الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

40 سنة على اغتيال الشهيد محمد نعمان في لبنان

لطفي نعمان – صنعاء
A+ A-

مثّل بقاء الأستاذ محمد أحمد نعمان داخل اليمن "هماً مؤرقاً" لبعض القوى المضادة لفكرة بناء الدولة اليمنية الحديثة الواحدة، وانتهاج الحوار سبيلاً للشركة في ذلك، حتى عُدّ "رجل الحوار" الأول بتعبير صديقه المرحوم ميشال أبو جودة.
أيضاً، شكلت "أمراً مقلقاً" رحلاته إلى بيروت "عاصمة الإعلام العربي- يومئذ" التي لمع نجمه فيها حتى أفل، لا سيما يوم عادت ما سُمي بطبقة "العسكريتاريا" إلى الحكم في الثالث عشر من حزيران 1974 بعد تنسيق المواقف بين قيادة الحركة أو الانقلاب مع مراكز القوى الاجتماعية والخارجية الفاعلة. خاصة وقد حُسِبت عليه بعض المواد "اليمانية" المنشورة في صحف لبنان ناقدةً استلاب الحكم من المدنيين!
فاعلية الشخصية السياسية المدنية، الأستاذ نعمان الابن، في الحقل السياسي الوطني كمستشار سياسي لرئيس المجلس الجمهوري، أو نائب لرئيس الوزراء ووزير خارجية أو سفير للجمهورية أثارت خصومة من رأوا فيه قدرةً وحضوراً وابتكاراً وابتداراً لا يُبارى بصفته مدنياً أعزل سلاحه الإيمان بوحدة اليمن شمالاً وجنوباً ووجوب استقلاله واستقرار جمهوريته وضرورة تقدمه وتطوره.
في سبيل تقدم وتطور اليمن واستقرار جمهوريته، برع محمد نعمان في إدارة حوارات "المصالحة" ابتداءً من مؤتمر المصالحة الوطنية الأول بين الجمهوريين والملكيين في تشرين الأول – تشرين الثاني 1964 حتى كسب اعتراف العربية السعودية بالجمهورية والتحضير لزيارة الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني إلى المملكة العربية السعودية عام 1971، وكذا مباحثات "الوحدة" في طرابلس وانتزاعه تأييد الأشقاء لاتفاقية طرابلس رغم بعض التحفظات. و"الانفتاح على الخارج" بما يعزز مكانة اليمن ونهجه البارز في "الحياد الإيجابي وعدم الانحياز"، و"بناء الدولة".
عاش الشهيد النعمان يشدد في كل مرة على ضرورة التزام كل جانب لموقعه. داعياً إلى أن يكون "بناء الجيش للدولة وليس بناء الدولة للجيش"، مفضلاً المضي في طريق التعددية والديموقراطية وقد أزيح السلاح من على الأكتاف.
آملاً أن تسلس "القبائل" قيادها للعناصر المستنيرة حتى تساهم في العمل الوطني وتتجنب تعويقه. وألا يكون "الدلال" أسلوب عمل سلطات الدولة مع بعض القوى الاجتماعية يجرّئها على التمرد والعصيان.
وأن يجري الالتزام بالنظم والقوانين والاهتداء الدائم بالدستور لأنه "فقه الجمهورية هو البديل لفقه المذهب". وبتعبير واضح حدده سبيلاً للتوازن ذلك في محاولة نقد ذاتي للأوضاع عام 1972 قائلاً: "ما من سبيل لعودة الموازين الطبيعية إلا باحترام الدستور والتقيد العملي به تقيداً دقيقاً لا تهاون فيه أبداً". مبيناً أنه "إذا كان المجلس الجمهوري قد ساعد كثيراً بالتساهل واللطف على ضياع اختصاصاته، فإن على بقية العناصر القيادية في الدولة أن تتبارى في ما بينها لا لاقتسام هذه الاختصاصات وممارستها بالوكالة عن المجلس الجمهوري بل تتبارى لحمل المجلس الجمهوري على ممارسة اختصاصاته". محفزاً المعنيين بقوله "بقدر ما كنا إيجابيين ضد الديكتاتورية الفردية، يجب أن نكون إيجابيين ضد السلبية الجماعية".
أراد الشهيد نعمان الابن منذ بواكير نشاطه و"حواره" الوطني عام 1953 "أن يساهم اليمن في بناء العالم" ومنذ قيام الجمهورية عام 1962 واستقرارها عام 1970 وتوليه مهام الخارجية عام 73 حث خطاه إلى كسب الصداقات المخلصة، واجتهد في تخطي مشاكل الحدود الشرقية مع عُمان بالمبادرة إلى التوسط بينها وبين نظام عدن، والشمالية مع السعودية، والغربية مع أثيوبيا محتملاً وبغير مبالاة، كل صنوف التهم والتشنيع بحق اجتهاداته.
يسَّر ما تعسِّر من المهمات وأذاب ما يطرأ من جليد في العلاقات الثنائية، انطلاقه في نشاطه السياسي أو الديبلوماسي داخلياً وخارجياً من اعتباره لكل "صِدامٍ -بين الأشقاء-استثناءً يُثبّت القاعدة".
نخلص إلى أن علو صوته، وامتداد حياته "مسار حوار"، مرتوياً من منابع أفكاره الوطنية الخلاقة، حفَّزَ خصوم الحياة والمستقبل اليمني الأفضل، للإيذاء والإضرار به، لا سيما والمناخ يشيع فيه رفض التعقل والاعتدال ويحبذ اختلاط الأوراق والمهمات والصلاحيات والذوبان حد الضياع.
علا صوت محمد نعمان بتلك الفِكَر فكُتمت أنفاسه بعد أسبوعين من حركة 13 حزيران -أي 28 حزيران 1974- رصاصُ الكافرين بها وبيمنٍ "خالص" وواحد حقاً.
إن مضت 40 سنة على اغتياله، فإن أفكاره لم تمت، ولم يتخلَّ المخلصون لليمن من أصدقائه ومجايليه والجيل اللاحق به عن وفائهم له.
فالمجد والخلود لكل من بنى لوطنه دون أن ينتظر جزاء ًأو شكوراً.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم