الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

من أمهاتنا ﻹهمالكم صفعةٌ من رماد

المصدر: النهار
رحمه عمر زيتون
من أمهاتنا ﻹهمالكم صفعةٌ من رماد
من أمهاتنا ﻹهمالكم صفعةٌ من رماد
A+ A-

منتصبة القامة مشت بمحاذاة جملة ساكنة الحروف حرّاقة الوجدان، "يا بني كسرت لي ظهري"، والمقلُ تبلّل شفاه المبسم، والأضلع كالرماح تكاد تتحرر من أمام قلب منتفض النبض مهدود القوى انتظرَ بلوعة فلاقى بشوق.

ها هي أمّ الشهيد تُغفي ابنها بين الأهداب صورةً، تلامس نعشه برفق علّ نبضها ينساب في عروق ناشفة الريق من حرّ الجمر تحت الرماد، فتمسك بيده الباردة؛ فلطالما كانت لمستها كفَّ مسيح وثوب يوسف النبي، ولكن دون جدوى.

تمعن النظر بعيون كل من أعمى عينه عن مسؤوليته وواجبه تجاه صغيرها. ترفع يديها إلى السماء لتذكّرهم أن لنا ربّاً جبّاراً مهيمناً وملائكة من إنس برتبة شهيد نشتمّ رائحتها كنسيم عابر فوق طرق من غار.

تصرخ "أين مدللي؟" فيرّن الصدى غضباً في مسامعهم الصماء. كل برهة أبناؤهن عنهن يتأخرون، يُجلَدن بسوط الأوتار المبحوحة أنيناً وفراقاً، تدّق دموعهنّ مطراً فوق شبابيك مقفلة على ضمائر أكلها الغبار في أهراءات الإهمال. وتؤذيهم سُمرة معصمهنّ التي كبّرت أجيالاً فيخبّؤون أصابعهم في ذاك الجيب المملوء سرقة وحراماً. تدلنّ بفيض نور رموشهنّ قصور غيم وشمس وأقمار حيث يطوف الشهداء، فيَقفلون أبواب بروجهم على جشعهم ويعانقون أموالاً مسلوبة من شعبهم، ويتناسون شعبهم الذي يركن فوق الركام في كل طريق يغمرهم غريب، ويجبر خاطرهم عابر سبيل، وتسأل عن حالهم سفارة وجمعيات وأمير.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم