الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الكاميرا المعولمة: الاستيلاء البصري على الكرة

أحمد مغربي
A+ A-

تطوّق الملعب الأخضر لكرة القدم بصريّاً أكثر من خمسين كاميرا للبث المرئي- المسموع المتلفز. تتطلّع مئات ملايين الأعين إلى شاشات يصلها ذلك البث في سيول تأتيها من الأقمار الاصطناعيّة التي تزنّر الكرة الأرضية، في زمن العولمة. لا مفرّ من ذلك الحصار البصري للكرة الحديثة، بل هو قدرها، سواء بمعنى القدر كما في التراجيديا الاغريقية القديمة أو في مسرحيات شكسبير أو حتى في فلسفة جان بول سارتر الوجودية. قدر كرة القدم الحديثة تصنعه العيون التي تتلقى، ببلادة فائضة أحياناً، سيولاً لا تنقطع من الترفيه الكروي البصري.


ربما يحضر إلى الملعب الألوف أو عشرات الألوف. حضر نهائي الدوري الإسباني 2014 قرابة تسعين ألف متفرّج. وصل إلى ستاد "النور" في لشبونة ما يزيد على 65 ألف متفرج. هل عقدت تلك الألوف كرنفالاً كرويّاً؟ ربما. تبدو جماهير الملاعب كأنها منخرطة في كرنفال مضمر (ربما مُعلن؟) بأزيائها وأوشامها والألوان المستلبة للهوية الفردية على الوجوه والخدود، وبالزينة المبهرجة بصرياً وبهتافاتها وموجاتها التشجيعية وحتى الالتماعات التي لا تكاد تتوقف لخليوياتها وكاميراتها الرقمية وغيرها. لكن، ليس الكرنفال سوى جزء من مشهدية مستباحة تلتهمها عشرات الكاميرات التلفزيونية المعولمة المدى.
مع تركيز العدسات على اللاعبين والكرة والملعب والمدربين، يصبح كرنفال الجمهور جزءًا من المتعة البصرية التي يفترض أن تبعث بلذة متعددة المشارب إلى مئات ملايين الأجساد الماثلة أمام الشاشات الفضية. لم يعد الجمهور كرنفالاً، صار كومبارساً متمماً لترفيه بصري، ترعاه شركات ومصالح وأموال، ويقتات من الأساطير التي تملأ المخيّلات عن اللاعبين والأندية واللعبة والمسابقات والبطولات والكؤوس.


ما عادوا أساطير
لم يعد اللاعبون أبطالاً للعبة رياضية. مضت بهم الأمور حتى إلى أبعد من استيلاء السياسة والإيديولوجيا عليهم، كوصف النازية لأبطال الجنس الآري في الرياضة بأنهم "آلهة الستاد"، في سياق "أولمبياد برلين 1936". لم يعد لاعبو كرة القدم أساطير معشوقة لشخصيات إنسانيّة مكرّسة للفن الكروي والمهارات والذكاء الإنساني في التعامل مع الكرة وقوانين اللعبة. ذلك زمنه كان دي ستيفانو وغارينشيا وهيدجوكوتي وفافا وزاغالو، وربما كان آخره بيليه. في معانٍ كثيرة، يبدو بيليه مستمرئا للتحوّل الحاصل في كرة القدم، من رياضة الى استعراض متلفز. انخرط بيليه بقوة في رسم هالات أخّاذة حول نيمار دا سيلفا، تماماً كما يحدث مع اكتشاف نجم في السينما أو التلفزيون.
على شاشة "بي إن سبورت"، يظهر بيليه مع كريستيانو رونالدو، الوجه الأبرز في تحوّل لاعبي كرة القدم إلى الاستعراض البصري المتلفز، في إعلان ترعاه شركة "خطوط طيران الإمارات"، التي يظهر اسمها على القمصان البيض للنادي الملكي الإسباني. يظهر البطل- المأسوي ليونيل ميسي في كثير من الإعلانات التي ترعاها شركة "خطوط الطيران التركية"، مع ملاحظة أن علامة "فلاي قطر" مطبوعة على قمصان النادي الكاتالاني. يؤدي ميسي أيضاً دور البطولة في معظم إعلانات "بيبسي"، لكن إعلان "العالم ملعبنا" الذي تصنعه تلك الشركة، يركّز على أن كرة القدم تنظّم إيقاع الحياة اليومية للشبيبة، فيظهر ميسي أقرب إلى صورة "ضيف الشرف"، إضافة إلى لاعبين كالمدافع البرازيلي الأغلى ثمناً عالمياً ديفيد لويز، وسيرجيو راموس صاحب هدف التعادل "القاتل" في المباراة النهائية لمسابقة "تشامبيونز ليغ".
ماذا عن كريستيانو رونالدو؟ لا يضحّي بأن تهتز تسريحة شعره مهما كانت قسوة المباريات، بل أن الـ"جيل" الذي يثبّتها موضع أحاديث وسخريات شتى. يغيّر تسريحة شعره كليّاً أحياناً، لكنه دوماً يتصرف بتعابير وجهه في الملعب بوعي ممثل يعرف أن "الكاميرا" تحدّق فيه دوماً، خصوصاً في اللحظات المتوترة التي تحمل ظلالاً من التماهي والتشابك بين الجمهور التلفزيوني وبطله المرمي أرضاً أو المسجل هدفاً أو المستعد لركلة يعرف أنها تسدّد عبر مئات ملايين الشاشات المعولمة. يظهر في إعلانات الشامبو لـ"هيد أند شولدرز" وسيارات "تويوتا" بثقة ممثل متمرّس. أما ظهوره في مجلة "فوغ" واصراره على عري جسده في ختام "تشامبيونز ليغ"، فحديث آخر.


 * * *


الترفيه البصري الكروي والقوة الناعمة للدول


عندما كانت الناصرية في عزّها مشروعاً لمصر بنفوذ استراتيجي واسع، حازت مصر "قوة ناعمة" شديدة القوة، لا تزال حاضرة في الذاكرة نموذجاً عما تكونه "القوة الناعمة" لدولة عربية وعالمثالثية لها. في الذاكرة، توصف تلك التجربة بمصطلح شديد الشيوع هو "الزمن الجميل". في ذلك الزمن، كان لمصر حضور قوي في الثقافة والفن، إلى حدّ كبير يمكن القول إنه قوة النموذج. كان الموسيقي عبد الوهاب نموذج التجديد الحداثي في الموسيقى العربية، وتشييد العمارة التي صارت كلاسيكية ومرجعية للغناء العربي. على غراره، كانت أم كلثوم نموذجاً في الصوت، وكذلك عبد الحليم حافظ وفايزة أحمد وشادية ونجاة الصغيرة. في السينما، كان الحضور الذي لا يضارع للفيلم المصري، الذي راج بوصفه الفيلم العربي بامتياز. وكذلك الحال بالنسبة إلى المشهدية البصرية المتلفزة بالأبيض والأسود.
في الثقافة، كان خيال نموذج مصر يحضر في رموز تجديد الثقافة العربية وهي تشمل طه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وعباس العقاد وصلاح جاهين وصلاح عبد الصبور وغالي شكري وعبد الرحمن بدوي، إضافة الى الظل المتمدد لصحافة مصر وإذاعتها وغيرها.


حداثة صوت كابتن لطيف
عدا الزمان عن تلك الأيام. فقدت مصر قوة النموذج الذي حملته قوّتها الناعمة في عوالم العرب. ربما يطول النقاش عن سبب التحوّل، لكن حصوله أبرز من أن تتجاهله الأعين. أين مصر الآن؟ ألا تزال البؤرة التي يتفاعل العرب معها سلباً وإيجاباً ونقداً وتأييداً، لكن دوماً حول مصر؟ لو كانت الرياضة مؤشّراً، فلا أقل من القول إن "الزمن الجميل" دفن وانتهى أمره إلى الذاكرة ومراراتها.
في زمن جميل، كان الصراع بين "الأهلي" و"الزمالك" يتردد صداه في شوارع عربية كثيرة. غنّته صباح في أغنية "بين الأهلي والزمالك محتارة والله"، فتردد في أجهزة الراديو على امتداد دول العرب. وفي زمن زاهٍ عَبَر، كان صوت المعلق الرياضي الكابتن محمد عبد اللطيف نموذجاً للتعليق على المباريات، عبر الراديو الذي حمل أيضاً صوت عبد الناصر ونموذجه في السياسة والزعامة والخطابة الكاريزمية أيضاً. ونقل صوت الكابتن لطيف ومباريات الكرة عبر تلفزيون الأبيض والأسود، كما بُثّت زعامة ناصرية عبرها، إلى أمدية عربية واسعة.
عَدَت شموس وليالٍ عن ذلك النموذج. في زمن التلفزة الفضائية، خصوصاً الترفيه البصري الكروي بالأقمار الاصطناعية فضائياً، تبدو قطر أوسع حضوراً من تلفزة مصر، بما لا يقاس. ربما يمتد خيال البعض للقول إن الدول الأصغر في العالم العربي أثبتت أنها تستطيع أن تكون نموذجاً، على الأقل أن تنافس. أيام الناصرية، لعب لبنان دور النموذج- المنافس في مدارج كثيرة، كالقول بأن المدرسة الرحبانية كانت المنافس الأبرز لموسيقى عبد الوهاب. في عصر البصريات الفضائية، يبدو لبنان أقرب إلى كونه نموذجاً في الفيديو كليب، وهو فن بالمرئي- المسموع رافق انتشار الوسيط التلفزيوني الفضائي. في الترفيه المتلفز فضائياً للفيديو كليب، يبدو لبنان أسهل وصولاً إلى الأعين من القاهرة.
لعل شيئاً ما من ذلك، حضر في الزيارة الشهيرة التي أداها الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى قناة "الجزيرة" في قطر، عندما أطلق عبارته الشهيرة "كل الصرصعة دي من علبة الكبريت دي"؟
في مصر، ربما تثير الكلمات عن زوال "الزمن الجميل" كثيراً من المرارة. من كان يتخيّل أن تصبح مصر ساحة تنافس وصراع بين دولتين عربيتين خليجيتين، بعدما كانت هي صانعة الحدث على امتداد عقود في الخليج العربي، أسوة بالمدى العربي لمصر بأكمله؟
حاضراً، الأرجح أن معظم الجمهور العربي لم يعد يعنيه "دربي القاهرة" بين "الأهلي" و"الزمالك"، فيما تستغرق أجيال شابة في الدوريات الأوروبية ورموزها وأنديتها ولاعبيها. وحضر "كلاسيكو" ريال مدريد- برشلونة، في الحياة اليومية للعرب. ويلعب صغار ومراهقون كرة القدم في مدن العرب وقراهم وبلداتهم، مرتدين فانيلات ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو وتشافي هرنانديز وتشافي ألونزو وغيرها، فيما لم تعد صبية الشوارع الكروية تصيح بلقب المايسترو صالح سليم، اللاعب الأسطوري لنادي "الأهلي" في خمسينات القرن العشرين وستيناته المبكرة.


تلفزة في زمن "سانتياغو برنابيو"
في الترفيه البصري المتلفز فضائياً للكرة، بل الرياضة عموماً، تبدو مصر كأنها متجمّدة في الزمن. وتقتصر مساهمتها على أداء متواضع. إذ يظهر في "ستوديو النيل" معلّق رياضي يستضيف لاعب كرة سابقا أو أكثر، كلاعب الترسانة الشهير محمود الشاذلي وفاروق جعفر (زمالك) وعصام شعبان وفتحي مبروك (أهلي)، فيما "يتمترس" صوت المعلق على المباراة في أرض المعلب. يتكرّر هذا الأداء المتواضع حتى في قناة فضائية متخصّصة في الرياضة كقناة "الأهلي" التي يتمدد فيها حضور لاعب "الأهلي" الشهير الشيخ طه اسماعيل، وهو من لاعبي "الزمن الجميل" أيضاً. ماذا تكون نتيجة المقارنة بين المدى العربي لمشاهدة الأولمبيادات على شاشات "الجزيرة"، مع نظيراتها في "ماسبيرو" القاهرة؟ في هذا المعنى، تكون أقنية beIN sport، المملوكة لقناة "الجزيرة"، صارت على هيئة قريبة من النموذج في التلفزة الرياضية الفضائية، وهي من المساحات الأساسية في الفن المرئي- المسموع المتلفز فضائياً في عصر العولمة المعاصرة.
انطلقت التغطية التلفزيونية على أقنية "بي إن سبورت" التابعة لقناة "الجزيرة"، للمباراة الختامية في مسابقة أبطال الدوري الأوروبي "شامبيونز ليغ" قبل بداية المباراة بقرابة ساعتين، وهو تفرّد ليس بهيّن. لنلاحظ أن أبواب ستاد "النور" في لشبونة، فتحت أمام الجمهور قبل المباراة بثلاث ساعات، فيما القاعدة قضت بأن تفتح دوماً قبل المباراة بساعة.
في فرادة مهمّة، صنعت "بي إن" ستوديواً في الدوحة، قاده المقدم اللبناني باسل طبّال مع لاعب "ريال مدريد" السابق أنطونيو ماتيدا (ستوديو الدوري الاسباني في مدريد)، وهو محلّل في أقنية "بي إن". وقاد ستوديو التحليل في لشبونة المقدّم التلفزيوني الجزائري لخضر بلريش، مع التونسي نبيل معلول (لاعب سابق) والسعودي نوّاف التمياط (لاعب سابق). هناك تجمّع لهويات عربية يثير أفكارا متنوّعة. كان مراسلو ستوديو لشبونة في الملعب: الجزائري الدكتور جمال الجبالي، آلان شيرر اللاعب الانكليزي، المصري حسن سالم من خارج الستاد. المفارقة أن سالم لم يعثر على أحد من العرب في الجمهور الكرنفالي الذي ملأ 65 ألف مقعد في ذلك الستاد. وتابع المراسل أشرف بن عياد المبارة عينها في ملعب "سانتياغو برنابيو" بـ3 شاشات عملاقة على هيئة مكعب.
لم تكن هذه التغطية سوى استمرار لحضور بصري مديد لـ"الجزيرة" عبر أقنيتها الرياضية، التي نجحت في مواكبة متميّزة لأولمبيادي بكين ولندن. سجّلت تلك الأقنية ريادة عربية واضحة، في الترفيه البصري المتلفز عبر استخدام تقنية "هاي ديفنيشن" High Definition. وكذلك سيطرت تلك الأقنية على كثير من أعين الجمهور الرياضي عبر تغطية حصرية لمجموعة من الدوريات الأوروبية (إسبانيا، انكلترا، إيطاليا...)، بل وصل مداها الى تغطية الدوريات في أميركا الجنوبية: مصنع أساطير لعبة كرة القدم.
يصعب عدم الإشارة إلى أن "بي إن سبورت" التي انطلقت في مختتم 2012، تملك أقنية للبث في الشرق الأوسط والولايات المتحدة وفرنسا واندونيسيا وهونغ كونغ وتايلاند. وتبث تلك الأقنية بلغات هي العربية والفرنسية والانكليزية والاسبانية والاندونيسية والكانتونيّة. لماذا هذا التمدّد البصري في البث الفضائي؟ يحتاج الأمر إلى نقاش آخر.


* * *


الكرة وتسونامي الأموال


عندما وقف ليونيل ميسي ونيمار دا سيلفا يتشاوران قبل تنفيذ ضربة حرّة مباشرة لنادي "برشلونة" بالقرب من منطقة جزاء فريق "أتليتيكو مدريد" في ختام الدوري الإسباني، كان الجميع يعلم أن "ثمن" نيمار وميسي يفوق أثمان لاعبي الفريق المنافس، بل موازنة نادي "أتليتيكو مدريد" بأكمله. نُفّذت الضربة لكنها لم تصب المرمى.
فاز النادي الأقل أموالاً والأقل توقّعاً بالفوز على فريق "البرشا" المدوي الشهرة. تلك كانت المباراة الختامية للدوري الإسباني. وصل الفريقان إلى هذا الختام بطريقة استعراضية، بل بدت استدراجاً متعمّداً. لماذا الحديث عن التعمّد؟ لأن المباريات التي سبقتها مباشرة، شهدت كلها نتائج غير متوقعة. كان الدوري بيد "أتليتيكو" بوضوح، مع منافسة من "ريال مدريد" وتأخّر واضح من "برشلونة". جاءت سلسلة من خسارات وتعادلات للفرق الثلاثة، كتعادلي برشلونة أمام "إتشي" و"اتليتيكو" أمام "مالاقا"، كلاهما أمام فريق أقل مستوى منه بكثير!


دماء الملاعب
"إنّهم يريدون عودة البرشا إلى المنافسة بأي ثمن، لذا جعلوها تفوز في الكلاسيكو". بهذه الكلمات، عبّر لاعب نادي "ريال مدريد" كريستيانو رونالدو عن رأيه في "كلاسيكو الربيع". انتهت الموقعة الكرويّة إلى هزيمة مدويّة للنادي الملكي على الكاتالانيين المتمردين تاريخياً على العاصمة الاسبانيّة وسلطاتها. لعل ما قصده رونالدو الـ"ميرنغي" (معناها الكعكة الفخمة، في إشارة الى الأبهة الملكيّة المحيطة بالنادي)، ان "سلطة ما" أرادت إعادة التوازن الى الصراع، فقوّت الأضعف كي ينتصر على الأقوى، بحسب ما كان رائجاً قبل تلك الموقعة. وعندما يفوز فريق بالضد من التوقّعات، تنتقل أموال ضخمة بين أيدي شركات المراهنات، وكذلك الحال بالنسبة للشركات الرعاية والإعلان. كذلك تستدعي صرخة رونالدو أشباحا كثيرة تتقافز في المسابقات العالمية التي تديرها الـ"فيفا". تأتي الأشباح محمولة على صهوة الذكريات. يتذكر البعض أشباحاً مثل غارينشيا وفافا وزاغالو ودي ستيفانو في سياق استعادة الزمن الذهبي للكرة. ثمة أشباح أكثر قرباً زمنياً، مثل أندرياس إسكوبار، المدافع في منتخب كولومبيا، الذي قتل في الثاني من تموز 1994، قبل أن يُسدل الستار على المونديال الذي شارك فيه. راج أن مقتله له علاقة بالهدف الذي أدخله خطأً في مرمى منتخب بلاده في كأس الـ"فيفا" لكرة القدم في 1994، التي استضافتها الولايات المتحدة.
إذاً، تحوّل لاعب في فريقه وُصِف بأنه ذهبي، الى شبح مقيم عند التقاطع بين أموال الكوكايين ومراهنات كرة القدم، وهذه أموال متقاطعة بشدّة في أميركا الجنوبية، معقل نجوم كرة القدم!
ماذا عن الأموال "الأخرى" في كرة القدم، تلك التي تأتي من الفساد وترتيب المباريات وشركات الصناعة الرياضية وإعلاناتها ورعايتها وغيرها؟


تجارة ودول و"فيفا"
جرت المباراة الختامية للـ"تشامبيونز ليغ" على مستطيل أخضر مزنّر بإعلانات الشركات الراعية. على لوحات رقميّة تتحرّك باستمرار وتفصل بين الجمهور واللعبة المعبودة، ظهرت أسماء الشركات العملاقة التي توصف بأنها راعية للكرة. ثمة تطوّر بصري في أن الأسماء باتت تظهر متحرّكة على اللوحات كلها في وقت واحد، وتستمر لدقيقة، قبل أن يحلّ اسم آخر. قبل سنوات، كان اسم كل شركة يظهر على لوحة مستقلة، وأحياناً لوحتين.
تضمّنت أسماء الرعاة في تلك المباراة، شركات "ماستر كارد" و"أديداس" و"بيرة هاينكن" و"بلاي ستايشن" و"غاز بروم" و"فورد" و"يونيكارد" و"برايسلس. كوم" و"تويتر" (هاشتاغ #4players)، فيما ظهرت ماركة "نايكه" على أحذية اللاعبين. لنقرأ ثانية: الملعب الأخضر تطوّقه شركات الأموال والمشروبات والسياحة والألعاب الإلكترونية ممثلة عصر المعلوماتية والاتصالات، والغاز وهو يقفز فوق الصراع السياسي والسيارات والسياحة وشبكات التواصل الاجتماعي. ببساطة، أنه تكثيف الحياة المعاصرة في بؤرة كرة القدم.
عندما فازت قطر باستضافة المونديال 2022، جرى حديث علني عن الأموال الهائلة التي تضمّنها ملفها: 22 بليون دولار للمنشآت التي تستضيف المونديال المنتظر. ليس ذلك سوى جزء من أحاديث الفساد عن ممثلي دول النفط في الـ"فيفا"، على غرار الفضيحة التي فجّرها جوزف بلاتر رئيس "الاتحاد الدولي لكرة القدم" ("فيفا")، في وجه القطري حمد بن همام العبد الله، الرئيس السابق للاتحاد الآسيوي لكرة القدم.
في الذاكرة أيضاً أن "مونديال ألمانيا 2006" جرى في ظل فضيحة ضخمة تمثّلت في انكشاف أن نادي "جوفنتوس" اعتاد على الفوز بالدوري عبر مباريات مرتبة النتائج! زاد في الفضيحة ان معظم لاعبي المنتخب الإيطالي، الذي فاز بالكأس الذهب لذلك المونديال، جاؤوا من "جوفنتوس" الذي جُرّد من لقبه كبطل للدوري لخمس سنوات سابقة، لأنها بطولات جاءت من الأموال.
قبل مبارة "تشامبيونز ليغ" 2014، كان "جوفنتوس" يعود مجدداً إلى تصدر الدوري الإيطالي. في المناسبة، فوز "ريال مدريد" هو أيضاً فوز لمدرّب إيطالي هو "الدون" انطونيو انجيلوتي الذي درّب فرقاً إيطالية لم تغب تهم الفساد عنها. وانتصر أنجيلوتي على دييغو سيميوني المدرّب الأرجنتيني الآتي من أميركا الجنوبية التي تتصل أموال الكرة ومراهناتها بحياة اللاعبين، على غرار إسكوبار.
استطراداً، اشترى "ريال" اللاعب الويلزي غاريث بيل في صفقة فاقت أربعين مليون أورو، وهو الأغلى في العالم. لو أنه لم يسجّل هدفاً حاسماً في "كلاسيكو" الذهاب، ضد برشلونة، وكذلك هدف التقدّم للـ"ميرنغي" ضد "أتلتيكو"، ماذا كان ليحدث في صفوف النادي الملكي؟
تتركّز معظم الأموال المباشرة لكرة القدم في أوروبا، خصوصاً دورياتها الخمسة الكبرى (إنكلترا، ألمانيا، إسبانيا، إيطاليا، وفرنسا)، التي تفوق عائداتها حاضراً 20 بليون دولار.
المعلوم ان النوادي الأوروبية الكبرى هي بورصة فعلياً للاعبين الذين بلغت أسعارهم أرقاماً مذهلة، لا تكفّ عن التصاعد. بلغ أمر الفساد في تلك الأموال أن سمسرات صفقة شراء برشلونة للاعب نيمار دا سيلفا (هي صفقة لم تعرف أرقامها بدقة، لكنها راوحت 40 مليون دولار)، صدّعت صفوف الفريق وساهمت في انهياره المأسوي المتمثل في فشله في الحصول على أي بطولة محلية أو قاريّة أو عالميّة، للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.
لا أقل من ملاحظة ان "تشامبيونز ليغ" يكاد أن يكون تسونامي أموال وأرباح للشركات المختلفة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم