السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

المصوّر ماهر عطّار: في المناطق المعدومة والنائية...الأطفال يبتسمون أيضاً!

المصدر: النهار
هنادي الديري
A+ A-

ربما أشارت تعابير وجوههم إلى معان خفيّة. هذه الإبتسامة الصغيرة تشي بكل ما يكتمه المرء عادةً في نفسه. إبتسامة سعيدة تُخفي خلف سطورها إقتناعاً يتحدّى ظروفهم الحياتيّة الصعبة. غائرون في الفقر، هالكون في ظلمه. ومع ذلك يبتسمون. ويتعلّمون. ويسيرون مسافات طويلة ليصلوا إلى المدرسة. أياديهم غلظت وتشقّقت ، والأرجل تغرس في الوحل. والثياب رثّة. ومع ذلك يبتسمون. وعدسة المصوّر العالمي ماهر عطّار تلتقط لحظاتهم التي ما من سبيل لإصلاح قسوتها. الصور تروي قصصهم الصغيرة. توثّق اللحظات العابرة. فتندرج في مشروع صور "تحدّيات وواقع" الذي إنطلق به عطّار في العام المُنصرم بالتعاون مع جمعيّة "علّم طفلاً" القائمة في قطر. وفيه يختبر المصوّر العالمي يوميّات الأطفال الذين يعيشون عدم المُساواة في التعلّم والتهميش الحياتيّ طقساً يوميّاً، في أكثر الأماكن في العالم فقراً وعزلةً. زار حتى الساعة، الهند، بنغلادش، ساحل العاج، كينيا، السودان، كما عاش اللّحظات مع السوريين في لبنان. ويتنقل حاليّاً، بين هايتي، الأمازون، ريو، تايلاند، فنشهد معه في العام 2015 ولادة الكتاب-الحدث الذي يُلخّص أسفاره الأقرب إلى قصيدة مأخوذة من "موشّح الظلم".
يُعلّق في حديث معه بين رحلاته العالميّة التي يروي من خلالها يوميّات "صافية" وإن كانت تستريح على الحرمان، "من غير المقبول أن يكون في العالم ملايين الأطفال يعجزون عن الإلتحاق بالمدرسة، بفعل الظروف الصحيّة، أو الإنقطاع المُزمن في الكهرباء أو عدم توافر الموارد الأساسيّة. ثمة مناطق لا تعرف الكهرباء، ولا تملك المياه. ويعيش السكّان تحدّيات تتعدّد أسبابها وظروفها".
ومن خلال هذا المشروع الضخم يعودعطّار، مُراسل الحرب السابق، إلى مبدأ التحقيق الصحافي الذي يبرع فيه فيُسلّط الضوء على طريقته على الأطفال في مُختلف أنحاء العالم وما يواجهونه من حرمان في ما يتعلّق بالتعلّم.
أيلول 2015 هو موعدنا مع الكتاب-الحدث الذي يأمل المصوّر العالمي أن يستريح على صور مأخوذة من 18 بلداً، و"في الواقع أواجه العديد من الصعوبات، ولكن جمعيّة-علّم طفلاً- تفتح لي الطريق، تُهيّئه لي، والقيّمون عليه هم عرّابون المشروع". وكمصوّر يملك عطّار على قوله، "مادة غنيّة جداً جداً، وهي عودتي –على الأرض- فأسافر بعيداً لأصل إلى البلدان المختارة...أكيد عم تتهيألي الإمكانيّات على الأرض، ومع ذلك أحاول أن أصل إلى هؤلاء الناس بكل تجرّد، ومن هذا المُنطلق لا أطلب الكثير من التحضيرات فأتخطّاها كي تسنح لي فرصة إلتقاط الواقع بصدق. أنا عائد من عند الطبقات المعدومة جداً، جداً، جداً...الكلام مش متل الشوفة، ولكن الموضوع الذي أعالجه أكثر من غني من حيث مُعطياته والمادّة التي يُقدّمها". يضيف، "أنا طاير بالموضوع!".
ماهر عطّار، لا يُجسّد في هذه الصور التي ينضج من خلالها "وجه الإنسانيّة" بماء الإبداع، الفقر، بل يُحاول على قوله أن يُسلّط الضوء على "قدرة" الفقر الهائلة على توليد قلّة التعلّم!
يعيش اليوميّات في كل بلد أو منطقة يزورها تماماً لو كان إبنها، فينام مع القبائل، ووسط الظروف الحياتيّة المعدومة، والمُفارقة في الأماكن التي يزورها، "تكمن في كوني هنا الإنسان أكثر منه الفنّان. عم كون قاسي مع نفسي تيطلع منّي مادة. الموضوع موجود على الأرض. الإنسان دائماً يطلب أكثر. ولكن عم كون قنوع، يعني أسير مع الأطفال وسط المطر، فأتابع وأروي من خلال الصورة كيف يصل مع الوحل إلى المدرسة تحت الشتي. الأولاد بيكونوا قاعدين فوق بعضن في غرفة واحدة. ثمة العديد من الأمثلة. يُمكن أن أشاهد صف بكامله يجلس الأولاد فيه على طاولة واحدة! فيتقاسمون دفتراً واحداً وقلماً واحداً. كل الأمثلة موثّقة".
وفي ما يتعلّق بعمليّة التوثيق، صحيح ان الصور فيها لمسته الخاصة ولكنه يُحاول على قوله، في الوقت عينه، أن يُجسّد الواقع من دون أن "تولّد الصورة صدمة لدى المُشاهد، بقدر ما أريدها أن تهزّ المشاعر. أريد المُشاهد أن يُقرّر بعدها أن يتوجّه إلى هذه الأمكنة فيُساعد. لا أريده أن يبكي ما أن يرى الصورة".
الأولاد في هذه الصور التي لا ينقبض فيها الصدر، هم النجوم، "أنا آداة، وأضع طاقاتي وإمكاناتي في تصرّف الأولاد لأسلّك تالياً الضوء عليهم. وبعد فترة طويلة لم أنزل فيها –على الأرض- نزلت اليوم بتجرّد مُطلق من حياة ال5 stars. أُردّد ان القصّة لا تكمن في إظهار الفقر بقدر ما هي في تسليط الضوء على واحدة من المشاكل الإجتماعيّة المُزمنة".
وأكثر ما أبهر المُصوّر العالمي، "مستحلي شوف ولد مش سعيد! نحن في الواقع نتذمّر كثيراً. أصل إلى أماكن لا يُمكن أن تُفكري فيها، أماكن لا تصل إليها الأقدام. أسفاري طويلة...والضحكة تبع الولاد لهون! هم بسطاء جداً، وقد يكمن السبب في هذا التفصيل انه لم يحظوا بالفرصة المُناسبة".
يعيش عطّار في كل بلد يزوره، "أسبوع. ولبنان هو البلد الوحيد الذي عشت يوميّات الأطفال فيه في رحلتين. في الهند بقيت 9 أيام على إعتبار ان الموضوع غني جداً...في الواقع سافرت إلى العديد من الاماكن المعدومة".
نعم، ثمة صلة وصل بين هؤلاء الأطفال، وسوف "نقرأ مرئيّاً" القصص خلف الإبتسامة، في أيلول المُقبل في الكتاب الذي يطلقه عطّار في نيويورك، "أنا أروي القصص من خلال الصورة. أنا قادم من عالم التحقيق الصحافي. ما زلت أملك ذهنيّة التحقيق الصحافي. والأكيد انني أملك المعلومات الوافرة حول كل بلد قبل زيارته".
المُغامرات التي يعيشها "كثيرة المطبّات" وفي الوقت عينه هي رائعة. وفيها هو الشاهد الذي لا يُراقب كي يُطلق أحكامه المُسبقة، بل يروي القصص الإنسانيّة فيضطلع بدور الشاهد لفترة في حياة الأطفال. يصل المصوّر إلى تلك الاماكن النائية "بطريقة شبه مخفيّة، وأعمد بسرعة البرق على جعلهم ينسوا وجودي. ومن خلال عملية النسيان هذه أقدر أن أستخرج الصور التي أبحث عنها سلفاً".
وهو يعمل مع آلة تصوير ال"لايكا" الكلاسيكيّة، "أو رولس رويز الآت التصوير. وهي بسيطة وصغيرة، وأملك بحوذتي خلال أسفاري 3 منها. الآلة صامتة، والعمل فيها شديد الصعوبة...بدّك تكوني مُخضرمة تتشتغلي فيها. ولكن المصوّر لا يجذب الإنتباه غير الضروري من الشخص الذي يعمد إلى إلتقاط لحظاته. أضف إلى هذا التفصيل كون جودتها عالية جداً".
ومن هذا المُنطلق فإن ال"بورتريهات" في حلّتها النهائية "طبيعية جداً، فلا تتبدّل الملامح لتكون زائفة في إطلالتها". يصمت ماهر عطّار قليلاً قبل أن يُنهي، "وكأنني أتجسّس على اليوميّات، ولكنها الدليل لما أبحث عنه فأرويه مرئياً. أنا الشاهد عليها".
[email protected]


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم