الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

صحة جنسية - اللمس والنظر والخيال والهوّامات وحياة المراهق الجنسية

الدكتور بيارو كرم
A+ A-

مرحلة المراهقة هي أصعب مراحل العمر من الناحية النفسية. فيها، يكتشف الشخص ذاته ويكوّن شخصيته. في سن المراهقة جميع الأمور الحياتية لا سيّما الإجتماعية والعلائقية منها تأخذ أبعاداً وتفسيرات لا نهاية لها. كل شيء مُمكن ومُباح للمراهق، لا جدوى من الشروح المستفيضة والتفسيرات المُسهبة، فهو وحده من يضع القواعد لنفسه!


الحياة الجنسية سِمة إنسانية طبيعية تحتلّ مكانة مركزية مدى الحياة وهي تشمل الفعل الجنسي، والهوية الجنسية، والإنتماء الجندري، والتوجّه والميل الجنسي، والإيروتيكيّة، والمتعة، والحميميّة والإنجاب. يشعر المرء بالحياة الجنسية ويعبّر عنها بالتفكير والخيال والرغبة من خلال ما اكتسبه من معتقدات ومواقف وقيم وسلوك وعلاقات. في حين تشمل الحياة الجنسية كل هذه الأبعاد، إلاّ أن الشعور بها وعيشها أو التعبيّر عنها ليس بالأمر السهل دائماً. إذ أنها تتأثر بتفاعل العوامل البيولوجية، والنفسية، والإجتماعية، والإقتصادية والسياسية، والثقافية والأخلاقية، والقانونية، والتاريخية، والدينية والروحية...
يشكّل النمو الجنسي جزءاً مهماً من التطور الإنساني. تتم الإشارة إليه من الناحية البيولوجية، وخصوصاً ما يرتبط بمرحلة البلوغ. يمرّ المراهقون بتغييرات فيزيولوجية جسدية تدلّ على نضوجهم البيولوجي الجسدي والنفسي الجنسي. هذه التغييرات تكون مصحوبة بحالة من الهشاشة النفسية المطلقة وبأحاسيس جديدة يشعرون بها من خلال اللمس والنظر والخيال والهوّامات. جميع هذه التغييرات والمشاعر والحالة النفسية المستجدّة إن دلّت على شيء أساسي في حياة المراهق، فهي تدلّ على تطور مفهومه الشخصي للذات وإدراكه لنموه الجسدي والفكري ولتفاعلاته البيولوجية والعاطفية في حياته العملية اليومية وحياته الجنسية. كما تؤدي أيضاً دوراً أساسياً في جميع ما يقرّره في خياراته وعلاقاته.
معظم الأشخاص يستهلّون تجربتهم الجنسية مع الآخرين خلال اعوام المراهقة وكثرٌ منهم يكونون قد أقاموا علاقات جنسية عند بلوغ سن الرشد أو بعده سواء كان ذلك ضمن إطار الزواج أو خارجه. قد تكون التجارب الجنسية مسلّية ومُثيرة أو مُربكة ومُخيفة أو تؤدي إلى حمل غير مرغوب فيه أو إلى أمراضٍ منقولة جنسياً أو حتى إلى عنفٍ جنسي. إستيعاب هذه التجارب يقوم على المفاهيم المختلفة التي يعطيها المراهق لحياته الجنسية وعلى فهمه لنموّه الجنسي.
الإنسان بطبيعته فضولي يبحث دائماً عن كل جديد وبما أنه يتأقلم سريعاً فهو دوماً يسعى وراء أحاسيس أخرى متنوّعة. يتجسّد هذا الطبع في جميع مجالات الحياة: فالإنسان يحبّ دائماً تذوّق أطعمة جديدة، والإستماع إلى أنواع موسيقية مختلفة، ويبحث عن الإثارة في جميع ممارساته كالرياضات التي تجمع بين السرعة والمخاطرة. وعندما يعتاد على شيء ما، يرغب في التغيير لإيجاد أحاسيس ومصادر متعة أخرى. والطبع نفسه يشمل كل نشاط جديد وأحاسيس إيروتيكية جديدة حتى لو كان الفضول محفوفاً بالأخطار. عِلماً أن حدود الفضول الجنسي تتأثّر بالبيئة الثقافية وبالمحيط الإجتماعي. لذلك تتمحور جميع نشاطات ومفاهيم الأطفال وقِيَم البالغين حول المبادئ الإجتماعية، والسيناريوهات الثقافية، والقوانين والممارسات التعليمية والتربوية والطبية والدينية إلخ... أُذكّر على سبيل المثال، أنه ولتاريخ حديث، كان الإستنماء ما زال يعتبر ممارسة لا أخلاقية ويوصف بالـ"المرض". إلى حدّ أنه في عصور غير بعيدة، كانت أحزمة العفّة وألبسة النوم الخاصة والعقوبات الجسدية والعلاجات الطبية وغيرها تُستخدم لمعالجته.


عن الميول واكتشاف الذات
الميول الجنسية تواكب النمو النفسي وذلك بفعل التركيبة النفسية والتجارب الجنسية التي يعيشها المراهق خلال حياته وتفضيله لسِمات معيّنة: المظهر الخارجي، وحجم الثديين، وشكل القضيب، ولون الشعر، والإنتماء الجنسي، وعدد الشركاء، والوضعيات الإيروتيكيّة وكل ما أمكن من ممارسات جنسية، ومكان وزمان حصول العلاقة الجنسية وغيرها من تفاصيل.
التفضيل الجنسي يقوم بشكل أساسي على عاملين: عامل إجتماعي وهو المحيط الثقافي، وعامل فردي يرتبط بالتجارب الجنسية الفردية. المحيط الثقافي له أهميته؛ إن كان المجتمع يقيّم الثنائي الغَيْري ويعادي بشدّة المثلية الجنسية، يتزايد إحتمال ميل المراهق لخيال وسيناريوهات جنسية غَيْرية، ما يساعده على تكوين ذاته ويرجحّ تفضيله الغَيْري. تنشأ الميول الجنسية كما ينشأ غيرها من التفضيلات والميول: لكل شخصٍ أفضلياته إن في مجال الطعام، أو الموسيقى، أو العطور، أو الأنشطة الترفيهية وما شابه. التفضيلات والميول ليست ميزة خاصة بالحياة الجنسية لدى البشر، إنما هي ظاهرة نفسية شاملة.
يتلقّى الطفل ومن ثم المراهق خلال فترات النمو، معلومات حول الحياة الجنسية تجعله يعيش حالات إيروتيكية. من هذه التجارب تنشأ عواطف وأحاسيس تحدّد معالم حياته الجنسية كشخص راشد. والتفاعلات العاطفية للطفل مع محيطه لها تأثيرها البالغ. إن وجد الأهل الطفل يمارس ألعاباً ذات طابع جنسي مِثلي، يغضبون منه ويعاقبونه - ما معناه إذلال - أو حتى يضربونه – ما معناه الألم -. وتبقى هذه المشاعر والمخاوف وغيرها من عقد الذنب معه كمراهق ولمدى الحياة.
ما يفهمه المراهق عن حياته الجنسية يقوم على مشاعر وأحاسيس حلّلها فكرياً على غرار الإحساس بالذنب أو صورة الذات. يشعر المراهق بأنه "طبيعي" أو العكس لأنه يُدرك أن الأنشطة الجنسية الغَيْرية تحظى بإستحسان المحيط والمجتمع، كما تشعر المراهِقة بإحساس كبير بالذنب إذا فقدت عذريتها قبل الزواج وشعرت بأنها قد دنّست شرف العائلة. من لحظة تكوينه ولغاية سن الرشد، يتعايش المرء مع تجاربه وأحاسيسه، ما يُحدّد ويُنظّم تفاعلاته العاطفية في حياته الجنسية ونشاطه الإيروتيكي. وهنا أشدّد على أن زيادة الممنوعات الثقافية وما شابه تؤثّر سلباً على التنوّع الإيروتيكي.
مع النمو النفسي وتجارب حياة كل شخص، تلعب المتعة الإيروتيكية دور المبدأ المُنظّم البنيوي لشخصيته النفسية وسلوكياته، بحيث تُصبح الأنشطة الإيروتيكية أكثر فأكثر نمطية، ومتطوّرة ، ومحدّدة، وواعية وطوعية. عند النضوج، تُصبح الأولويات واضحة والهدف المرجوّ محدداً؛ وتتمحور الأنماط العقلية والأنشطة الجسدية الحركية حول المتعة والإشباع والأحاسيس الإيروتيكية ومن ضمنها المتعة والرضى الجنسي.


رموزوعلاقات
معتقدات ومبادئ وقيم ورموز المراهق هي نتيجة محيطه وتطوّر قدراته الفكرية التي تُنظّم سلوكه الإيروتيكي من جهة وتُعقدّه من جهة أخرى. الإحساس بالراحة النفسية، والسلام الداخلي، والحرية في الرغبة والشهوة، والإنسجام التام مع الجسد، ليس بالأمر السهل ولكنّه ممكن في جميع الأعمار لا سيّما خلال المراهقة ... إنها مسألة مشاعر وحرية داخلية ونظرة إيجابية إلى الذات. وهذا ما يعدّل الفكرة المُركبّة عن هويته النفسية والإجتماعية. حُكماً سيُكوّن صورة جديدة عن ذاته وسيكون لتعامله مع العادات والمعتقدات بُعد جديد. خوض الحياة الجنسية يؤثّر حتماً على صورة الذات.
في العلاقة الجنسية الغَيْرية، إكتشاف الجنس الآخر والتقرّب منه مُربك. يوقظ لدى المراهق خوفاً و فضولاً كبيراً في آن. يقوم حينها بمراقبة الآخر أكثر من التحدث إليه. تشعر المراهِقة كما المراهق بصعوبة مشاركة الأحاسيس والأسرار خصوصاً مع شخص من الجنس الآخر.
العلاقات بين المراهقين تخضع لقواعد مُعقّدة وإن كانت بسيطة ظاهرياً: أهمية الشائعات، وتوتّر التواصل. ينغلق المراهق على التساؤلات حول الحميمية ويتردّد في الكشف عن هذه الأمور التي هي بالنسبة له مواضيع لا يمكن التحدّث عنها ومشاركتها مع الغير لذلك يشعر بأنه من الأفضل، ومن باب الدفاع الإحتياطي، الإحتفاظ بها لنفسه.
في العلاقات بين المراهقات والمراهقين، الجميع يُدرك أهمية المعالم الجسدية، ويبقى الجسد مرجعاً أساسياً في كيمياء الإنجذاب وقنوات الإغراء ووسائله. وفي الإغراء، إن من وجهة نظر المراهق أو المراهِقة، يطغى السلوك التقليدي المبني على التفرقة بين الذكر والأنثى وعلى عدم المساواة بين الجنسين وإستغلال أحدهما للآخر. المبالغة في سلوكيات وحركات الإغراء تسمح لكل منهما بتجديد التأكيد على ميوله الجنسية وفرض إنتمائه الجنسي.


الأهل والتربية الجنسيّة
أما في ما يتعلّق بالأهل؛ ففي عصرنا هذا يرغب البالغون أكثر فأكثر في اللهو كأطفال صغار أو كمراهقين. ويُصبح المراهقون نموذجاً للراشدين، ما يمحو الحدود بين الأجيال. يرغب الأهل في أن يكونوا أصدقاء لأولادهم وليس مجرد والدَيْن لهم ومن هنا لا تتّضح حدود سلطتهم بالمطلق، ما يُبعد الأولاد عن إطار الرابط الإجتماعي الطبيعي أي الفارق بين الأجيال. الآباء والأمهات عندما يتشبّهون بأطفالهم، يحرمون هؤلاء من إمكان التماهي معهم والتماثل بهم. هذا الإلتباس في تراتبية الأجيال ومكانة كل جيل يجعل مهمّة تكوين الهوية الفردية للمراهقين أمراً في غاية التعقيد والصعوبة.
ولإطلاع المراهقين بشكل مناسب على الحياة الجنسية، على الأهل مُحاورة أولادهم بصراحة تامة، سواء بلغوا أم لا سن المراهقة، بشأن الحياة الجنسية والعمل الجنسي والعلاقات الجنسية المحميّة، والعلاقات العاطفية الصحية وتأثير الكحول خلال العلاقات ذات الطابع الجنسي.
من المُستحسن أن يُعلّم الأهل أولادهم مفهوم البُعد النفسي للعمل الجنسي. وليس من الممكن إحراز تقدّم مستقرّ على الصعيد النفسي والعملي إن لم يأتِ الوعي والتثقيف أيضاً من الأهل. ومن هنا الدور الأساسي للعائلة في هذا المجال. عندما يتحدّث الأهل إلى أطفالهم، عليهم منحهم المعلومات الأوضح والأصدق والأقرب إلى الحقيقة. لا داعٍ للخوف من الإسراف في شرح المعلومات فالأولاد يستَوْعبون ما يستطيعون كلّ حسب عمره. لذلك فإن الموقف الأمثل يقضي بالتحدّث من دون مواربة عن الحياة الجنسية مع الأطفال كما المراهقين، إن كان هذا الأمر لا يُشكّل مصدر إنزعاج للأهل. وفي واقع الأمر، ما يشرحه الأهل عن الحياة الجنسية لأولادهم إنما هو مجرّد إنعكاس لحياتهم الجنسية الخاصة.
على المراهق أن يرغب في عيش أحاسيسه وتغذّيتها وإثرائها تدريجياً. لذلك على علاقته الجنسيّة الأولى أن تكون نتيجة لمسعاه ولمسيرته الشخصية، وليس أمراً يقوم به لتقليد الآخرين. أما في ما يختصّ بالمتعة؛ ليست معرفة القدرات الذاتيّة عن الجنس بالأساسيّة ولكنها تساعد على الشعور بمزيد من الثقة للتفاعل مع الآخر. وقد يُشكّل الإستنماء، أي العادة السرية، بالنسبة إلى الكثيرين الوسيلة المناسبة والصحيحة لإكتساب تلك المعرفة وللتعلّم.
المرة الأولى ليست سوى خطوة في عالم الحياة الجنسيّة الراشدة. لذا، من البديهي أن يشعر المراهقون بالسعادة لتجاوزهم هذه الخطوة.


*اختصاصي في الصحة الجنسية والصحة النفسية
www.heavenhealthclinic.com


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم