الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

بعد إنكار وغضب... رسالة حبّ إلى لبنان

المصدر: موقع "أفار"
"النهار"
بعد إنكار وغضب... رسالة حبّ إلى لبنان
بعد إنكار وغضب... رسالة حبّ إلى لبنان
A+ A-

في تشرين الأوّل الماضي، أتت إلى لبنان بغية ممارسة رياضة المشي في جباله. وصلت قبل يوم من اندلاع التظاهرات، الأمر الذي مكّنها من تفادي قطع الطرقات. خلال الأيام العشرة التالية، مشت برفقة زملائها أكثر من 150 كيلومتراً عبر القرى.

شاهد الفريق المعابد الرومانية والأطلال الفينيقية والمنازل التي تعرضت للقصف، والمخابئ المهجورة والآثار التي خلّفتها الحروب العديدة. مرّ الفريق في غابة أرز عمرها ألف سنة وقد شهدت قيام وانهيار إمبراطوريات. قطف الفريق التين الناضج والتوت والجوز على طول الطريق، في وقت كانت بيروت المتلألئة ببراءة كما بدت من المرتفعات، تشهد اضطرابات.

تشرح هريشداكيان أنّ العديد من زملائها اللبنانيين كانوا من جذور لبنانية، وقد أتوا من أماكن بعيدة مثل نيوهامبشر وتورونتو وملبورن. في تلك الرحلة، زار هؤلاء لبنان للمرة الأولى. لكنّ آخرين ممّن أبصروا النور في لبنان وهربوا من البلاد خلال الحرب الأهلية أتوا من أجل إعادة التواصل مع بلدهم. لكنّ علاقتها مع لبنان كانت أكثر تعقيداً.

أضافت هريشداكيان أنّ عائلتها، وهي ابنة مهاجرَين أرمينيَّين تعرض أسلافهما للتهجير بسبب الحرب على مدى أجيال، لم تجد جذورها في لبنان. لقد اعتبرها اللبنانيون أجنبية على الرغم من أنّها وُلدت على التلال المطلّة على بيروت. بذلك، لم تُعطَ هريشداكيان الجنسية.

بعدما رُفضت في الأرض التي أبصرت النور عليها، شعرت هريشداكيان بألم عميق. وعقب هربها إلى الولايات المتحدة إثر اندلاع الحرب الأهلية سنة 1975، أدارت ظهرها للبنان وادّعت أنها لا تأبه. وذكرت أنها حين كانت تُسأل عما إذا كانت لبنانية، كانت تنكر ذلك.

لكن ما اكتشفته حين كانت تتنزه في لبنان أنّ الانتماء هو أكثر من البيروقراطية أو الأوراق الرسمية. إنّه ارتباط يسري في الأعماق. فالذكريات الحسية تترك أثراً عميقاً في عظام الإنسان. الهواء المألوف والمالح، رائحة الصنوبر والرائحة الكريهة للماعز وطعم البقدونس والليمون وأصوات أجراس الكنائس والدعوات للصلاة – إنّها الوطن، كما كتبت.

وفي كلّ من الزيارات المتتالية إلى بيروت التي قضت فيها طفولتها وصباها، كانت العاصمة اللبنانية تصبح متشابكة بشكل راسخ. اختلطت أجزاء من ذكريات الحنين مع المزيد من الحسرة في الآونة الأخيرة بما أنّ المدينة التي قضت فيها أول تسع سنوات من حياتها تحوّلت إلى أنقاض بعد الانفجار الأخير.

مع لقائها طباخين ومزارعين يحافظون على تراث الطهي في البلاد، والمصممين الذين يعيدون إحياء ثقافتها الحِرَفية والناشطين الذين يحافظون على المناظر الطبيعية الخلابة، أفسح حنين طفولتها المجال أمام تقدير أكثر دقّة لذلك المكان المعقّد والمتناقض. هناك يرفض الشعب الذي لا يُقهر التنازل عن مدينته بصرف النظر عن عدد المرات التي تحوِّلُها فيه القوى الخارجية والفسادُ الداخليّ إلى ركام.

وختمت هريشداكيان رسالتها كاتبة: "دمّر أحدث انفجار المباني على بعد مئات الأميال حوله، لكنْ أيضاً (دمّر) أيّ مسافة أمكن أن يشعر بها أيّ واحد منّا نحن الذين نحبّ هذا البلد. نحن جميعاً لبنانيون الآن".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم