الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

ميشيل تويني: تلك الصخرة التي تدعى "جدو غسان"

المصدر: "النهار"
A+ A-

كل ساعة تقضيها مع "جدّو غسان"، هي بمثابة تذكرة سفر إلى عالم آخر. معه، لا يمكن أن تمرّ الدقائق من دون إستثمار: ساعة وسط الرسوم، ساعة أخرى نخصّصها للمسابقات الثقافيّة، فيما نتوقف لاحقاً عند الفنون عموماً أو نتابع مسرحيّة... كنت أنبهر بالعروض السحريّة التي كان يقدمها لي، وكنت أمشي معه وقتاً طويلاً في الحرج القريب من منزل بيت مري... كان يردد أمامي إسم كل شجرة ونوعها وعمرها، وكان يقرأ لي القصائد". بهذه العبارة تستهل ميشيل، الحفيدة الثانية لغسان تويني، الحديث عن تلك العلاقة الإستثنائية التي كانت تجمعها بجدها، وبالنشاطات التي كانا يمارسانها معاً، وهي عادة "لا تكون من الأمور المشتركة بين الحفيد والجدّ التقليدي".


فما الفارق بين غسان تويني وأي جدّ آخر؟ "عادة الصورة التقليديّة هي للجدّ الذي يحتاج إلى رعايتك واهتمامك. أما مع غسان تويني، فنحن من كنا نتلمّس منه الدعم والنصح، في الحياة الشخصيّة والدراسيّة و حتى المهنيّة. حين تنظر إليه، تشعر بتلك الهيبة التي كانت تحوطه، وخصوصاً أنه عمل في الأعوام الأخيرة على تعبئة جزء من الفراغ الذي خلّفه رحيل والدي".


كان الجدّ يشجع حفيدته دائماً على تنمية كل الميول الثقافيّة لديها. تذكر مثلاً، أنها حين ترسم وتهدي الرسمة إلى G.T (غسان تويني)، كان يعلّقها فوق مكتبه. وحين بدأت كتابة القصائد، وعدها بأن يصدر لها قصائدها في كتيب حين يبلغ عددها 30 قصيدة. لكنها لم تكتب سوى عشرين، فرحل صاحب الوعد ولم يصدر الكتيب. كذلك، أهداها في عمر التسع سنوات كتاب "النبي"، وطلب منها أن تقرأه.


تذكر ميشيل أن جدّها كان متطلباً، ينشد الكمال في كل شيء، فتشعر أمامه بأنك مقصّر مهما فعلت. فمثلاً، "حين أخبرته بأنني حصلت على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسيّة، سألني عن الماجستير قبل أن يلفظ كلمة مبروك... ويوم كتبت مقالاً بعد وفاة والدي، في السابعة عشرة من عمري، وكانت المرة الأولى التي أكتب فيها... جاء وسألني: "هل أنتِ من كتبه؟". كانت هذه العبارة كفيلة بأني تشعرني بالسعادة والإعتزاز، كونه كان مُقلّاً في توزيع عبارات الثناء".
بعد وفاة جبران، فقدت ميشيل شيئاً من عفويتها ومن نظرتها البريئة الى الحياة. ولعل موقف جدّها غسان من إستشهاد جبران لعب دوراً كبيراً في تغيّير هذه النظرة: "قبل ذلك، كنت أنظر إليه كجدّ يعمل كل ما في وسعه ليرعاني، جدّي الذي يقوم بأقصى ما يملك ليفرحني ويسلّيني، جدي الذي يطعمني الـBrownies والموز والعسل، جدّي الذي يحبّني ويرعاني... ولكن، حين وجدته محافظاً على كل وقاره في واحدة من أصعب اللحظات التي قد يمرُّ فيها إنسان، تنبّهت إلى عظمة هذا الرجل الذي تحمّل في حياته، ما يستحيل أن يتحمّله إنسان. وتفصح أنها كانت تتمنى لو أنها جدّها بكى وعبّر وصرّخ وأخرج من صدره كل الأحزان التي كانت تعتصره، مع كل مصيبة ومأساة كان يعيشهما. وهنا، تعطي مثلاً آخر، أنه – بعيد الذكرى الثانية لإستشهاد جبران - قام بزيارة ميشيل للإحتفاء معها ومع أصدقائها بعيد ميلادها... وذلك، بخلاف القاعدة التي تحتّم عليك أن تزوره أنتَ في وقت مماثل، لتخفف عنه آلامه وأحزانه. كذلك، تتذكر ذلك اليوم الذي خرج فيه من إجتماع لمجلس إدارة "النهار"، ليخبرها: "الناس تعتبرني صخرة لا تفتّتها الأحزان، لكنني إنسان. أنا لا أريد أن أظهر مشاعر الحزن لأحد، لأن الأحزان لا تتشارك، بل الفرح هو الذي يجب أن يشاركك به الآخرون".


اليوم، تؤكد ميشيل أنها خسرت آخر مرجعيّة عليا في عائلة تويني، ولم يعد لها سوى أخواتها، والدعم المطلق الذي يقدمه لها جدّها النائب ميشال المر وزوج والدتها الدكتور بيار أبو شرف.


وفيما تلفت إلى أن أجمل ذكرى تحملها منه، هي ذلك الكتاب الذي كان يرافقها في الأعوام الأخيرة لدى زيارتها الأخيرة: "كنت أدوّن عليه كل ما كان يقوله لي"... وتشير إلى أنها ستفتقده اليوم كثيراً، إلى جلساتهما وأحاديثهما، وإلى تأنيبه المستمر لها عندما تتناول الوجبات السريعة. ولأنّ "جدي لم يكن يحب البكاء بل العمل"، تعاهده ميشيل أن تمارس عملها بجدّ وكما كان يحبّ، وليس "الوقوف على الأطلال". كذلك، تؤكد أنها ستستجيب لنصيحته بعدم حرق المراحل، وأن كل خطوة ستقوم بها من الآن فصاعداً، ستكون من أجل جبران وغسان...


وختاماً، تلفت ميشيل الى أن قوّة جدّها تكمن في أنك "مع كل دقيقة تقضيها معه، تكتشف ببساطة أنه أمثولة الحياة".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم