الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

مشهدية الجرحى والمفقودين... "النجاة يا الله"

المصدر: "النهار"
فرح نصور
مشهدية الجرحى والمفقودين... "النجاة يا الله"
مشهدية الجرحى والمفقودين... "النجاة يا الله"
A+ A-

135 شهيداً و5 آلاف جريح حصيلة غير نهائية لزلزال انفجار المرفأ الذي خلّف الكثير من المآسي وقصص النجاة. في الآتي، مشهدية البحث عن الجرحى والمفقودين في مستشفيين بيروتيين.

المشهد في محيط مستشفى الجامعة الأميركية ومستشفى خوري صباح الانفجار الذي هزّ بيروت أمس، كان كمن استفاق من حربٍ لم يعشها. جرحى يخرجون وآخرون يدخلون ولسان حالهم "النجاة يا الله". أشخاص يهرولون باتجاه مدخل الطوارئ ليسألوا عن مفقودين لهم منذ البارحة، ولا يجدون أثراً لهم في أي مستشفى من مستشفيات بيروت. نروي ما رأيناه في هذه السطور.

فور الوصول إلى مستشفى خوري، حضر شخصان يسألان عن مفقودٍ لهما منذ البارحة وعيناهما حمراوان كالجمر من البكاء. بعض المصابين ومنهم عمال من جنسيات مختلفة، رووا ما حصل معهم أمس. "كنت في بيتي في منطقة الظريف، شعرت بهزّة قوية جداً، فقمت نحو باب البيت وأحسست أنّها هدأت، لكن فجأةً سمعت وشعرت بالانفجار وتضرّر المنزل كلّه وسقط الزجاج على رأسي ما أدّى إلى جروحٍ وكسرٍ في مكان ما في الجمجمة أثّر على عصب عيني ولم أعد أقوى على النظر، وحتّى الآن، أرى بغباش ولا أستطيع التركيز".

رجل آخر كان في مكتبه في منطقة الجميزة وعند سماعه دوي الانفجار، هرول إلى الدرج وانزلق وأُصيب عموده الفكري وأضلاعه. في الغرفة المجاورة امرأة لُفّ معصم يدها اليمنى بعد تقطّع أوتاره، كما لُفّت أصابع يدها اليسرى، وأُصيبَت بجروحٍ متفرقة في جسدها. المرأة من سكان منطقة كليمنصو. كانت تتحدّث مع صديقتها على الجوال عندما أحسّت بهزةٍ كبرى. بعدها "انفجر المنزل"، وفق قولها، ولم تعد تستطيع حتّى فتح الباب الرئيسي من شدة ضغط الانفجار. ركضت نحو الشرفة تنادي النجدة فصعد حارس المبنى ونقلها على دراجته النارية إلى المستشفى، "لا أدري ماذا أقول ما عشته لا يُصدق الله نجاني من الموت".

بالانتقال إلى العمال الأجانب، عاملة منزل اريترية سقط الزجاج على رأسها حيث تعمل في منزلٍ في الأشرفية. وعامل بنغلادشي لا يذكر ما حدث معه أمس، لأنّه طار من شدة ضغط الانفجار، ووجد نفسه في المستشفى ويعاني من كسور في فقرات رقبته، ويضع طوقاً طبياً حولها. عامل آخر من الجنسية نفسها، وهو عامل نظافة في مكتب في وسط بيروت، تمدّد على سرير المستشفى ولازال دم "زلزال" أمس يدلّ على ما عاناه. حضر إلى المكتب لإنجاز مهامه بعد خلوّه من الموظفين. سمع الانفجار الذي دفعه إلى خارج المكتب من شدّة قوّته، فوجد نفسه يزحف نحو الطريق. وجده شخص من المارة، ونقله إلى المستشفى، وقد أصيبت عينه اليسرى واستدعت التقطيب، كما انكسرت قدمه اليمنى وتهشمت جراء جرحها بالزجاج المكسور.

كان المستشفى قد استقبل ما يفوق الـ 1000 جريحٍ أمس، غالبية إصاباتهم طفيفة. أمّا الآخرون الذين عانوا من إصابات حرجة، استدعت عمليات جراحية، فقد قامت الأطقم الطبية بما يلزم على الفور. "كنّا محظوظين أنّ مستلزماتنا الطبية لم تنفد، لكنّ المخزون لدينا بدأ يقلّ"، وفق مدير المستشفى، دكتور كمال بخعازي. مئتا موظّف في المستشفى كانوا على أتم ّالاستعداد لتضميد جراح المصابين والقيام بواجبهم الإنساني. آخر عملية جراحية انتهت عند الساعة الثامنة والنصف من صباح اليوم.

بالانتقال إلى مستشفى الجامعة الأميركية، المشهد بدا مختلفاً. نشاهد الجرحى خارج المستشفى. مرات عدة، وصل أشخاصٌ عند باب الطوارئ ليسألوا حراس الأمن عن مفقوديهم، لكنّهم لم يحصلوا على جوابٍ شافٍ. الجواب كان "هذا الاسم ليس موجوداً عندنا يمكنكم البحث في مستشفى خوري". حارس الأمن لايزال واقفاً منذ انفجار أمس، وبدا عليه الإنهاك "البارحة كان المشهد مخيفاً، شيء لا يصدق".

رجلٌ خمسيني يخرج من المستشفى وثيابه مضرّجة بالدماء الناشفة ووجهه حزين لا يقوى على الكلام. لكن عند استصراحه، لفظ جملةً واحدة لم يسعه إكمالها:" البارحة كان فظيعاً لا يمكن وصفه، ولا يمكنني التحدث في شيء، لا زلت مصدوماً حتى الآن"، وأكمل سيره. على جانب الطريق، امرأة ستينية تتحدّث على الجوال وتصرخ تضرعاً لله كي يشفي ابنها. خرج البارحة ليبحث عن أخيه، وعاد محمَّلاً إلى المستشفى. انطفأ جوّال أخيه الذي كان على مقربة من مكان الانفجار. ما كان بالمصاب إلّا أن نزل ليبحث عن أخيه وأصيب في صدره وجمجمته، وحالته حرجة.

امرأة كانت وصلت لتتفقّد أمّها في قسم الطوارئ، يمسكها شخصان. بعد حوالي ساعة، خرجت المرأة محاطَة بمجموعة من الشباب والشابات يحاولون تهدئتها ومواساتها، لكن عبثاً. توفيت والدتها جراء إصابتها بالانفجار. شاب يخرج من قسم الطوارئ، معصوب الرأس بالشاش ويعرج جراء إصابته بقدمه ولم يقوَ على الحديث.

جرحى انفجار أمس لا زالوا يتوافدون اليوم إلى مستشفى الجامعة الأميركية، لتلقّي العلاج وإصاباتهم طفيفة، وفق مسؤولة في الطوارئ. حوالي 60 شخصاً تتمّ معالجتهم في الوقت الراهن. "لم نحصِ أعداد الجرحى الذين أتوا إلينا، كنّا في حال عصيبة وكان همّنا فقط إنقاذهم وشفاءهم"، على ما تقول. حاول المستشفى اختيار الإصابات الأكثر خطورة من غيرها، أمّا الإصابات الطفيفة فعولجت فوراً، ويعود المصابون متعافين إلى منازلهم. المستشفى لم ينقصه شيء من المستلزمات الطبية الضرورية. "كان المشهد فظيعاً، الأعداد كانت هائلة وكنّا نعالج المرضى دون السؤال عن أسمائهم حتى"، تقول المسؤولة. 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم