروتين في المحاكم، وإلى حين دفع الضبط يكون المخالفون وأصحاب المؤسّسات حصّلوا الملايين من التدخين، كما أنّ الضبط قد يقفد قيمته الماليّة. أمّا المشكلة الثانية فهي عدم تحرير أي ضبط منذ تولي الوزير ميشال فرعون حقيبة السياحة، إذ لم تتحرّك الشرطة السياحيّة بسبب غياب أي قرار لتطبيق القانون".


تضارب مصالح
وتضيف بارود: "لدينا معلومات كثيرة، منها أنّ القائمين على شركات التبغ والريجي شكّلوا لوبي ضغط وجالوا على كلّ الوزارات لنسف القانون، وقاموا باستشارات قانونيّة للالتفاف عليه، وهذه الممارسات ليست بجديدة بل تحصل في كثير من دول العالم، لكننا اعتقدنا أنّ وزراءنا لديهم مناعة أكبر وإرادة أقوى لتطبيق القانون. إبداء الرأي بالقانون لا يندرج ضمن واجبات الوزير، بل يكمن عمله في تطبيقه، والأمثلة كثيرة: هناك وزير يمانع تطبيق القانون طمعًا بأصوات انتخابيّة، فيما آخر يرفض القانون لأنّ السيكار الذي يقدّمه له ناصيف سقلاوي (رئيس إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانيّة) من أفضل ما حصل عليه. هذه أحاديث سمعناها عن ألسنة الوزراء، فكيف يمكن القانون أن يمشي أمام هذه النماذج من المسؤولين؟".


وعن التضارب بين المصالح الخاصّة والعامّة، تؤكّد بارود أنّ الأمر واضح، وتقول: "الريجي تشرف عليها طائفة معيّنة تحت رعاية الرئيس نبيه برّي، فوزير المال هو وزير الوصاية عليها. إدارة حصر التبغ والتنباك ممسوكة من وزارة المال أيضًا. هناك ضغوط من قبل شركات التبغ العالميّة على الفاعلين وأصحاب القرار. أمام ذلك يبرز التناقض، فكيف يمكن الدولة أنّ تطبّق القانون أو أن ترفع سعر الدخان بخلاف مصلحة الريجي، وهي لم تكتفِ بذلك بل أنتجت نوعًا جديدًا من الدخان أرخص من كلّ الأصناف الموجودة في السوق وروّجت له بدعايات مخالفة القانون. الدولة تناقص نفسها ولا توجد أي نيّة لتطبيق القانون، والحلّ في مجيء وزير "بطل" يدرك مسؤوليّاته ولا يراعي المصالح الخاصّة على حساب العامّة منها".


الوضع الراهن
إلى ذلك، تؤكّد بارود أنّ الجمعيّة والمجتمع المدني المؤيّد للقانون لم ولن يستسلموا، فتجارب الدول الأجنبيّة لا تختلف كثيراً عن لبنان، ففي فرنسا مثلًا طبّق القانون بعد ست سنوات، أمّا في سويسرا فهو لم يطبّق رغم صدوره منذ خمس سنوات.


وتضيف: "نحن نرى الإنجازات، واليوم الوضع أفضل ممّا كان عليه قبل سنتين، فإذا استثنينا مقاهي النرجيلة والملاهي الليليّة، نجد أنّ هناك مطاعم محترمة تلتزم بالقانون، مثلًا يوجد حوالى 400 مطعم في بيروت يمنع التدخين، كما أنّ الشركات والمصارف والمستشفيات تلتزم به. هناك تراجع في تطبيق القانون بنسبة 50%، لكننا مستمرون بحملتنا وبجولاتنا والضغوط اللازمة لتفعيل التطبيق".


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم