الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كلاب اللبنانيين

المصدر: "النهار"
محمد أبي سمرا
A+ A-

منذ مدة يتزايد إقبال لبنانيين ولبنانيات على اقتناء الكلاب وتربيتها في البيوت. يشهد على هذه الظاهرة الجديدة كثرة المتنزهين الذين يقتادون كلابهم لتنزيهها نهارات الأحد المشمسة على رصيف كورنيش بيروت البحري. فنهار الاحد الماضي، 11 أيار الجاري، كان لافتاً ازدحام الشرفة البحرية بمرتادين يجرّون كلابهم من أنواع وأحجام مختلفة، تغلب عليها الكبيرة التي توحي بالشراسة.


المراقب اليومي العابر، لتزايد الاقبال على هذه الظاهرة منذ أكثر من سنة أو اثنتين، يلاحظ أن المقبلين عليها من فئات اجتماعية وعمرية وبيئتات متنوعة، يصعب حصرها، على الرغم من غلبة الشبان الذكور على منزّهي الكلاب الضخمة الشبيهة بالذئاب. الشبان هؤلاء هم غالباً من مفتولي العضلات من أثر رياضة كمال الأجسام، والمكسوة جلود كثرة منهم بالأوشام. كأن تربيتهم هذا النوع من الكلاب وإخراجها معهم في نزهاتهم الأحديّة خصوصاً، من الاكسسوارات المكمّلة لاستعراض أجسامهم على رصيف الكورنيش البحري. مشاهدُهم مع كلابهم هذه، يحار أين يربّونها ويسكنونها. يتخيّل أنهم قد يستأجرونها من "مزارع" متخصصة في تربيتها، ويعيدونهم إليها في المساء. تنسحب الحيرة أيضا على غايتهم، إما من تربيتها واقتنائها، وإما من استئجارها: أهي للحماية والأمن، أم للتسلية والاستعراض، استجابة لموضة مستجدة؟


لكن هذه الفئة من المقتنين لا تستنفد، وحدها، الظاهرة الجديدة والإقبال عليها. فهنالك فئات سواها من مقتني الكلاب من هذا النوع وسواه. للنساء والفتيات حصتهن من الاقتناء، ومن الخروج مع كلابهن في نزهات الأحد.


وإذا كانت الظاهرة من علامات الفردية وعزلاتها في البلاد الأوروبية، فإنها على خلاف ذلك في الديار اللبنانية، وخصوصا في بيروت التي تعوّدت على تلقي الموضة والعادات الاستهلاكية من جهات العالم الأربع، كما تعوّدت على تحويرها أو حرفها عن إطارها الاجتماعي وغاياتها وحاجاتها الأصلية أو الفعلية، وحملها على العرْضِ والاستعراض والتميُّز والتباهي و"الكيتش" والتقليد الفوضوي المفرغ من مضمونه ومحتواه الثقافي والاجتماعي.
هذه حال اللبنانيين في استعراض اقتنائهم سيارات الدفع الرباعي في مدن مختنقة بفوضى العمران وازدحامات السير اليومية، وفي اقتنائهم عاملات المنازل الأجنبيات وسجنهنّ في البيوت، وفقاً لقانون أقرب الى عبودية مقنَّعة.


فما داعي لبنانيين- ليست الفردية واستقلالها وعزلاتها من تقاليد اجتماعهم وعاداته- الى تربية الكلاب واقتنائها في بيوتهم، ما داموا يعيشون في كانتونات أهلية وعائلية موسعة وجامعة؟ تشهد على هذا، نزهاتهم العائلية أو الشللية من معارف وأصحاب، مع كلابهم على رصيف كورنيش بيروت البحري. الكلاب التي يصطحبونها في هذه النزهات، غالباً ما تسلك سلوكهم في التوقف وتبادل النظرات المستريبة والتعارف والتهارش، وأحياناً الهجوم الشرس، حتى يكاد بعضها يقطع اللجام وينفلت من أيدي أصحابه. هذا فيما يبدو أحيانا أن منزّهي الكلاب يجمعهم تعارف مسبق، فيتوقفون للتحادث على الرصيف.


مثل هذه المظاهر كلها يندر وجودها على أرصفة المدن الأوروبية، حيث لا يستوقف التعارفُ ولا الرغبة في التهارش الكلابَ العابرة التي يجرّها أفراد عابرون لا يتبادلون النظرات ولا يعرف واحدهم الآخر، وهيهات أن تستوقف أياً منهم رغبة في التعارف والاستعراض.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم