هل تكون الرابعة "ثابتة" للبرتقالي؟
حينما نتحدث عن منتخب هولندا لكرة القدم، يتبادر سريعاً إلى ذهننا اسم يوهان كرويف الذي يُعتبر وفق كثيرين واحداً من أبرز النجوم الذين عرفتهم الكرة المستديرة.
ولكنّ التاريخ يعود بنا إلى سنة 1905 وتحديداً إلى 30 نيسان/أبريل حين خاض المنتخب البرتقالي باكورة مبارياته الدولية وذلك أمام جارته بلجيكا والتي انتهت لمصحلته 4-1 بعد التمديد حاصداً بالتالي كأس "فان دن أبيلي".
شارك الهولنديون في نهائيات كأس العالم عامي 1934 و1938، قبل أن يغيبوا فترة أربعين عاماً ليعاودوا الظهور في العرس الكروي من بوابة ألمانيا الغربية في مونديال 1974. وحينها، أظهرت المجموعة المكونة من كرويف (الطائر)، آري هان، الحارس يونغبلود، فان دو كيركهوف، رود كرول، يوهان نيسكينز، رينسنبرينك وجوني ريب إبداعات كروية قل نظيرها حيث أسقطوا البرازيل والأرجنتين في طريقهم لبلوغ النهائي أمام صاحبة الأرض والضيافة. ورغم تقدمهم أمام المانشافت في النتيجة، إلا أن الألمان قلبوا الطاولة على ضيوفهم بهدفين حملا توقيع برايتنر ومولر، ليفوت الهولنديون فرصة مؤاتية لحصد لقبهم الأول في كأس العالم.
وفي مونديال عام 1978، حط الهولنديون الرحال في الأرجنتين أملاً بتدارك الموقف ودخول التاريخ. بيد أن كرويف ومعه فان هانيغيم وفان بيفيرين رفضوا السفر إلى أميركا الجنوبية لأسباب تتعلق بالنظام الديكتاتوري الذي كان يسود الأرجنتين في تلك الحقبة. وذلك لم يؤثر في أداء البرتقالي الذي تأهل إلى المباراة النهائية لمواجهة أصحاب الأرض وعلى رأسهم باساريلا وكامبس. وهذا اللقاء لم يكن ليقبل القسمة على اثنين لأنّ تتويج أي منهما باللقب سيكون الأول في أسمى بطولة عالمية. ومثلما حدث منذ 4 سنوات، تهاوى زملاء نيسكينز بعد وقت إضافي 1-3 ليعودوا أدراجهم خاليي الوفاض والحلم يؤرّقهم كون ذاك الجيل الذهبي (1974-1978) لم يسبر أغوار كأس العالم بما فيه الكفاية بغية معانقة اللقب العتيد.
وعقب الغياب عن نسختي 1982 و1986، عاد البرتقالي إلى النهائيات عام 1990 في إيطاليا بتشكيلة صلبة قوامها ثلاثي آي سي ميلان فان باستن، غوليت ورايكارد، ومدعوما بتتويجه بكأس الامم الأوروبية قبل عامين للمرة الاولى في تاريخه (1988). ولكنّ الرياح سارت عكس ما تشتهي سفن الهولنديين الذين لم يرتوا إلى مستوى التحدي مما تسبب بسقوطهم امام جارتهم ألمانيا الغربية 1-2 قبل أن تتابع الاخيرة زحفها بنجاح وصولا إلى معانقة لقبها الثالث في المسابقة الأسمى على امتداد المعمورة.
فيما آلت مشاركتهم في مونديال الولايات المتحدة الأميركية عام 1994 إلى بلوغهم دور الثمانية. وهناك، تواجهوا مع منتخب البرازيل في موقعة ساخنة حبست أنفاس المشاهدين حتى اللحظات الأخيرة، غير أنهم تهاووا 2-3 أمام نجوم السيليساو وخرجوا من المسابقة في بلاد العم سام خالي الوفاض.
وإبّان تأهلهم إلى مونديال فرنسا عام 1998، عمل المدير الفني غوس هيدينك على بناء توليفة ناجحة قوامها الأخوين دو بوير، دافيدز، كلوفيرت، بيرغكامب، سيدورف، الحارس فان دير سار والنفاثة مارك أوفرمارس. تخطى الهولنديون جميع المعوقات التي اعترضت طريقهم، حيث أسقطوا يوغوسلافيا في الدور الثاني بهدف قاتل لدافيدز، وتابعوا نجاحاتهم منزلين بالأرجنتين الهزيمة بهدف ساحر لبيرغكامب، وهذا ما عنى مواجهتهم البرازيل حاملة اللقب في المربع الذهبي. وفي موقعة استاد فيلودروم جنوبي فرنسا، انتهى لقاء القمة بين المنتخبين بالتعادل بهدف لمثله، وإنما جاءت ركلات الجزاء الترجيحية لتضمن تأهل البرازيليين إلى النهائي واكتفاء الهولنديين بخوض مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع.
ومع الفشل في بلوغ مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام 2002، لم يقدم نجوم هولندا ما يشفع لهم في نهائيات 2006 في ألمانيا. حينها، لم يكونوا ندا للبرتغاليين في الدور الثاني الذين خطفوا انتصارا ثمينا بهدف نظيف في مواجهة حافلة بالخشونة أفضت إلى إقصاء لاعبين من كل منتخب.
هذا وانتقل رجال بيرت فان مارفيك إلى جنوب إفريقيا لخوض غمار مونديال 2010 بتشكيلة متجددة شكلت مزيجا من الخبرة والشباب. اظهر الهولنديون صلابة كبيرة، إذ بلغوا دور الثمانية من بوابة سلوفاكيا. وهناك تواجهوا في موقعة كروية بارزة مع منتخب البرازيل حيث خالفوا التوقعات بفوزهم 2-1، وذلك قبل أن يسقطوا منتخب الأوروغواي العنيد 3-2 ليبلغوا بالتالي المباراة النهائية. فيما وقف الإسبان عقبة بين الهولنديين وباكورة ألقابهم في كأس العالم، بيد أنّ النجاح كان من نصيب "لا روخا" عبر نجمه أندريس إينييستا في الوقت الإضافي، ليُحرم الهولنديون بالتالي فرصة التتويج بالغار، وهم الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمهم في ثلاث مناسبات.
ومع تولي لويس فان غال الإدارة الفنية، يدخل الهولنديون كأس العالم 2014 بثقة عالية بغية تعويض ما فاتهم رغم صعوبة المهمة في بلاد السامبا. وما يعزز الآمال هو تواجد عدد لا باس من اللاعبين الذين أوصلوا المنتخب إلى نهائي نسخة 2010 أسوة بالهداف فان بيرسي، شنايدر، هونتيلار، دو يونغ وروبين. ورغم إصابة رافايل فان در فارت وغيابه المؤكد عن المونديال، يثق فان غال بقدرة اللاعبين على حصد النجاح ومعانقة اللقب الغائب عن خزائنهم منذ العام 1930 موعد انطلاق البطولة. ومما لا شك فيه ان التطلعات كبيرة والآمال معقودة على الهولنديين لاجتراح المعجزات، إلا أنّ مسعاهم الحثيث قد يصطدم بطموحات منتخبات كبيرة لديها باع طويل في المسابقة.
إذا، آمال الهولنديين تلامس عنان السماء. وحبذا لو نجح رجال فان غال في العودة إلى ربوع الوطن بالكأس الغالية، وهذا هو حال لسان عشاق البرتقالي.