الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

كأرضٍ يضربها زلزال

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

كانت صباح زوين تعيش كما لو أنها فوق أرضٍ يضربها زلزال. شيءٌ يشبه الخراب الوجودي كان يلمّ بكينونتها الأدبية والشخصية. وهي لطالما كتبت نصوصها، وعبّرت عن ذاتها، كما لو كانت أرضاً تتشظى، وتنبتر، وتتلعثم. حتى ليصحّ في لغتها ما يصحّ بالبيت المائل الذي لا يستوي على طمأنينة بنيانه وركيزة هندسته. أليست اللغة، وهي على هذه الحال من اختراب البنية، ترميزاً للذات المهشمة، المتكسرة، المبتورة، المتشظية، المتمردة، القلقة، الحيرى، المنذهلة، والذاهلة؟ لستُ أدري.
لكن هذا كله، وهو خلاصة تجربة صباح زوين في اللغة، ليس لركاكةٍ متأصلة في بنية الجملة، بل لإيقاعٍ أبوكاليبتيٍّ مهولٍ في أغوار دواخلها النفسية اللاواعية؛ وهو إيقاع يرى تجلياته في زلزالٍ يتفسخ على صفحة مرآة. فكيف له أن يتخلى عن تفسخاته، أو أن يختبر بنيةً مختلفةً عنها ليأوي إليها؟ إنه إيقاع يؤوب إلى مرآته المتزعزعة، لأنه لا يطيق فراقها، ولا التجسد خارجها.
لكأن الروح مبتورةٌ من الأصل. لذا تجد مأواها اللغوي في جملٍ قلقة، مبتورة، مائلة، متكسرة، متشظية، عدوانية، فظة، متمردة، ناقصة، غير مكتملة، منحنية، خارجة على موسيقاها، صانعةً لنفسها إيقاعاً يستقي نوطاته من الانبتار الوجودي الذي يلفّ كينونتها.
قد لا تكون الروح هي السبب. قد لا يكون العطب وجودياً. لكن بنية اللغة المعطوبة، تمعن في التعبير عن العطب الذي فيها، متقصدةً بفظاظة، الخروج على السياقات. هذه القصدية العلنية، في تعطيب بنية الجملة، ترمز إلى عدم إيمان الشاعرة بيقينية هذه اللغة. لا يقين في شعرية اللغة، بل شكوكٌ دامية، تفضي إلى ميلان الجملة، كأنها البيت الذي تختلّ أساساته، وتتفسخ، فتميل لتقف عند الحدّ الذي يجعلها جسد هذا الاختلال، والشاهد عليه في آن واحد.
"أعرف أني متلعثمة، تقول صباح زوين، والمعنى عندي متلعثم، لذا جملتي تأتي متلعثمة شكلاً وإيقاعاً، وهي لعثمة التشكيل الفني. لعثمة الإشكالية الكتابية التي دائماً ترافقني لأنها سبب كتابتي الشعرية وهدفها. اللعثمة ميزةٌ وأنا أتقنها".
لكن اللعثمة ليست عيباً عند الشاعرة، "فعندما أقول إن المعنى متلعثم، هذا يعني أني أملكه وبقوة، أي أني كثيرة المعاني، ولكني لا أؤمن بنهائيتها. بل أكثر، لا أحب أن أراها منجزة".
لطالما أومأت صباح زوين إلى رفضها ذكورية اللغة الشعرية، معتبرةً أن المشاكسة في التقنية والأسلوب والمعنى، هي ما تواجه به العالم الذكوري الشرس. مشاكسة لغوية، تصل إلى ما يشبه الأرض التي يضربها زلزال. وهذا أبلغ تعبير باللغة عن الخوف البشري العظيم.
سلامٌ إليكِ أيتها الشاعرة!


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم