الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

كتاب - "أنابيب حمراء" لأنطوان مرعب: لماذا سوريا؟ ولماذا الآن؟

فوزي يمّين
A+ A-

ينحو كتاب الباحث أنطوان مرعب "أنابيب حمراء- لماذا سوريا؟ ولماذا الآن؟"، الصادر حديثاً عن "دار سائر المشرق"، منحى الدراسة الجيوبوليتيكيّة التي تميط اللثام عن الخلفيّات والأبعاد الحقيقيّة للصراع المندلع اليوم في منطقة الشرق الأدنى، الذي كان ولا يزال يتغذّى من أنابيب النفط، الممتدّة حرائقه إلى سوريا ولبنان والعراق وليبيا. كأنّما هذا الصراع، في تداعياته المحتملة، يقلب الأوضاع رأساً على عقب، مُلغياً اتّفاق سايكس- بيكو الذي صنعه الإنكليز والفرنسيّون، ومُحضّراً لاتّفاق آخر جديد من صنع الروس والأميركان، باعتبار أنّ الهدنات الطويلة التي امتدّت منذ معاهدة فرساي، كما يعتبرها الباحث، ليست أكثر من خدع تاريخيّة.
يتمحور الكتاب إذاً حول منطقة الشرق، جغرافيّاً: أحواضاً، وأنابيب، ومضائق، وبحاراً، وطاقة نفطيّة وغازيّة. وتاريخيّاً منذ معاهدة فرساي حتى المتغيّرات الأخيرة المستجدّة في المنطقة، وتحديداً في سوريا منذ الانقلاب الأوّل عام 1949، ودوافعه النفطيّة، حتى الحرب على البعث، وصولاً إلى التنافس القطريّ- الإيرانيّ- الروسيّ وما وراءه.
يعود الكاتب في رصده الصراع الدائر اليوم، إلى بداية تكوّن الدول العربيّة، قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها، وبداية حرب فلسطين، وإنشاء الجامعة العربيّة، حيث تمّ إدراج فكرة استخدام النفط لأهداف سياسيّة، الذي تجسّد جليّاً في طلب الأمين العام لجامعة الدول العربيّة من الملك عبد العزيز آل سعود، عقب معركة قيام إسرائيل عام 1948، إستعمال النفط كقوّة من أجل الحقوق العربيّة في فلسطين. هكذا دخل النفط، بشكل مباشر، مسرح القتال، مع معارك تأميم قناة السويس عام 1956، وبعد هزيمة حزيران 1967، وبشكل أكثر مباشرة في حرب تشرين 1973، والحرب العراقيّة- الإيرانيّة، وتحرير الكويت، واحتلال العراق.
تتغلغل الدراسة أكثر في خلفيّات الأزمة السوريّة القائمة، من حيث أوضاعها التاريخية الداخلية: الانقلابات التي شهدتها من شكري القوتلي إلى حسني الزعيم إلى أديب الشيشكلي، والوحدة مع مصر التي انتهت أيضاً بانقلاب، وتسلم حزب البعث السلطة عام 1963، إلى انقلاب آخر مع حافظ الأسد عام 1966 ووصول الحركة التصحيحيّة إلى الحكم عام 1970. كذلك من حيث العوامل الخارجية الطارئة عليها: تغيُّر مصالح الانكليز والسعوديّين والأميركيين. هكذا نجد ميزان القوى الجديد يرسو في ميناء الأزمة السوريّة بشكل توازن داعم للحرّيات، ومدعوم من مؤسّسات رسميّة وعالميّة تتّخذ القرارات وتنفّذها، وهي منوطة بمنظمات ذات سلطان ونفوذ.
في ظلّ هذه التخبّطات الاقليميّة والدوليّة، يعتبر الباحث أنّ الغرب يبقى غرباً، والشرق شرقاً. إن من حيث الاستراتيجيا السياسية المبنيّة على المصالح، وإن من حيث التكتيك القائم على تأليب فريق ضدّ آخر. من هنا يتلاقى التقاطع التركي- السعودي، ويترسّم الخطّ القطري المدعوم من أميركا، عبر إنشاء أنبوب جديد لجرّ غاز قطر إلى حمص ومنه إلى أوروبا، بينما يبقى الموقف الأميركي الحياد، أو عدم الانخراط مباشرة في الأحداث، أو مساندة بشار ونظامه كتبديد للمخاوف الإسرائيليّة، مؤكّداً مرّة أخرى صوابيّة قول كيسنجر: "من المؤسف أنّ الطرفين لا يستطيعان أن يخسرا".
في النهاية، تفتح الدراسة على مجموعة من المحصّلات والخلاصات التي تطرح الكثير من الأسئلة المصيريّة في المستقبل القريب. فمن جهة، يطرح دخول الصين إلى حلبة التنافس تحدّيات جديدة وصعبة، ما يؤدّي حتماً إلى تصادم الدول العظمى. ومن جهة أخرى تتحوّل سوريا إلى مسرح مواجهة إذ تفقد دورها القديم في تشكيلها عقدة في الملفّات الاقليمية، بينما تتوجّه السياسة الخارجية الفارسية دائماً نحو غربها، أي نحو العراق ولبنان وسوريا، مروراً بتركيا، والحضور على الضفّة الشرقيّة للمتوسّط.
هكذا يتأكّد موت القديم، وتتأجّل ولادة الجديد، وتغدو صيغة التعايش زواجاً بالإكراه، وتبقى إسرائيل هي الأقوى، والثابت هو الصراع حول تشكيل كيانات المنطقة. المسألة الشرقيّة تعود، كما لها دائماً، لتتصدّر واجهة الأحداث والعناوين الكبيرة للمانشيتات العريضة. السؤال الذي يطرح نفسه، يبقى هو هو: لماذا تساهم الأنابيب وخطوط الإمداد في انفتاح الشعوب وتلاقي مصالحها أوروبياً، بينما ترافق إمداداتنا دائماً أنابيب حمراء على شكل خطّ دمويّ يتغذّى من شرايين المنطقة؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم