الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

التقنين لا يفارق يوميات اللبناني مع استمرار تفاقم الأزمة المزمنة \r\nالكهرباء تكلّف الدولة سنوياً 1,5 مليار دولار والقطاع "إلى الوراء درْ"

موريس متى
A+ A-

هي حكاية "بريق الزيت"، أزمة الكهرباء والتقنين التي لم يتمكن أحد حتى اليوم من إيجاد الحل النهائي لهذه المشكلة في لبنان والتي لا تنفك عن التأثير سلباً في الوضع الاقتصادي العام في البلاد والحركة التجارية، ولكن بشكل أساسي على يوميات المواطن الذي طفح كيله من هذه الأزمة، فهو الذي يدفع فاتورتين للحصول على الكهرباء، الأولى لمؤسسة كهرباء لبنان والثانية لأصحاب المولدات الخاصة.
إذا عدنا بالتاريخ الى ما قبل الحرب اللبنانية التي اندلعت في العام 1975 لتذكرنا ان التغذية بالتيار قبل هذا التاريخ كانت على مدار الساعة ومن دون انقطاع، في وقت كان لبنان من يورد في حينها الكهرباء الى سوريا، فوصل به الحال بعد حوالى 30 سنة الى شرائها منها. أما بين عامي 1991 و1992، اي بعد خروج البلاد بأشهر قليلة من الحرب، ومع بدء عملية إعادة الاعمار كان اللبنانيون يتمتعون بما بين 18 و 19 ساعة تغذية بالتيار الكهربائي يومياً، وهذا الواقع استمر في التدهور على رغم قرار الحكومات المتعاقبة بزيادات مستمرة لحجم الانفاق على الكهرباء حتى وصلت ساعات التقنين في لبنان الى حوالى 14 ساعة يومياً في بعض المناطق والى حوالى 3 ساعات في بيروت الادارية.
واللافت أن قول "مصائب قوم عند قوم فوائد" يصحّ في هذه الحال لمصلحة أصحاب المولدات الخاصة بعدما وصلت في بعض الاحيان كلفة الاشتراكات بالمولدات الى نحو 200 ألف ليرة للمشتركين بـ5 أمبير، في وقت تكشف فيه بعض الارقام ان هذه المولدات تنتج حوالى 750 ميغاواط من الكهرباء. أي أن أكثر من 40% من حاجات اللبنانيين للطاقة تعتمد على المولدات الخاصّة.
وأيضاً، يبقى لهذه الأزمة تداعياتها على النمو الاقتصادي، إذ كشف رئيس لجنة الاشغال العامة والنقل النائب محمد قباني ان 75% من الشركات اللبنانية تعتبر أن الكهرباء تشكل عائقاً رئيسياً أمام النمو والقدرة التنافسية، أما على المستوى الاجتماعي فإن متوسط فاتورة الكهرباء للأسرة في لبنان يقدر بأكثر من 1200 دولار سنوياً تدفع أكثر من ثلثيها للمولدات الخاصة. ولا بدّ من الاشارة الى ان قطاع الكهرباء يستنزف الدولة بأكثر من 1,5 مليار دولار سنوياً اي حوالى 18% من إجمالي وارداتها، وهذا الواقع ينعكس سلباً أيضاً على القطاع الصناعي الذي يخسر سنوياً حوالى 400 مليون دولار جراء هذه المشكلة بحسب البنك الدولي. والجدير ذكره أن مؤسسة كهرباء لبنان تُكلف الخزينة مبلغ 3000 مليار ليرة سنوياً (2 مليارا دولار) كما أن العجز المتراكم منذ العام 1992 وحتى اليوم يفوق الـ 30 مليار دولار.


وبعد...
خلال آخر ثلاثين عاماً تعاقب على وزارة الطاقة والمياه عشرة وزراء من مختلف الانتماءات السياسية، ومنذ 17 عاماً لم يتم اتخاذ أية خطوة تجاه إدخال بعض التحسينات الى واقع قطاع الكهرباء باستثناء بعض الخطة ومنها التي وضعتها جمعية الصناعيين لإعادة تدوير النفايات وتوليد الطاقة منها والخطة التي وضعها وزير الطاقة والمياه السابق جبران باسيل.


الأسباب
على رغم ان الدولة تنفق سنوياً أكثر من 1,6 مليار دولار على الكهرباء لم يلاحظ اي تحسن في هذا القطاع، بل بالعكس، النتيجة تبقى واحدة وهي التراجع المستمر لساعات التغذية، وأسباب هذه المشكلة تعود إلى كلفة الإنتاج المرتفعة، إذ تصل كلفة إنتاج كل 1 ميغاواط الساعة في لبنان الى 255 ألف ليرة لبنانية وذلك استناداً الى الخطة الاستراتيجية لقطاع الكهرباء التي كان أعلن عنها الوزير باسيل خلال تسلمه وزارة الطاقة والمياه، 75% منها كلفة فيول في الوقت الذي تراوح فيه هذه الكلفة عالمياً ما بين 1 أورو (2000 ل. ل) و30 أورو (62000 ل. ل.) لكل 1 ميغاواط الساعة، ومن هنا تُشم رائحة فضيحة كبيرة تتعلق بكارتيلات النفط التي تضع يدها على استيراد الفيول والتي تفرض سعر مبيع هو من الاعلى عالمياً على مؤسسة كهرباء لبنان، كما أن الكفاية الحرارية المستخدمة في لبنان متدنية جداً، مما يعني أن عدد الكيلواطات في الساعة المنتجة لكل برميل من الفيول هي أيضاً من الأدنى عالمياً. ومن أسباب تدهور قطاع الكهرباء في لبنان وتفاقم مشكلة التقنين أيضاً، الأعطال المستمرة في معامل الإنتاج والنقص الكبير في المحطات وخطوط النقل ويضاف الى ذلك التعديات على الشبكات العامة وتراجع الجباية، وأيضاً هنالك مشكلة الطلب غير المسبوق على استهلاك الكهرباء والناتج عن استقبال لبنان لأكثر من 1,5 مليون نازح سوري على أراضيه. فبحسب الارقام، لبنان يحتاج الى حوالى 2500 ميغاواط في وقت ذروة الطلب على الكهرباء وهذا المستوى من الانتاج لا يمكن تحقيقه إذا استندنا الى القدرة الانتاجية الحالية للمعامل المتهالكة. مثلاً، معمل دير عمار الحراري الذي يجب ان يصل إنتاجه الى حوالى 460 ميغاواط يعاني من أعطال دائمة مما يؤدي الى إهدار أكثر من 35% من إنتاجه.
وتشير بعض الأرقام الى أن ما بين 30 و40% من الطاقة المنتجة في لبنان يتم إهدارها، في وقت تكشف دراسات حديثة ان 60% من محطات توليد الكهرباء يعود عمرها الى أكثر من 20 عاماً و10% من هذه المحطات بلغ عمرها نحو 40 عاماً.


الحل...
أما حلّ أزمة الكهرباء في لبنان فهو ليس مستحيلاً ويبدأ بوضعها في أولويات حكومة المصلحة الوطنية، مما يفرض وضع استراتيجيّة فوراً لهذه الغاية والتي لا تحتاج الى وقتٍ طويل والى جهدٍ كبير لأنّ مساحة لبنان صغيرة، ما يعني أن عدد المعامل الضرورية لسدّ حاجة لبنان البالغة 2600 ميغاواط، لن تتعدّى ثلاثة أو أربعة معامل.
ومن الخطوات الممكنة لحلّ مشكلة الكهرباء يمكن ان تكون من خلال شراء الفيول مباشرة من المصدر من دون المرور بشركات الاستيراد مما يُقلل حجم الفواتير المستحقة على الدولة اللبنانية بشكل كبير؛ ووضع خطّة طويلة الأمد يتم تنفيذها فوراً وتقضي بالتخلّي عن البترول في إنتاج الكهرباء واعتماد تقنيّات جديدة تعتمد على الغاز والشمس والفحم (Pulverized Coal).
وهذه التقنيات جديدة لا تُلوث البيئة. كما يجب البحث فوراً عن مصادر جديدة للطاقة بكلفة أقل بالاضافة الى بناء معامل جديدة واعتماد الطاقة المتجدّدة (مثل الشمس، الهواء، الوقود الحيوية...).


مزيد من الحلول
يضاف الى هذه الحلول أهمية التعجيل في اعتماد نهج الشركة بين القطاعين العام الخاص لإنشاء معامل إنتاج الطاقة واعتماد آلية التلزيم المفصلة في مشروع قانون الشركة بين القطاعين العام والخاص الى حين إقرار هذا القانون، هذه الآلية تشرك كل الجهات المعنية فيه، بما فيها المجتمع المدني والسلطات المحلية في اتخاذ القرارات المتعلقة بتصميم المشروع، مما يخفف احتمال تعثره في مراحل تنفيذه أو تشغيله بالاضافة الى التعجيل في تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء تطبيقاً للقانون، وفي ضوء مهلة السنتين التي حددها القانون 288/ 2014.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم