الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

عمال لبنان متعبون: حياتنا لا تطاق!

المصدر: "النهار"
محمد نمر
A+ A-

"ثماني ساعات عمل - ثماني ساعات راحة - ثماني ساعات نوم"، شعار رفعه عمال شيكاغو في الأول من أيار من العام 1886 من أجل تخفيض ساعات العمل. لا شك أن القانون اللبناني طبق هذا الشعار في قانونه لكن ما هو حال العمل والعمال في لبنان؟


أكثر من 16 ساعة عمل
الواقع أن الكثير من اللبنانيين يعملون أكثر من 16 ساعة يومياً في وظيفتين أو اكثر لتأمين معيشتهم.
حسن ضحك لدى سماعه شعار الثماني ساعات، وقال: "يكفيني 3 ساعات راحة و5 ساعات نوم في حال توفرت، لكن ما يحصل اني ارى عائلتي 10 ساعات في الأسبوع وأنام 4 ساعات يومياً". حسن ثلاثيني يبدأ عمله حارساً في وسط البلد عند الحادية عشرة قبل منتصف الليل. ويبقى واقفاً طوال ثماني ساعات، وعند السابعة صباحا يتوجه إلى عمله الثاني في احدى المؤسسات في المزرعة. ومن الثامنة صباحاً حتى الرابعة بعد الظهر، يعمل حسن سائقاً بين المناطق والمحافظات، ناقلاً البضائع إلى فروع أخرى. بعد هذه الرحلة الشاقة يحط حسن في منزله عند الساعة الخامسة بعد الظهر، ويقول: "أسرع في تناول وجبة الغداء. أمعن نظري في طفلي لدقائق، ثم أرمي جسدي على السرير لنحو 4 ساعات، لأعود واستيقظ وابدأ رحلة عملي من جديد".
"شغلة وحدة ما بتكفي. من العملين أحصل على 1200 دولار، وإذا خصمنا من المبلغ ايجار المنزل في بيروت وقسط المدرسة لولدي، ومصروف المنزل... منطلع خالصين، ولولا عمل زوجتي لكنا متنا جوعا"، يقول حسن، مضيفاً: "حياتي الاجتماعية معدومة، أطفالي لا أراهم، زوجتي تفتقدني في الليل والنهار، ولكن الحمد الله".



*****
فادي في السابعة والعشرين من عمره، تخرج من كلية الحقوق، واخذ يتدرج في مكتب محاماة، فكان الاخير يرسله لتخليص المعاملات شمالا وجنوبا وبقاعا، ولم يكتب له النجاح في امتحان نقابة المحامين، فبقي متدرجاً لسنوات حتى كره المهنة التي "تحتاج الى حربقة وعلاقات مع نافذين.."، كما يقول. من بعدها، تقدم فادي الى وظائف عدة في الدولة ولم يوفق، كما قدم سيرته الذاتية الى عشرات المؤسسات، ولم يوفق الا بالعمل محاسبا في مطعم من الساعة الحادية عشر قبل الظهر الى الواحدة بعد منتصف الليل، لقاء 600 دولار. بالنسبة لفادي الذي نال درجة جيد جداً في جامعته، تجربته السيئة في سوق العمل تعود الى افتقاده "للواسطة وعدم انتمائه الى هذا الحزب او ذلك". فادي حاول اكثر من مرة الهجرة صوب الخليج وافريقيا من دون نجاح. ويؤكد "سأبقى أحاول".


مزاحمة اليد العاملة


تزايد اعداد اللاجئين السوريين على نطاق غير مسبوق في منطقة عكار وحاجة السوريين الى العمل اليومي لتأمين لقمة العيش دفعا بالواقع الاقتصادي الى اماكن غير محببة للعديد من ابناء المنطقة الذين بدأوا يشتكون من مزاحمة العمال السوريين لهم في نطاق عملهم سواء كمزارعين او عمال بناء او سائقي سيارات وغيرها الكثير من المهن والحرف اليدوية، وبحسب مراسل "النهار" في عكار ميشال حلاق، يتاقضى العامل في عكار مقابل ست ساعات عمل نحو 30 ألف ليرة لبنانية، فيما السوري وافق على العمل ثماني ساعات مقابل 15 أو 20 ألف ليرة لبنانية. ويقول عمر الخالدي الذي يعمل سائق فان لنقل الركاب على طريق وادي خالد- حلبا -طرابلس أن هذه القضية تهدد عمله لأن صاحب الفان يرغب في تشغيل سائق سوري بديلا منه كونه يتقاضى اجراً اقل ويعمل لساعات اكثر.
عصام غالب كان يعمل في مطعم يقدم الاطعمة الجاهزة في محيط بلدة حلبا. يشير الرجل الى ان "مقابل كل لبناني يعمل في الميدان هناك اكثر من عشرين عامل سوري يتقدمون للعمل نفسه وباجور اقل، ما يشجع ارباب العمل على التخلي عن عمال لبنانيين"، مضيفاً: "متضامنون مع الاخوة السوريين ونقدر الظروف الصعبة التي يعيشونها، لكننا مهددون في لقمة عيشنا ايضا وعلى الجهات الدولية المانحة تقديم المساعدات التي تكفي العائلات السورية وتحفظ في الوقت عينه ديمومة عمل اللبنانيين".
اما سمير اسبر، فهو "معلم بناء" في عكار، طالب الدولة اللبنانية بضبط العمالة السورية في لبنان وعكار في شكل خاص "إذ ان اغلب ورش البناء اليوم تشغل عمالا سوريين او فلسطينيين على اعتبار انهم يتقاضون اجورا اقل"، متسائلاً: "من الذي يحمي العامل اللبناني ويؤمن له عيشا كريما؟".
******
قزي: نسبة البطالة 46 في المئة


"العمل في وضعه العام سيء، لكنه يبقى أفضل من حال العاطلين من العمل"، يقول وزير العمل سجعان قزي. وبحسب أرقام المصرف الدولي فإن نسبة البطالة في لبنان بلغت 46 في المئة. مؤشر "مخيف" بالنسبة إلى قزي الذي يلاحظ أن "هذه النسبة لا تشكل خطراً اجتماعياً فحسب بل كيانياً، لأن دولة فيها هذه النسبة من البطالة يجب أن تعيد النظر في بنتيها وهيكليتها".
المشكلات التي يعانيها العمال بحسب قزي هي: "عجز الدولة عن تأمين حقوقهم، ظروف العمل في بعض المؤسسات، منافسة اليد العاملة الأجنبية، نسبية تغطية الضمان إذ يدفع العامل للضمان في لبنان أكثر من بلدان أخرى، عدم وجود تغطية اجتماعية وصحية للعمال بعد التقاعد (قدم قزي مشروع قانون إلى مجلس الوزراء لتأمين التغطية الصحية)، عدم تأمين السلامة في العمل، غلاء الأسعار والتضخم الذي يرتد على الطبقة العاملة التي أصبحت القوة الوحيدة الباقية في لبنان مع زوال كبير للطبقة الوسطى بسبب الحروب من العام 1975 إلى اليوم".
قزي لا يريد الادعاء بأنه يحمل الحلول لمشكلة البطالة، لكنه يرى أنه "من المفترض أن تحل بتنفيذ القوانين الموجودة والخطط والدراسات الجاهزة، لأن لبنان لا تنقصه افكار جديدة إنما تنفيذ الموجودة"، مذكراً بأن "حلول قضايا العمل تخضع لخصوصيات كل بلد، وما ينقصنا فقط هو الارادة السياسية لدى الدولة، والأمر لا يقتصر على الارادة من الحكومة فحسب، بل من الدولة بقطاعيها الخاص والعام". وضرب مثالاً على سلسلة الرتب الرواتب، قائلاً: ان "اقرارها أو عدمه لا يتأثر بمجلسي الوزراء أو النواب إنما بارباب العمل وهيئات التنسيق".
في شأن ظاهرة الاضطرار للعمل لأكثر من 15 ساعة يومياً لتأمين المعيشة، رأى قزي أن "هذا واقع ظالم للانسان أن يعمل أكثر مما يستريح"، معتبراً أن "النشاط لا يعني تحميل المرء ساعات أكثر مما يحتمل ومن الضروري اعادة النظر في ساعات العمل من دون أن نفرض الأمر على العامل والمؤسسات، فنحن في بلد ديموقراطي، وفي فرنسا التي اعتمدت 35 ساعة اسبوعياً عادت وتركت حرية الخيار إلى المؤسسات والعمال"، علماً ان الحد الاقصى للعمل في وظيفة واحدة وفق قانون العمل اللبناني الصادر عام 1946 هو 48 ساعة أسبوعياً. اما ظاهرة العمل في وظيفتين او اكثر لتأمين العيش فليست مشكلة عمل بحسب قزي، "بل تعود إلى الحياة المعيشية الغالية في لبنان حيث لا يستطيع الموظف أو العامل بالأجر الذي يتقاضاه في وظيفة واحدة اعالة عائلته وأولاده، وبالنسبة إلى الطبقات الشعبية فان الحياة في لبنان من الناحية المادية لا تطاق، إلا إذا كان الفرد لا يزال يعيش في قريته على الانتاج المحلي ويمارس حياة في حدها الأدنى".
وختم قزي كلامه متوجهاً إلى العمال في عيدهم: "اتحدو حول قضايا العمال ولا تتفرقوا حول الانتماءات الطائفية والسياسية، وإذا كانت كل الثورات في لبنان عمالية أو وطنية فشلت فلأنها اصطدمت بالانتماء المذهبي والطائفي. تحرروا من الطائفية وقاوموا من أجل حقوقكم".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم