الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لبنان مقبل على كارثة عطش وظاهرة "لاجئي مياه" في الأفق

المصدر: "النهار"
محمد نمر
A+ A-

"العطش" آخر ما قد يتخوف منه اللبناني بسبب معرفته الخاطئة بأن وطنه يسبح فوق كنز مائي يرويه إلى أبد الابدين. الصحيح أن سنوات تفصلنا عن ظاهرة جديدة في جمهوريتنا السعيدة تدعى "لاجىء المياه"، ورغم كل المؤشرات تقف الدولة مكتوفة الأيدي عن حلول جدية.


ببساطة، لبنان مقبل على كارثة مائية وطنية، تنبأ الخبراء بحدوثها في العام 2020، لكنهم لاحظوا مؤشراتها اليوم، ويقول خبير علوم المياه والزراعة الدكتور هادي طبارة لـ"النهار" ان "لبنان سيصبح من الدول المتعطشة للمياه والفقيرة مائياً، في حال غابت استراتيجية وطنية دفاعية تحلّ المشكلة، وهذا الغياب سيؤدي إلى ضرر في قطاعات السياحة والزراعة والصناعة في شكل اساسي، إضافة إلى الاثر على السلم الأهلي"، موضحاً الضرر الأخير بأن "جزءاً من النزاع السوري أدى إلى نزوح من الريف إلى المدن، ولبنان سيشهد الحال نفسها، وستولد ظاهرة لاجئي مياه من اللبنانيين، وبدأت مؤشراتها بالظهور مع نزوح أهالي البقاع الشمالي إلى بعلبك بسبب الأوضاع المضطربة من جهة والمياه من جهة أخرى، إلى أن باتت بعلبك تعاني من نزوح لاجئي المياه اللبنانيين، ما يؤدي إلى تفاقم حدة الكارثة".
عدم توفر المياه يوقف عمل المزارعين، ويعرقل عمل المصانع، ما سيدفع المواطنين إلى اهمال أراضيهم أو بيعها من أجل البناء عليها، واللجوء إلى المدن من أجل العمل واستمرار العيش، ما يعني اختفاء مساحات الأراضي الزراعية وتغيّرا في المعالم الريفية. وقدم طبارة لـ"النهار" تصوراً شاملاً عن واقع المياه في لبنان واظهر مدى خطورة المشكلة، مقترحاً بعض الحلول على صعيد القطاعين العام والخاص.
يضرب الشح لبنان، وبالنسبة إلى بعض الخبراء الأمر طبيعي الحصول كل 50 سنة، لكن تقريري الأكاديمية الأميركية للعلوم والجمعية الملكية البريطانية أكدا أن حرارة الأرض تزداد وأن الفترة الممتدة بين العام 1983 والعام 2012 كانت الأحرّ منذ 800 سنة، كما حذرا من أنه في العام 2100 سيعيش أكثر من 2.2 بليون نسمة محكومين بظروف ندرة المياه. والبلدان المعرضة للشح هي المتواجدة في حوض البحر المتوسط وجنوب الولايات المتحدة، والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى المناخ. لكن طبارة يرى أن هناك عوامل أخرى تساهم في شح المياه في لبنان وهي: التضخم السكاني وسوء ادارة المياه والهدر.


أولاً: المناخ


المتساقطات: يدرس واقع المتساقطات من ناحيتي الكمية والنوعية، وفي الثانية يعاني لبنان من أزمة في نمط المتساقطات لجهة الاعداد والتوزيع، إذ تمرّ ايام ممطرة بكثافة وبعدها نشهد انقطاعاً وانحصاراً. والأيام غير الممطرة أو التي تشهد مطراً اقل من 1 ملم تزداد كما تطول الفترة بين أيام المطر.
ويوضح طبارة أن مشكلتين يعاني منهما لبنان في هذا الشأن: الفيضانات والشحّ. وفي الأولى، ورغم كثافة سقوط المياه، فانها تؤدي إلى انجراف التربة وتلوث وتصعّب دخول المطر في المياه الجوفية، إضافة إلى عوامل تعرقل الدورة الطبيعية للاستفادة من المياه، والمثال الأكبر على ذلك ما حصل في بيروت عندما فاضت بالمياه منذ أشهر.
وإذا أخذنا سهل البقاع كمثال، من المفترض أن يسقط هناك 435 ملم حتى نصف آذار، لكن الواقع انحجم المتساقطات بلغ 128 ملم. سنوياً، في العام 2006 ، بلغت المتساقطات 488 ملم في سهل البقاع، في العام 2008 337 ملم، أما في العام 2010 ، فـ 479 ملم، ومن المفترض في الوضع الطبيعي ان يكون الرقم 650 ملم سنويا.
الحرارة: يشير طبارة إلى تفاوت في نمط الحرارة بين النهار والليل، ما ادى إلى ضرب الانتاج الزراعي، تماماً كما حصل في عكار حين أتلف الصقيع المزروعات، خصوصاً البطاطا. ويذكر بأن المراصد الأميركية اعتبرت أن سنة 2013 كانت السنة الأكثر ارتفاعا في درجات الحرارة في التاريخ منذ البدء برصد الحرارة.


ثانياً: التضخم السكاني
يرتبط هذا العامل في شكل مباشر بازدياد عدد السكان في لبنان وتوزيعهم، ويلفت طبارة إلى أن "المشكلة تتعلق بحركة اللجوء الضخمة التي يشهدها لبنان، خصوصاً من السوريين، ما أدى إلى تضخم سكاني من شأنه ان يفاقم مشكلة المياه".


ثالثاً: سوء إدارة المياه


"الفساد" هو العنوان الأكبر في هذا العامل، وقدم طبارة مثالاً يتعلق بما يجري في منطقة القاع، حيث أدى الفساد وسرقة الأموال بحسب التقارير الإعلامية إلى عدم تشغيل مضخات المياه من الأبار، وفق طبارة الذي لفت إلى أن أحد الحلول لهذه المشكلة يكمن في انشاء مجلس وطني للمياه يضمّ لجنة تختص بمحاربة الفساد.
وتطرق طبارة إلى واقع بيروت وإدارة المياه فيها، مذكراً بأن نصف سكان لبنان باتوا في العاصمة وتحاول الدولة إدارة موضوع المياه بايصالها من الليطاني، كما قررت لجنة الطاقة والمياه حفر الأبار سريعا لتلبية احتياجات العاصمة، لكن لدى طبارة علامات استفهام، حول الكمية التي ستوفرها الأبار، خصوصاً أن بيروت مثلاً تحتاج إلى 250 الف متر مربع من المياه يوميا.
رابعاً: الهدر
عاملان يسببان الهدر في المياه، الأول نتيجة الامدادات (الأساطل) التي أصبحت مهترئة، ما أدى إلى تسريب في المياه. وفي تقرير للأمم المتحدة هناك ما بين 40% و50% من المياه في لبنان غير محسوبة ومسربة، وهذا الأمر برأي طبارة لا يؤثر على كمية المياه فحسب انما على نوعيتها. والثاني يتعلق بغياب التوعية والارشاد في لبنان، ما يؤدي إلى هدر في المياه.


المياه الجوفية والسطحية


مع سياسة تقنين المياه، يعمد لبنانيون إلى حفر الأبار بطريقة غير شرعية من أجل الاستفادة من المياه الجوفية، لكن طبارة يشدد على أهمية وجود سياسة تربط المياه السطحية بالجوفية عبر "الاستعمال المتكامل".
ويشدد على أن ضخّ المياه من الآبار وتحميلها أكثر من طاقتها يؤثر سلباً على المياه الجوفية وعلى الأنهر السطحية المرتبطة بها ولا بدّ من سياسة لكل منطقة في شأن الاستعمال المتكامل للمياه الجوفية والسطحية، مشيراً إلى أهمية وجود سياسة ترشّد عملية استخدام المياه الجوفية عند حالات الشحّ وقوانين مشددة لاستخدام المياه عند توفر المياه السطحية، ويقول: "المياه السطحية ليست حساباً جارياً والمياه الجوفية ليست حساب توفير، بل هما مرتبطتان أحدهما بالاخرى والتأثير يطال الاثنين سوياً".


الحلول


اقترح طبارة حلول عدة لأزمة المياه، كان على الدولة القيام عليها منذ فترة:
- على المدى القريب: اعلان حالة الطوارىء والتقنين في المياه، وانشاء فريق عمل وخطة لمواجهة الجفاف، والقيام بحملة توعية لكل المناطق من خلال المدارس والمؤسسات والجامعات، وعبر الحملات الدعائية في وسائل الإعلام.
- على المدى البعيد: التفكير جديا باشراك القطاع الخاص في المشاريع عبر تمويلها والمشاركة في ادارتها، واشراك كل المؤسسات المعنية بمؤتمر مشترك. واعادة تكرير المياه المبتذلة واستعمالها في ريّ الأشجار والمزروعات التي لا نتناولها في شكل مباشر وذلك عبر دراسات مختصة. والتركيز على القطاع الزراعي الذي يستهلك 50% من المياه والاهتمام بسياسة الري الحديث بالتنقيط.
ولا بدّ، في رأي طبارة، من دراسة جديّة وسريعة لملف السدود وأخذ القرارات المشاريع المقترحة، بالاضافة الى تخطيط في المدن والأبنية بهدف تشجير بيروت من أجل مكافحة التصحر وتلطيف المناخ المحليّ، كما لا بدّ من قوانين للمجمعات والأبنية السكنية تدفعها إلى تشجير أسطحها، فضلاً عن ضرورة وجود قوانين للقطاعين الصناعي والسياحي تفرض على المؤسسات امتلاك خطة مائية لكل مشروع من أجل الاستفادة من مياه الأمطار ومعالجة المياه المبتذلة واعادة استعمالها.
وختم طبارة تصوره مستغرباً عدم اعتبار مشكلة المياه وطنية من قبل الدولة، مستبعداً الوصول الى حلول ومرجحاً الوصول إلى مرحلة يصبح فيها اللبناني لاجىء مياه، مذكراً بأن اللبناني يدفع سنوياً معدل 300 دولار أميركي مقابل استهلاك المياه. ولفت الى ان المشكلة الأساسية تكمن في "أننا لم نعد تفتح الحنفية ونشرب منها، وهذا الأمر بدأ منذ 40 سنة".


السنة الأسوأ


قال رئيس دائرة التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية في مطار رفيق الحريري ، عبد الرحمن الزواوي لـ"النهار" أن كمية المتساقطات في بداية نيسان وصلت إلى 440 ملم.
واعتبر الزواوي ان هذه السنة المطرية تعدّ "سيئة"، وهي تكاد تشبه اسوأ سنة مطرية شهدها لبنان في العام 1957، حين وصلت نسبة المتساقطات إلى 410 ملم، فيما المعدل العام للمتساقطات في بيروت هو 750 ملم سنوياً، مشيراً إلى أن سنة 2012 – 2013 سجلت نسبة المتساقطات فيها 950 ملم، أما في 2011 فقد سجلت 900 ملم.


[email protected]


Twitter: @mohamad_nimer

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم