لماذا جئتنا يا سيّد ماكرون في هذا النهار المشؤوم؟ لماذا جئتنا بعد الانفجار الجهنّمي الذي أودى ببيروتنا؟ بيروت التي بكتها قلوب العرب وعيون الشرق؟ بيروت التي بكاها المثقّفون والفنّانون ومحبّو الحياة من كلّ حدب وصوب؟ لماذا جئت يا ماكرون إلى لبنان اليتيم الذي بات اليوم بلا قلب وبلا عاصمة؟
لقد أيقظت وجعنا، يا فخامة الرئيس. أيقظت شعورنا باليتم والفقر والضياع. لقد هزّتنا دموعك وعناقاتك وزرعَت فينا سكاكين حادّة زادت مرارة واقعنا.
نحن اليوم بلا رئيس وبلا جمهوريّة وبلا أب، يا فخامة الرئيس، فلماذا جئتنا؟ ألتزيد حزننا؟ ألتُرينا كيف يكون الرئيس الحقّ والأب الحقّ والمسؤول الحقّ؟ لماذا جئتنا يا فخامة الرئيس، ونحن اليوم بلا بيروت؟
جئتنا بوجهك المبتسم وبعينيك الحزينتين. جئتنا لتقول إنّ لبناننا ليس وحيدًا. لكنّ لبناننا وحيد للأسف، وعندما تسقط المهرة، يكثر الصيّادون.
لبناننا يا فخامة الرئيس وحيد في وجه تنّين. لبناننا عالق ما بين الشرق والغرب. لبناننا هو المركب الذي يتحدّث عنه المثل: "تخانق البحر والريح، طلعت الفلّة بالمركب". نحن المركب يا فخامة الرئيس، وفي حالنا طلعت الفلّة بالمركب والمرفأ والمدينة المستنزفة.
عد إلى بلادك يا فخامة الرئيس، واتركنا لبؤس حالنا. لا تذكّرنا بأنّنا أيتام مغلوبون على أمرهم. لا تذكّرنا بالعطف والحنان والطيبة التي لا نجدها عندما ننظر في قلوب حكّامنا. لا نريد يديك، لا نريد ساعديك، لا نريد ربطة عنقك التي أتت إلى مأتمنا بينما رئيسنا غافل عن شعبه. لا نريد شبابك ولا صرامتك ولا قوّتك، فنحن اللبنانيّون لا نزال شعبًا عظيمًا. إنّما غصبًا عنّا.
عد إلى بلادك يا فخامة الرئيس، فنحن في بلاد حاكمها هو ظالمها. فلمَن نشكو أمرنا؟ جئتنا قائلاً إنّك تدعم الشعب لا الحكومة. جئتنا قائلاً إنّك ستساعدنا وستدعمنا وستعود في بدايات شهر الحصاد لتحتفل معنا بمئويّة استقلال لبنان. إنّما أين هو الاستقلال ليكون هناك احتفال؟ أين الاستقلال الذي ضحّى من أجله أعظم رجالات جبل لبنان؟ لم يعد لبناننا كبيرًا يا فخامة الرئيس بغياب بيروت. لم يعد للاستقلال طعم بعدما شتّتونا وأحرقونا وأهلكونا، وبعدما استيقظ المارد الذي كان مختبئًا في المرفأ. ماذا ترانا فعلنا في هذه البقعة الصغيرة من الكون لنستحقّ كلّ هذا الوجع؟ كثرٌ ماتوا يا فخامة الرئيس. كثر فُقدوا، كثر رحلوا، وكثر استسلموا. فهل نلوم الذين يطالبون بانتداب جديد؟ هل نلوم الذين تعبوا وانهزموا ولم تعد الأيّام تحمل لهم سوى المزيد من المآزق؟ هل نلوم الذين يريدون اللجوء إلى حضن فرنسا، الأمّ الحنون؟
لسنا شحّاذين يا فخامة الرئيس، إنّما هم الذين يشحذون باسمنا ويسرقون باسمنا ويفتكون باسمنا.
لسنا فقراء يا فخامة الرئيس، إنّما وقعنا في براثن طبقة سياسيّة طمّاعة مشؤومة لا تشبع ولا تتوب.
لسنا معوزين يا فخامة الرئيس، إنّما التهموا كبرياءنا وأنفتنا وعظمتنا ورمونا عظامًا ترزح تحت الركام.
نحن تجّار الشرق يا فخامة الرئيس، نحن الذين علّمنا العالم معاني الحرّيّة والتمرّد والأنفة، نحن أهل الحرف والكلمة والثقافة، نحن قبلة أنظار العرب ومضرب المثل في العلم والأدب والفكر، لسنا شحّاذين ولا فقراء ولا معوزين يا فخامة الرئيس. نحن اليوم فقط أيتام، بلا بيروت.
عد إلى بلادك يا فخامة الرئيس، ولا تذكّرنا بما ينقصنا، لا تذكّرنا بوجعنا، لا تذكّرنا بأنّ لا شهامة لدى سياسيّينا، ولا رقيّ لدى حكّامنا. لا تذكّرنا يا فخامة الرئيس، بأنّ بيروت المغدورة حُكّامها هم الذين صلبوها.
عد إلى فرنسا يا فخامة الرئيس، واتركنا نتأمّل ونصلّي وندفن موتانا. اتركنا ننتظر أن يأتي اليوم الذي ستولد فيه الثورة من رحم الأحزان. الثورة التي لن ترحم أحدًا هذه المرّة.